الطالب الجامعي واحد من المرتكزات الأساس للحياة العلمية والفكرية في أي بلد من البلدان، فهو الذي سيتحمل مسؤولية رقي البلد وتطوره في المستقبل وعلى يديه ستتحقق الأمنيات والآمال، ومن خلال عمله ومواظبته يتحقق الإصلاح.
الطالب الجامعي واحد من المرتكزات الأساس للحياة العلمية والفكرية في أي بلد من البلدان، فهو الذي سيتحمل مسؤولية رقي البلد وتطوره في المستقبل وعلى يديه ستتحقق الأمنيات والآمال، ومن خلال عمله ومواظبته يتحقق الإصلاح.
بناءً على ذلك ليس الطالب مجرد شخص يتلقى دروساً في اختصاص ما ثم يقدم امتحاناً ويحصل على علامة القبول أو الرفض. بل التعلم والتحصيل مقدمة للكثير من المسؤوليات والمهام والوظائف، التي تبدأ من صناعة الذات وتربيتها وتذكيتها ولا تنتهي عند إصلاح المجتمع ورفده بعوامل الرقي والتطور.
أما كلمات الإمام الخميني قدس سرهفقد صورت لنا جانباً هاماً من المسؤولية الملقاة على عاتق الطالب الجامعي بالأخص في الفترة التي تعرف بفترة أو مرحلة قيام الجمهورية الإسلامية. من هنا يمكن الإضاءة على عدد من العناوين الهامة في هذا الإطار.
1 – مسؤولية الطالب الجامعي بالنسبة للمجتمع
تحدث الإمام قدس سره حول عناوين هامة وأساس تتمحور حول الوظائف والمسؤوليات الأساسية الملقاة على عاتق الطالب الجامعي، مشدداً على الدور الأساس لهذه الفئة في المجتمع:
أ- إيقاظ الغافلين:
يشدد الإمام قدس سره على الدور الهام للطالب الجامعي في رفع حجب الظلام والغفلة والانحراف التي تسيطر على عقول وقلوب الكثيرين الذين خدعتهم الدعايات وخدعهم الإعلام وخدعتهم الصورة الظاهرية للثقافات المنحرفة. ومن هنا كان على الطالب أن يساهم في إزالة الكثير من التوهمات والاشتباهات.ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان الطالب مسلحاً بالفكر والإيمان والتحصيل الصحيح وبالتالي المعرفة الصحيحة وسلامة الذهن وبذلك يتمكن من تشخيص الأمراض التي يعاني منها المجتمع الإسلامي ويقوم بدوره في مجال الهداية والإيقاظ ووضع الأمور في نصابها الصحيح.ولعل من أهم النقاط التي يشير إليها الإمام قدس سره في هذا الخصوص الشروع من الأهواء النفسية التي تعمي القلوب والعقول عدا عن الأبصار، لتشكل حاجزاً ومانعاً أمام وصول الحقيقة والهداية إلى المكان الحقيقي لها. لا بل يعتبر الإمام قدس سره أن هذا العمل هو عمل جهادي من الدرجة الأولى مستشهداً في هذا الإطار بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾1.
من جملة الأمور التي يركز عليها الإمام قدس سره في خطابه للجامعيين سعيهم الدؤوب لتقديم المعرفة وإطلاع المسلمين على الحقائق وفضح مخططات المستعمرين، حيث يعتبر هذا الأمر أحد الجوانب الهامة في مواجهة الغفلة والانحراف، يقول الإمام قدس سره:”يتوجب عليكم يا شباب الإسلام الأعزاء ـــ وأنتم أمل المسلمين ـــ توعية الشعوب الإسلامية وتبيين مخططات المستعمرين المشؤومة وإظهارها للعلن. اعملوا على التعريف بالإسلام. وانشروا تعاليم القرآن المقدسة، واسعوا من أجل نشر الإسلام وتقديمه للشعوب الأخرى والنهوض بالأهداف الإسلامية العالية وكل ذلك بإخلاص كامل. اهتموا بتحقق حكومة الإسلام ودراسة مسائلها. كونوا مجهزين ومهذبين، متحدين ومنظمين،رصوا صفوفكم لا تغفلوا عن فضح خطط النظام المتكبر في إيران (نظام الشاه) ضد الإسلام والمسلمين. واعملوا على إيصال صوت إخوانكم المسلمين المظلومين في إيران إلى العالم كله...”2.
