في ما يلي خلاصة الحوار الذي أُجريَ موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مع مستشار قائد الثورة الإسلاميّة الدكتور علي لاريجاني:
كيف وجدتم معنويّات قادة حزب الله، ودور الشيخ نعيم قاسم في القيادة، إضافةً إلى قضيّة الآليّات والبنية التنظيميّة لحزب الله بعد فقدان الشهيد السيّد حسن نصر الله؟
الدكتور علي لاريجاني: في هذا السّياق، يجب تقسيم هذه المرحلة إلى قسمين: الأولى من حوالي الخامس عشر من أيلول/ سبتمبر حيث وقعتْ حادثة البيجرات، وتلاها استشهاد الشهيد السيّد حسن نصر الله، ثمّ استشهاد السيّد هاشم صفيّ الدين، وغيرهما من الشخصيّات المهمّة في حزب الله، أما المرحلة الثانية فهي ما بعد ذلك حتّى اليوم. المرحلة الأولى شملت تقريبًا الأيام العشرين أو الثلاثين الأولى، وبعدها أتت المرحلة الثانية. في المرحلة الأولى كانت هذه الضربة قاسية بطبيعة الحال. كان تعرّضُ حوالي ثلاثة إلى أربعة آلاف من كوادر حزب الله للإصابات بسبب البيجرات، واستشهاد قيادة هذا الحزب، أمرًا مهمًّا جدًّا. وكانت هذه المرحلة التي أوجدت انطباعًا لدى الكيان الصهيوني بأنّ أمر هؤلاء قد انتهى، وقد عكسوا هذا التصوّر أيضًا إلى الدول العربيّة والغربيّة، بأنّ هؤلاء قد انتهوا. كانت بعض الرسائل التي يبعث بها الإسرائيليّون تتضمّن هذا المعنى. لكن بعد هذه المرحلة الأولى، تبدّلت الظروف بنحوٍ كامل. كانت الأمور تسير في منحى انحداري، لكنّها انقلبت فجأة إلى منحى تصاعدي. لماذا حدث ذلك؟ هذا ما حدث؛ كان المتوقّع أن قوى المقاومة، وهي قوى راسخة من الناحية الاعتقاديّة، [ستضعف]، وأنا سمعتُ أنّه في ذلك اليوم الذي نشروا فيه نبأ استشهاد المرحوم السيّد حسن نصر الله، كان هذا النبأ خبرًا صاعقًا جدًّا، وبكى كثيرون من هذه القوى، وأقاموا العزاء، لكنّهم بعد ذلك أقسموا وعاهدوا بعضهم أن يدافعوا عن لبنان حتى آخر رمق، وأن يبذلوا أرواحهم في هذا السبيل. هكذا كان تأثير حدث استشهاد السيد حسن نصر الله، عكس ذاك الذي كان يتوقّعه نتنياهو وإسرائيل، بأنّهم ضربوا، وذهبوا، وانتهى أمر هؤلاء، لكن قوى المقاومة شُحنت بطاقة جديدة. أي بدؤوا يقاتلون بروحيّة عاشورائيّة، وأدّى هذا إلى تبدّل الأوضاع، وتعويض الكوادر كلّها.
شاهدتُ خلال هذه الزيارة معنويّات وصلابة تشبه الصلابة في يوم عاشوراء، هؤلاء كانوا على هذا النحو، أي مثل ما نقرؤه في الأحاديث والروايات بأن كيف كانوا يقاتلون [في عاشوراء]، وأيّ نوع من الناس كانوا، وكيف ثبتوا على مبادئهم. على سبيل المثال، الشهيد السيّد محمد عفيف الذي استُشهد مؤخّرًا، التقيته هناك لساعة من الزمن تقريبًا، وتحدّثنا معًا. كان يقول لي: «نحن ثابتون بقوّة، ولتعلموا أنّنا مستعدّون للصّمود. لا يظننّ أحدٌ من أصدقائنا في لبنان أنّنا نشعر بالانكسار. نحن مستعدّون». كان هذا أحد النماذج. وكثيرون من الإخوة الآخرين في حزب الله الذين كنت ألتقيهم، كانوا أشخاصًا يتمتّعون بمعنويّات عالية جدًّا، ومفعمين بالحيويّة. التسلّح بالمعنويّات مهمٌّ جدًّا في الحرب، مهمٌّ للغاية. هؤلاء يملكون روحيّة قويّة، ويعقدون الآمال على المستقبل. أي إنّهم مفعمين بالحيويّة، ويتمتّعون بمعنويّات وروحيّة قويّة، ويعقدون الآمال على المستقبل أيضًا. بالنسبة لي، بعث ذلك فيّ الثقة والاطمئنان بأنّ هؤلاء منتصرون. أي إنّ هذه الروحيّة وهذه الصلابة والشجاعة في العمل، ستجعل هؤلاء ينتصرون.
