يوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني / نوفمبر (من كل عام) في تقويم ايران هو “يوم تعبئة المستضعفين”؛ وفي مثل هذا اليوم كان الامام الراحل السيد الخميني (رض) قد أصدر أمرًا باعلان تشكيل هذه التعبئة.
فهو أولاً : يدعو إلى تعبئة جماهيرية لكل الشعوب التي فُرض عليها الاستضعاف إلى الاتحاد، وهو ثانيًا : قد أقرّ بأن المواجهة القائمة على الساحة البشرية هي بين المستضعفين والمستكبرين، وهو ثالثًا : يدعو إلى اتحاد المستضعفين لمواجهة قوى الاستكبار العالمي، وهي مواجهة أوسع بكثير مما دعت إليه الماركسية بين الكادحين والرأسماليين، لأن هذه المواجهة الاخيرة هي اقتصادية فقط، بينما المواجهة التي دعا إليها الإمام الراحل (رض) هي بين مَنْ فُرض عليهم الاستضعاف السياسي والاقتصادي والثقافي والديني والعقائدي، وسائر مجالات حركة النمو في المجتمع البشري.
الإنسان، في المفهوم القرآني، كائن يحمل نفخة روح ربّ العالمين، وهو خليفة الله في الأرض، وهو بذلك يتحمل مسؤولية الحركة نحو الكامل المطلق، والله سبحانه أودع فيه كل الطاقات التي يستطيع بها أن يواصل تلك الحركة، ولكن الذي يصده عن هذه الحركة هو (الطاغوت).. الطاغوت الذي يتعملق على الطريق ويعيق حركة الإنسان نحو الكامل المطلق.
وما هي مهمة الإنسان تجاه هذا الطاغوت؟ هل هو الاستسلام؟!، أبدًا في مفهوم الدين المبين، لابدّ أن يكافح ويعمل على إزالة العقبات ويواصل الطريق.. بل إن القرآن أمر الإنسان أن يترك مكانه ويرحل إذا وجد أنه لا يستطيع أن يتخلص من هذه العوائق التي تستضعفه: ﴿ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فيها﴾.
والمجتمع الانساني بعد ذلك ينقسم إلى من يوالي الله ويتحرك نحوه في عالم النور، ومن يوالي الطاغوت ويتحرك في ظلمات الجهل والتخلف وضياع مواهب الله في وجوده: ﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾.
هذه الثنائية على الساحة البشرية يمكن تلخيصها بالمواجهة بين المستضعفين والمسكبرين؛ وهي ثنائية تنأى عن تقسيم البشر إلى قوميات ومذاهب وأقاليم.
فالمستضعفون أينما كانوا في اصقاع الأرض يحملون هماً واحدًا وهو سيطرة المستكبرين عليهم بالتضييق الاقتصادي والتمييز الطبقي وبالقتل والتدمير؛ وهذا ما نشاهده اليوم من ممارسة الاستكبار الامريكي وربيبته الصهيونية في فلسطين ولبنان، وما شاهدناه من تعامل الدائرة الامريكية مع شعوب آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية.
ولو كان المستضعفون معبئين بوجه المستكبرين، لما استطاعت أمريكا والصهيونية والدول المستكبرة أن تمارس كل هذا القتل والدمار بحق الشعوب المستضعفة.
هذا الحضور العسكري الاستكباري الهائل في بقاع العالم المختلفة، هو من أجل فرض حالة الاستضعاف على الشعوب كي يتأس من إمكان المقاومة. وهذا العمل الاعلامي الذي يملأ الساحات ويصمّ الآذان هو من أجل فرض حالة الاستضعاف على الشعوب نفسيًا وفكريًا وشعوريًا، وهذه القرارات التي تصدر باستمرار من أجل فرض الحصار الاقتصادي على هذا البلد أو ذاك إنما هو بهدف تعيمق الاستضعاف الاقتصادي على البلدان.
والبلدان المستكبرة ساعية الى تعبئة طاقاتها كي تعمل مجتمعة لفرض سيطرتها على الشعوب واستضعافها، من هنا فإن البلدان التي تعاني من هذه الممارسات الاستكبارية لاخيار أمامها سوى أن تكون معبأة لمواجهة من يريد فرض حالة الاستضعاف عليها.
لا خيار أمامها سوى تلبية نداء الإمام الراحل الذي دعا إلى تعبئة المستضعفين وإلى تعيين يوم باسم يوم تعبئة المستضعفين.
حبّذا لو أن الشعوب التي تعاني من آلام وعذابات المستكبرين قد اتحد صوتها ورصت صفوفها للمواجهة الحاسمة التي سوف تؤدي بإذن الله تعالى إلى أن تمتلأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، والعاقبة حتما لانصار الحق ولأهل التقوى والعاملين في سبيل الله سبحانه.