ب- طرد المتعلمين المنحرفين
يتحمل الطالب الجامعي المثقف والواعي مسؤولية كبيرة على مستوى تشخيص الخلل الذي يوجده المتعلمون المنحرفون، الذين أضلهم واقع الدول المستعمرة وما تقدمه من مظاهر خادعة. هنا نرى الإمام يشدد على ضرورة أن يقوم المتعلمون ببذل أقصى جهودهم من أجل إيصال ما أراده الإسلام وأئمة المسلمين? وعظماؤهم إلى جميع الشعوب، لا بل يعتبر ذلك من المسؤوليات الخطيرة التي ينبغي القيام بها. ويلزم من هذا الأمر مواجهة العالم (سواء كان أستاذاً أو عالماً حوزوياً) المنحرف الذي يعمل بعنوان واعظ للسلطان يجيرون له كل ما يقع في مصلحته متناسياً الإسلام وغافلاً عن تعاليمه وعن حقوق المسلمين.
والسبيل لذلك الوقوف على مبادئ القرآن النورانية والاطلاع على وظائف أئمة المسلمين وعلمائهم حيث سيؤدي الأمر إلى سقوط كل من يدعي حمل رسالة الإسلام وهو ليس منها في شيء.
وإذا سقط مدعي الإسلام فهذا يعني أن شخصاً لن يتمكن من خداع المسلمين ولن يتمكن من تحوير أهدافهم العالية والراقية، ولن يتمكن من تقديم صورة سلبية عن أئمة المسلمين3.
يقول الإمام قدس سره: “يتوجب على الطلاب الثوريين أن يكونوا على يقظة تامة وأن لا يغفلوا عن هذه المسألة المهمة، وأن لا يسمحوا للجامعات والمدارس ولأولئك الذين ما زالوا يحلمون بالنظام السابق الذين ما زالت أذهانهم تميل للثقافة الشرقية، أن لا يسمحوا لهم بتقديم قضايا انحرافية خارجة عن إطار الدروس المكلفين تقديمها. لا بل يجب أن تعلموا أن المسامحة في هذا الأمر تؤدي إلى الانحراف في الجامعات والثانويات وتتحملون مسؤولية ذلك أمام الله تعالى“4.
على هذا الأساس يجب على الطلاب أن يكونوا أكثر التفاتاً إلى عدم الوقوع في المشكلات التي كانت الجامعات والمثقفون مبتلين بها من قبيل الانحراف والتبعية… ويجب الاستفادة من الفرص الموجودة والسانحة للتعريف بالانحرافات الموجودة وسبل مواجهتها وكيفية بناء مجتمع متعلم سليم ومعافىً.
ج – الدفاع عن الإسلام
يعتبر الإمام الخميني قدس سرهأن مسؤولية الدفاع عن الإسلام تقع على عاتق عموم المسلمين وبالأخص العلماء والمفكرين والجامعيين، لما لهذه الوظيفة من تأثير على مستوى حفظ القيم وانتشارها وبالتالي المساهمة في حفظ استقلال البلد وحريته5. والسبب في ذلك يعود إلى الأصول التي أرادها الإسلام وزرعها في أتباعه. صحيح أن الإسلام يدعو إلى العبادة ولكنه يدعو أيضاً إلى أن تكون الترجمة العملية والحقيقية للعبادة في الخارج وبين أفراد المجتمع. فالإسلام يدعو إلى الإيمان ويدعو إلى التعاون والتواضع ورفع مشكلات المسلمين الآخرين ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم حتى جاء: “ليس منا من بات شبعانً وجاره جائع“. والنتيجة أن الالتزام بتعاليم الإسلام يؤدي إلى وجود أشخاص واقفين على مسؤولياتهم ساعين بشكل جاد وحثيث في رفع مشكلات المجتمع الإسلامي.
وبعبارة أخرى فالإسلام والالتزام بتعاليمه يؤدي إلى صناعة إنسان يعمل جاهداً من أجل وطنه وأبناء طينته بما ينفعهم ويقع في مصلحتهم. ويطلب الإمام قدس سره من الطلاب العمل بشكل جدي للدفاع عن الإسلام لا بل يطلب منهم الاستفادة من الفرص المناسبة والمؤاتية لإيصال صوتهم إلى الشعوب والأمم الأخرى وإسماعهم الممارسات التي كان يقوم بها نظام الشاه ضد البلد وحريته واستقلاله.
يقول الإمام قدس سره: “يجب على الطلاب الأعزاء في أنحاء إيران الاستفادة من كل مناسبة للحفاظ على شعار معارضة الشاه الذي هو شعار الإسلام. وينبغي على الطلاب والعلماء الملتزمين والمسؤولين خارج البلد، نشر جرائم هذا العنصر الخطير في الخارج والداخل، وتعريف الشخصيات المتحررة في أنحاء العالم بما يقوم به من ظلم…“6.
ومن هنا تظهر الوظيفة والمسؤولية الملقاة على عاتق الطلاب في مواجهة أي انحراف ديني أو وطني يصدر عن المخالفين للإسلام الذين يعملون للنيل من تعاليم الإسلام وتشويه صورته. ويؤكد الإمام قدس سره أن على الطلاب تقويم الاعوجاج والانحراف والتحدث بصراحة مع الناس عما هو واقع من انحراف وخلل.
مما لا شك فيه أن هذه الوظيفة والمسؤولية لن تكون مفيدة وفعالة إذا لم يحصل نوع من التعاون والتكامل بين طلاب الجامعات وطلاب العلوم الدينية.
بالإضافة إلى ما تقدم يفترض أن يعمل الطلاب، وفي سبيل الدفاع عن الإسلام والمسلمين، على دعم ومساندة المجموعات الاجتماعية الأخرى كالعمال والمواطنين في مطالبهم المحقة. والسبب في ذلك أن الكثير من الحركات التي تنهض في وجه الظلم تهدف إلى إقرار العدالة الاجتماعية والتي هي مطلب إنساني – عملت الأديان الإلهية على إيجاده. وبالتالي فإن مساندتهم وتأييد وجود العدالة الاجتماعية نوع من الوقوف إلى جانب الإسلام والدفاع عنه7.
يقدم الإمام قدس سره اقتراحاً للحركة في سبيل نشر الإسلام وتعاليمه يضمن سلامة الحركة ويجعلها تسير وفق الضوابط الإسلامية، وهو أن يتحرك الطلاب على الطريق الذي حدده الأنبياء. وهو بلا شك طريق الحق تعالى. وقد أوضح الأنبياء والأولياء حيثيات هذا الطريق الذي يجب أن يتحرك الجميع من خلاله وفي ذلك طلب مواجهة من يحاول تحريف حركة الناس وإبعادها عن المسير الذي تقتضيه فطرتهم8. يريد الإمام بذلك أن يؤكد على أن المعيار الأساسي لسلامة حركة الحفاظ على المسلمين وقيامهم، مطابقتها لحركة الأنبياء ودعوتهم والتي هي من دون شك رسالة الله تعالى.
من جملة ما يترتب على معرفة الإسلام والدفاع عنه أن يُعرض بشكل صحيح وأن يتلقاه الناس بالقبول لتناسبه مع فطرتهم وحاجاتهم ومن هنا يوضح الإمام قدس سره أن قيام الطلاب بتوضيح الإسلام وتبيين الحكومة الإسلامية كما هي فذلك يؤدي إلى قبول الجامعيين بها، لأن الطلاب يعارضون الاستبداد من الأساس، ويعارضون الحكومات التي يقف المستعمرون إلى جانبها. لا بل لا يوجد أي جامعة وأي طالب يعارض الإسلام في شكل الحكومة التي يقدمها9.
د- الدفاع عن الوطن
يتمكن الطلاب من تشكيل حالة وطيف واسع للدفاع عن الوطن، لما يحملونه من أفكار وقدرات واستعدادات تؤهلهم للعب هذا الدور الهام. فالوطن بحاجة إلى أشخاص عارفين مطلعين وأصحاب قدرات علمية واضحة. طبعاً ليس على المستوى العلمي والتقني فحسب، بل في مجالات أكثر من ذلك بالأخص عندما يكون الحديث عن بقاء البلد ووجوده وإعطائه كياناً وصورة خاصة.
في هذا المجال يتحدث الإمام مادحاً قيام الطلاب باحتلال وكر التجسس الأمريكي الذي شكل ضربة قوية للولايات المتحدة الأمريكية وأعطى الشعب المسلم في إيران العزة والشموخ. فالمركز الأمريكي كان محلاً للفساد والمؤامرات التي تطال الشعب الإيراني حيث كان يزاول أعمال التجسس ونشر الفساد عبر وسائل متعددة ومتنوعة. يقول الإمام قدس سره إنه لا يعرف هؤلاء الطلاب الذين قاموا باحتلال وكر التجسس بأشخاصهم ولكن يعلم أنهم أشخاص طاهرون والواضح أن عملهم عمل إنساني بكل ما للكلمة من معنى10.
ويؤكد الإمام قدس سره على أن العمل الذي قام به الطلبة المسلمون قد وجه ضربة قاسية إلى أمريكا الطامعة وإنهم رفعوا رؤوس أبناء الأمة11.
على كل حال يتوجب على الطلاب أن يبقوا على يقظة تامة مما يحاك للوطن وعليهم أن يراقبوا الأجواء بشكل دائم ودقيق حتى لا تعود مراكز التربية والتعليم إلى سابق عهدها وإلى الأجواء السلبية التي كانت تسيطر عليها وفي ذلك نجاة للوطن ودفعه نحو التقدم والرقي.
2 – التوقعات والآمال المعلقة على الجيل الجامعي
في خضم الأجواء العلمية التي تسيطر على فكر الطالب وسلوكه، وبالنظر إلى البيئة المحيطة التي تترك آثاراً متعددة على الطالب، ومع الأخذ بعين الاعتبار المسؤوليات الملقاة على عاتق الطالب الجامعي، تبرز قضية التوقعات والآمال التي ينتظر أن يطلع بها الطالب كعامل أساس من عوامل النهضة والإطلاع الدقيق على المسؤوليات. من هنا حدد الإمام قدس سره ومن خلال كلماته المتعددة الكثير من القضايا التي تندرج في إطار ما يتوقع من الطالب، وهي بشكل أو بآخر نابعة من العناوين المتقدمة الذكر.
أ- الوحدة
لعل العامل الأساس الذي يتوقعه الإمام قدس سره من الطالب الجامعي أن يعمل على إيجاد حالة من الوحدة وتكريسها بين مختلف التوجهات والحركات الطالبية حيث يجب أن تصب جميعها في خدمة البلد والإسلام، وإذا كان لكل شخص هدف وغاية تميزه عن غيره سيؤدي الأمر في النهاية إلى تشتت الجهود وضياع الأعمال.
فالوحدة في الظاهر عبارة عن توجيه جميع الجهود والأعمال لتصب في هدف واحد سينعكس على الوطن واستقلاله وعلى الإسلام وتكريس حيويته. على أساس أن للوحدة مظاهر متعددة تتجلى وتظهر فيها، فتارة يكون الاتحاد عبر الحوار والنقاش والوصول إلى قواسم مشتركة. وتارة أخرى تكون عبر القيام بأعمال تكون نتيجتها تكريس واقع الوحدة.ومن هنا يشجع الإمام على تأدية صلاة الجماعة ورص الصفوف فيها لأن وجود الطلاب في صفوف متراصة أثناء الصلاة يعبر عن حقيقة الوحدة التي تتجاوز الأطر الظاهرة، بل يكون المقصود منها الوحدة الحقيقية12.
وفي هذا الإطار يتوجه الإمام قدس سره إلى المفكرين والعلماء والمدرسين والطلاب طالباً العمل على حفظ الانسجام فيما بينهم، إذ يؤدي الأمر في النهاية إلى الوحدة الحقيقية. فالوحدة والانسجام ليسا من مختصات الطلاب فقط بل تشتمل دائرتهما على كل من يدور في هذه الدائرة، وهي دائرة العلم والفكر والثقافة. ومن هنا يرفض الإمام قدس سره وجود عدد كبير من المجموعات الطالبية، لأن نتيجتها ستكون خلاف المطلوب. فإذا كان المطلوب من الوحدة الطالبية المساهمة في الوعي الشعبي، فإن وجود عدد كبير من الفرق والمجموعات سيؤدي إلى نتيجة معاكسة بالكامل. وقد شجع الإسلام على إيجاد هذه الحالة حيث جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقو﴾. لأن التفرق والتشتت يحمل في طياته الفساد ويحمل في طياته الصعاب والمشكلات13.
ب- تزكية النفس
يؤكد الإمام قدس سره على دور تزكية النفس في صناعة الإنسان وإلى ما تشكله إلى جانب العلم من ثروة هامة تنقل الفرد والمجتمع إلى إطار أوسع من المصالح الآنية والفردية، إذ يساهم الاثنان معاً في سلامة المجتمع وتطوره ورقيه.
يتوجه الإمام إلى الطلاب والأساتذة مشيراً إلى أهمية التوأمة بين التربية الصحيحة والعلم. لا بل على الإنسان كلما تقدم خطوة في المجال العلمي، أن يخطو مثلها نحو العمل الباطني حيث التقوى والاستقامة والأمانة. والهدف أن يصل الشخص إلى مرتبة الإنسانية في نهاية المرحلة الدراسية. في هذه المرتبة يكون الإنسان قد امتلك المعلومات والمعارف وأصبح شخصاً أميناً، وبهذا يحقق الكثير من الأشياء التي ليس من السهل حصولها من دون أمانة.
يخاطب الإمام قدس سره الطلاب قائلاً: “… روضوا أنفسكم، فالنفس تقبل الانقياد، فإن لم تروضوها فقد تؤدي بكم إلى الهلاك. وكل خطوة تخطونها في سبيل التعليم والتعلم، يجب أن يرافقها خطوة أخرى في ترويض أنفسكم. لا ينبغي أن يشغلكم التدقيق في العلوم والغوص بها، والغفلة عن الجهالات الموجودة في النفس. فلو غفلتم عن أنفسكم، فإن كل خطوة ستخطونها في سبيل العلم ستؤدي إلى ابتعادكم عن الإنسانية. فللإنسانية مسير مستقيم، وكل من تحرك خلافه فهو يسير في خط معوج، لا بل سيكون أكثر بعداً كلما تحرك خارج الخط المستقيم…
أنتم الآن ما زلتم في عمر الشباب ولم تبتلوا بضعف الشيخوخة، يمكنكم إصلاح أنفسكم بسرعة. لا تتوقعوا أن يحصل هذا الأمر من خلال تأجيله إلى آخر العمر، فالتوبة غير ممكنة آخر العمر، فلو لم يسعَ الإنسان وراءها منذ بداية العمر، ولم يعمل على صناعة نفسه، فلن يتمكن من ذلك في نهاية عمره، لأن القوى الشيطانية قد تجذرت في الإنسان وأصبحت قوية وأصبحت قوى الإنسان ضعيفة لا يتوقع منها أي عمل“14.
ويتابع الإمام قدس سره مقدماً نصيحة للطلاب بأن يعرفوا أهمية الشباب ويستغلوا الفرصة للعلم والتقوى لأن ذلك سيؤدي إلى وجود أشخاص صالحين أمناء. ووجود هكذا أشخاص يعني استقلال البلد وسلامته وعدم التبعية لأي جهة من الجهات. فالتبعية للشرق أو الغرب ستدفع الشخص للعمل من أجل مصالح الآخرين وترك مصالح البلد، لا بل والقضاء عليها15.
بشكل عام تؤدي التقوى إلى وجود إنسان شريف في عالم الدنيا، وفي الآخرة سيكون من الذين يقبلون على الله بوجه أبيض. هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن التزكية والتقوى من جملة العوامل التي تساهم في توجيه العلم نحو الهدف الحقيقي المطلوب منه. ولا تحرفه نحو أغراض شيطانية خادعة ليس فيها سوى الضرر لأبناء البشر16.
ج- الجدية في تحصيل العلم
يؤكد الإمام قدس سره على الجدية في تحصيل العلم.ولا فرق في ذلك بين طلاب الجامعات وطلاب الحوزات العلمية، لا بل ويرفض كل الأقاويل والأفكار التي ينشرها بعضهم حول الفائدة من الدرس والتحصيل، لأن هذه المسألة مسألة تحمل في طياتها انحرافاً واضحاً لا بل الكثير من الجهل وسوء النية وهي من الأمور التي يروج لها أصحاب الأفكار الطاغوتية والشيطانية. والهدف من وراء ذلك إبعاد طالب العلوم الدينية عن التحصيل وبالتالي التخلي عن التدين وكل ما يشير إليه، وجعل طالب الجامعة يشعر بالتبعية والتعلق بالمستعمر.
إن المستعمر يعمل بشكل دؤوب على نشر فكرة الحاجة إلى الآخر وعدم القدرة على إنتاج أي سلعة أو مسألة بشكل ذاتي، وعندما يشعر الإنسان بحاجته الدائمة فيشعر أنه تابع بكل وجوده للآخر ويؤدي هذا إلى تأخر البلد.
يرفض الإمام قدس سره فكرة إخلاء الحوزة والجامعة من المحصلين المجدين والعلماء الواعين لأن وجود هؤلاء الأشخاص يعود بالنفع على البلد والشعب. فهم سيمتلكون مقدرات البلد في المستقبل، وتطوره يتوقف على ما سيتمتع به هؤلاء من علم وتخصص واجتهاد، فعلى الجميع أن يعملوا بجدية ونشاط في هذا الإطار17.
د- التدخل في القضايا المصيرية للبلد
يتوقف الإمام قدس سره ملياً أمام واحدة من الأمور المتوقعة من الطلاب لناحية التدخل في تحديد مصير البلد وعلى المستويات كافة، وذلك لما تملكه هذه الطبقة المثقفة من مخزون علمي وإمكانيات وقدرات وتجارب تجعلهم عناصر مفيدة وفعالة في البلد.
من جملة الأمور التي يؤكد عليها الإمام قدس سره، التدخل في القضايا السياسية التي تحدد مصير البلد. وقد حاول دفع بعض الشبهات والإشكاليات التي كان بعضهم يلقيها عبر القول إن الطلاب يجب أن يبتعدوا عن السياسة وعن المشاركة في الانتخابات لأنهم يحملون هموم التعليم والتحصيل. لذلك يعتبر الإمام أن القضايا السياسية والانتخابات، هي أمور تحدد مصير البلد، ومصير البلد يتعلق بكل شخص من أفراده ولا يمكن أن يتوقف على مجموعة خاصة، بل يشمل جميع أفراد المجتمع. وعليه فيجب على الجميع المشاركة ومن جملتهم الطلاب.
ثم يؤكد الإمام قدس سره أن الشبهة المذكورة ما هي إلا نوع من المؤامرة التي ما زالت تسيطر على العديد من البلدان منذ العديد من السنوات وهي بشكل عام تحمل في طياتها أضراراً متعددة. لذلك يقول الإمام قدس سره: “… يتوجب على الطالب الشاب أن يتدخل في الأمور التي تحدد مصيره… ويجب أن تكونوا يقظين لأنهم يريدون ما يريدون بمؤامراتهم، وحيث لا يمكنهم ذلك بالوسائل العسكرية، لذلك عملوا على إبعاد السياسة عن المذهب… ولكن باءت محاولاتهم بالفشل“18.
وتتجلى عملية مشاركة وتدخل الطلاب في جوانب أخرى عدا عن السياسية منها، حيث يؤكد الإمام قدس سره على ضرورة أن يقوم الطلاب بإفشال المخططات الاستعمارية التي تنال من البلد، ويرفض سكوتهم عما يدبر للبلد في الدول الأجنبية. يقول الإمام قدس سره: “… إنني أعلق آمالاً كبيرة عليكم أيها الطلاب في الداخل والخارج، ويتجلى هذا الأمل عندما أرى البلد قد طهر من وجود الأجانب وعملائهم، لا تدعوا اليأس يأخذ طريقه إلى نفوسكم، فالحق منتصر دائماً...”19. ومن هنا يفترض أن يمتلك طالب الجامعة ثقة عالية بقدراته وإمكانياته ويجعل الحق نصب عينيه ليواجه كل المؤامرات التي يحوكها الأجانب. ويشجع هذه الطبقة على سلوك طريق الحق ومقارعة الباطل وتوعية أفراد المجتمع لما يحيط بهم ، وإعلام الجميع بكل ما يدور حولهم أو يدبر لهم وفي النهاية ليكن الجميع على ثقة بأن الله تعالى هو ولي التوفيق20.
من جهة أخرى وفي الإطار نفسه يعطي الإمام قدس سره أهمية كبيرة لمواجهة المنحرفين. ولا تتحقق مواجهة الباطل والانحراف إلا إذا وضع الطلاب أيديهم في أيدي الشعب وتركوا الميل للشرق والغرب. طبعاً لن يترك الشرق والغرب الطلاب والشعب يحققون استقلالهم بل سيوجدون الكثير من العراقيل في الطريق، ويبقى أن الوحدة والاتحاد والتصميم هي من الأمور الكفيلة بالوصول إلى الاستقلال والاكتفاء الذاتي والخلاص من براثن المستعمرين والمستكبرين والالتفات إلى ما يتمتع به أبناء بلدنا من إمكانيات وقدرات.
بالإضافة إلى ذلك يشدد الإمام قدس سره على ضرورة أن ينهض الطلاب لمواجهة أي انحراف قد يحصل من بعض الأساتذة والقادة. فلا بد من إظهار الاعتراض الشديد على أعمالهم وتصرفاتهم، بل يجب إعلام الشعب بالمخططات الانحرافية، لأن المنحرفين هم في الواقع خائنون للشعب والدين والبلد21. وهنا تتجلى أفضل صورة لتدخل الطلاب في مصير البلد.
بشكل عام هناك العديد من العناوين الأساس التي تتجلى فيها عملية حضور الطالب الجامعي وفي مقاطع متعددة من الحياة السياسية والاجتماعية والقانونية… ولكن الأهم من ذلك أن كل المحاولات لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الإثمار ما لم ترتقِ الحركة الطلابية إلى مستوى الاتحاد وتجميع القوى وتشكيل تجمع طالبي يجعل نصب عينيه ثنائية الدين والشعب22.
من هنا يتوجب على الطلاب سواء طلاب العلوم الدينية أو طلاب الجامعات التدقيق والتعمق في الفكر الإسلامي، وترك شعارات ومنطلقات الحركات الطلابية المنحرفة ليتمكن هؤلاء من إحلال الإسلام العزيز مكان الانحرافات والاشتباهات التي أوصلت البلد إلى حافة الهاوية. يقول الإمام قدس سره: “ليعلم الجميع أن الإسلام مذهب غني لا يحتاج إلى ضميمة أيِّ من المذاهب الأخرى إليه، وليعلم الجميع أن التفكير الالتقاطي هو خيانة للإسلام والمسلمين حيث شاهدنا النتائج المريرة لهذا التفكير“23.
في النهاية يعتبر الإمام أن حيثية الأستاذ والطالب الجامعي تجعل منهما شخصين يساهمان يساهمون في إصلاح البلد فيما لو كانا صالحين، وأما لو كانا غير ذلك فالنتيجة ستكون على العكس تماماً. فالطالب والأستاذ عند الإمام هما العقل المفكر للأمة، لذلك يجب أن يتحركا على الدرب الصحيح الذي يؤدي إلى وجود حقيقة الإنسان وتجليه في جميع الأفراد.
هـ – الاستمرار في الدفاع عن الإسلام والثورة
لعل من أهم الأمور التي يتوقعها الإمام من الطالب الجامعي والتي هي نتيجة حتمية لمجموعة من القضايا التي تقدم ذكرها وأهمها التزكية والعلم والمعرفة والالتفات إلى الحيثيات الحقيقية للطالب ودوره في عملية بناء المجتمع، أن يعمل على الدفاع عن الإسلام ويبذل قصارى جهده في الدفاع عن الثورة. لذلك يعتبر الإمام قدس سره:”إن من واجب عموم المسلمين وبالأخص العلماء الأعلام والمثقفين وطلاب الجامعات، الاستفادة من كافة الفرص للدفاع عن الإسلام العزيز والحفاظ على أحكامه الحياتية التي هي في الواقع الضامن الحقيقي للاستقلال والحرية… وليتحدثوا ويصرحوا بما يجب التحدث به وليعملوا على إيصال صوتهم إلى جميع الدول والمنظمات الدولية والمجتمعات البشرية“24.
وإذا كان الدفاع عن الإسلام واجباً فلا بد من العمل على معرفة الأصول الأساس للإسلام وعلى رأسها التوحيد والعدل ومعرفة الأنبياء المؤسسين الحقيقين للعدالة والحرية. ولا بد من أن تشتمل المعرفة على جميع القضايا المعنوية، والأمور المتعلقة بتنظيم المجتمع والحكومة وشروط الإمام وولي الإمام، ولا تنتهي عن الولاة والقضاة والعلماء والمثقفين…، حيث يجب على الشخص أن يتعرف إلى رأي الإسلام في جميع هذه القضايا.
ويترتب على هذا الأمر أن يبتعد الطلاب والحوزويون عن اقحام سلائقهم وآرائهم الشخصية في تفسير القرآن الكريم وتأويل الأحكام الشرعية. بل لا بد من الالتزام بالإسلام في جميع أبعاده25.
أما في يتعلق بالثورة والتي هي النتيجة والثمرة الحقيقية لتحقق الإسلام.يوصي الإمام قدس سره بالحفاظ على هذا الانجاز العظيم الذي وضع بين أيدي الشعب وبالأخص الطلاب، والاستمرار في تحقيق أهدافها، ليكونوا بذلك ممن يساهم في تحقيق أهداف النبوة26.
3 – اللجان والتشكيلات داخل الجامعة
يتطلع الإمام قدس سره إلى اللجان الطالبية ودورها وأهمية وجودها انطلاقاً من الأهداف المطلوبة منها والدور الذي يجب أن تلعبه على مستوى تدعيم الأسس والمباني والقيم التي قامت الثورة من أجلها، وهي في الحقيقة قيم الإسلام والعدالة الواقعية.
وعلى هذا الأساس يمكن الوقوف عند أهمية اللجان الطالبية بالمقدار الذي تساهم فيه في ترويج وترسيخ قيم الإسلام ومعاداة الظلم والطغيان وإبعاد الانحراف والمنحرفين، لذلك يجب أن تكون هذه اللجان، عامل وعي ويقظة وحركة في الطريق الصحيح وليست عوامل انحراف وتأييد للمنحرفين.
لعل من أهم الأمور التي نلاحظها في تصريحات الإمام حول اللجان الطالبية، تشديده على الوحدة والاتحاد بجميع الأشكال التي تتجلى فيها. والوحدة ليست حالة مختصرة في الطلاب أو الأساتذة أو كليهما، بل تتعدى ذلك إلى وحدة المسلمين جميعهم. ويثني الإمام قدس سره على هذه الوحدة التي كانت وستكون حال تحققها كفيلةً بتحقيق الأهداف الإسلامية التي تؤمن سعادة البشر في الدنيا والآخرة27. طبعاً لا تتحقق هذه الأهداف إلا إذا وضعت اللجان الطالبية اختلافاتها جانباً، وتخلت عن المشاكل الجزئية وابتعدت عن النضال السلبي، بل النضال الإيجابي الفعال هو الذي يسمح بتحقيق تلك الأهداف28.
وإذا كان الإمام قدس سره قد أدلى بتصريحات متعددة خصَّ بها الطلاب واللجان الطالبية فقد قدم لها مجموعة من الوصايا الأساس التي تؤمن موفقيتها وتصحيح مسارها29:
أـ أوصى الإمام الطلاب بأن يجعلوا الإسلام وأحكامه العادلة على رأس اهتماماتهم. ولن تتمكن اللجان الطالبية من الوصول إلى هكذا هدف من دون حكومة إسلامية عادلة. والحكومة العادلة يترتب عليها نتائج وتبعات متعددة من أبرزها الالتزام بقوانينها ودساتيرها والعمل على تطبيق أحكام الإسلام، والبراءة من كل ما عداها.
ب ـ ويوصي الإمام قدس سره اللجان الطالبية بدعوة أصحاب التيارات الأخرى المخالفة إلى الإسلام أي إلى الدين الراقي العادل. وهذا يتطلب معرفة دقيقة بالإسلام لنتمكن من دعوة الآخرين إليه.
ت ـ يجب على الطلاب إعطاء قدر معين من أوقاتهم لمطالعة أصول الإسلام الأساس وعلى رأسها التوحيد والعدل ومعرفة الأنبياء. واستعلام حقيقة الأهداف التي جاء من أجلها الأنبياء بدءاً من المسائل المعنوية والتوحيد، إلى تنظيم المجتمع ونوع الحكومة وشروط الإمام وولي الأمر…
ث ــ ويطلب الإمام من اللجان العمل على إبعاد السلائق الشخصية في تفسير آيات القرآن الكريم، بل يجب الالتزام بالإسلام بجميع أبعاده وجوانبه. أما مصلحة المجتمع فهي من دون شك ستتحقق مع بسط العدالة ورفع الظلم وتأمين الاستقلال والحرية وتعديل الحركة الاقتصادية بشكل عاقل ومنطقي.
ج ــ الابتعاد عن كافة أنواع الاختلافات، لأن الاختلافات كالسرطان المهلك الذي يقضي على أي نجاح ويزيل أي هدف. ويشدد الإمام على ضرورة الاحترام بين اللجان الطالبية وبينهم وبين طلاب وعلماء الدراسات الدينية لما لذلك من أهمية في سبيل إعطاء صورة حقيقية عن الإسلام.
ح ــ ويوصي الإمام قدس سره اللجان الطالبية أيضاً بضرورة الجدية في تحصيل العلم. لأن الإسلام يخالف كل من يدعو إلى الإهمال، بل الجدية تحمل فوائد متعددة على مستوى الأهداف الأساس التي يصبو إليها الإسلام.
خ ــ هذه خلاصة عن أهم وصايا الإمام قدس سره للجان الطالبية، وقد شدد في العديد من كلماته على ضرورة أن تكون جميع حركات ونشاطات اللجان الطالبية ناشئة من الإسلام وتصب في خدمته. ولن يتحقق هذا الأمر إلا إذا كانت البداية من الأشخاص الذين إن حصلوا على فهم للإسلام في النظرية والتطبيق سيتمكنون لا محالة من إيجاد حركات طالبية مستقيمة ومفيدة.
*الجامعة في فكر الإمام الخميني قدّس سرّه ، سلسلة الندوات الفكرية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- صحيفة الامام، ج2، ص142-143.
2- المصدر نفسه، ص439.
3- المصدر نفسه، ص489.
4- المصدر نفسه، ج3، ص262.
5- المصدر نفسه، ص443.
6- المصدر نفسه، ص486-488.
7- المصدر نفسه، ج13، ص174.
8- ولاية الفقيه، ص130 (نشر مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره(ره)، 1381هـ.ش).
9- صحيفة الامام، ج11، ص16-17.
10- المصدر نفسه، ج12، ص162.
11- المصدر نفسه، ج1، ص267-268.
12- المصدر نفسه، ج8، ص315-316.
13- المصدر نفسه، ح9، ص3-5.
14- المصدر نفسه.
15- المصدر نفسه، ج12، ص403.
16- المصدر نفسه، ج3، ص326-327.
17- المصدر نفسه، ج18، ص367-368.
18- المصدر نفسه، ج3، ص171-172.
19- المصدر نفسه.
20- المصدر نفسه، ج3، ص484-486.
21- المصدر نفسه، ج10، ص80.
22- المصدر نفسه، ج3، ص484-486.
23- المصدر نفسه، ص262.
24- المصدر نفسه، ص322-323.
25- المصدر نفسه، ج14، ص1-2.
26- المصدر نفسه، ج3، ص211-212.
27- المصدر نفسه.
28- المصدر نفسه، ج3، ص321-327.
29- المصدر نفسه