أنا أعتقد أنّ الكيان الصهيوني ارتكب خطأ هنا، وكان يظنّ أنه بعد هذا القصف، وحادثة البيجر، وأمثال هذه الأمور، سيصل في غضون أسبوع أو اثنين إلى نهر الليطاني. حسنًا، لقد مرّ الآن أكثر من ثلاثين يومًا، وهم عاجزون عن تحقيق أيّ تحرّك برّي جاد، كما أنهم يخسرون جنودهم بنحوٍ متواصل. وحتّى الآن، لم تُستخدم القدرات الأساسيّة لدى حزب الله. هؤلاء لا زالوا يملكون إمكانات كبيرة، وهؤلاء أصبحوا يصنّعون بأنفسهم هذه الإمكانات. في السابق قال هؤلاء [الصهاينة] أنّنا دمّرنا بعض مخازنهم، حسنًا، إذا دمّرتموها، من أين تأتي هذه الصواريخ التي تُطلق الآن؟ هي لا تأتيهم من كوكب المرّيخ طبعًا. هم يصنعونها. أنا أعتقد أنّ الكيان الصهيوني سيندم بشدّة في المستقبل بسبب هذه الحرب. طبعًا، لطالما قلنا وأكّدنا أنّنا سندافع عن لبنان كله، وعن الحكومة في لبنان كله، ونحن إن كنّا نذكر حزب الله ونقدّم له الدعم، فذلك لكونه حصنًا قويًّا وصلبًا في الدفاع عن أرض لبنان، ومنع هذه الاعتداءات الإسرائيليّة على كلّ المنطقة. وعدا ذلك، فإنّنا نقدّم الدعم للبنان كبلد صديق، ولشعبه كشعبٍ صديق، ولكلّ لبنان. وبالمناسبة، كنّا نقول دائمًا أنّنا نرى وقف إطلاق النار خطوة مفيدة. هؤلاء [الصهاينة] هم الذين بدؤوا الحرب وأشعلوها، وخلاصة الأمر، في ظلّ الظروف الراهنة، هم علقوا في هذه الحرب، ونأمل أن تثمر هذه المفاوضات التي يجريها السيّد نبيه برّي من أجل حلّ الموضوع.
أثارت وسائل الإعلام الصهيونيّة، ووسائل الإعلام التابعة لها، وآخرون، قضيّة مفادها أنّكم حين دخلتم الأراضي اللبنانيّة، جرى تفتيشكم أنتم والفريق المرافق لكم بنحوٍ جدّي. نرغب في أن توضحوا لنا بهذا الخصوص، وتعلمونا بمدى صحّته.
الدكتور علي لاريجاني: برأيي هذه من المزحات السخيفة التي روّج لها بعض الأشخاص خلال هذه الزيارة، بأننا حينما كنا في سوريا على سبيل المثال، قصفوا منطقة قريبةً من مكان محادثاتنا لكي يغيّروا الموضوع ويبدّلوا الأجواء. أو على سبيل المثال في لبنان، ضربوا مكانًا قريبًا من المطار قبل قدومنا. حسنًا، ما هي هذه الرسالة التي أرادوا توجيهها في هذه القضيّة؟ قالوا أنّنا بعثنا برسالتنا. حسنًا، ما هي الرسالة؟ أردتم القول أنّنا نملك القدرة في سماء لبنان، ونستطيع ضرب مكانٍ معيّن، حسنًا، نحن كنّا نعلم مسبقًا قدرتكم على توجيه الضربة، لكنكم كنتم تنفّذون عملكم، وكنا ننفّذ عملنا أيضًا. لم يكن لذلك تأثيرٌ علينا أيضًا. ماذا كانت الرسالة؟! هذا [الموضوع الذي أشرتم إليه] أيضًا هو من تلك الأكاذيب العجيبة والغريبة، أي إنّه خلاف الواقع من الأساس. حين ترجّلنا من الطائرة، كان سفيرنا حاضرًا عندها، وبعض نواب المجلس هناك، وكذلك كان هناك أشخاصٌ من حزب الله، وآخرون. كانت توجد سيارة هناك أيضًا. ركبنا السيارة وذهبنا. أي إنّنا لم ندخل قاعة الاستقبال أبدًا حتى يرانا أحدٌ هناك. وكان موعد أحد اللقاءات قد تأخّر أيضًا، كما كانت هناك زحمة سير. انطلقنا من هناك، من عند الطائرة.
النقطة المهمّة التي ينطوي تحليلها على أهميّة كبرى هي نظرة سائر الفئات اللبنانيّة لحزب الله. فنتيجة الأحداث الحاليّة، والهجمات التي شنّها الكيان الصهيوني خلال هذه الأيام الثلاثين ونيّف على الضاحية وأطرافها، هل تغيّرت نظرة سائر الأحزاب اللبنانيّة لحزب الله أم لا؟
الدكتور علي لاريجاني: ربّما، لو أردت أن أتكلّم بواقعيّة، ففي تلك الفترة الأولى التي صَعُبَت فيها ظروف حزب الله بعض الشيء، وشهدت بعض التغييرات، كانت تُسمع بعض الأصوات (المعارضة لحزب الله) أيضًا، لكن الأمر ليس على هذا النّحو الآن. أي إنّ كثيرين عدّلوا مواقفهم، وأدركوا أنّ حصن حزب الله هذا هو للدفاع عن الأمن القومي للبنان، وهم أشدّ مقاومة من أن تتمكّن بعض عمليّات البيجر ومثيلاتها من القضاء عليهم. لاحظوا، قضيّة هذا العمل الإرهابي، البيجر، لقد كانت خطوة ضخمة جدًّا، وعلى كلّ حال تضرّر ثلاثة آلاف شخص من هؤلاء، من ناحية العين، واليد. يجب أن تكون المنظّمة قويّة جدًّا لتستوعب هذا الأمر. أو عندما استهدفوا قيادة هذه المنظّمة، لم يكن ذلك بالأمر الهيّن. كانت هاتان الحادثتان متزامنتين، لكن هذه المنظّمة كانت على مستوى من النّضج والحكمة والعقلانيّة والمرونة الميدانيّة، وكانت توجهاتها في الجوانب السياسيّة والعقائديّة ناضجة، بحيث تمكّنوا من الاستبدال فورًا. وكانت منظّمتهم أيضًا – من الناحية الهيكليّة – بالنحو الذي خوّلها معاودة تنفيذ العمليّات. لاحظوا اليوم كم عدد العمليّات التي ينفّذونها يوميًّا. من الواضح إذًا أنّهم استعادوا أنفسهم، ووقفوا على أقدامهم. لهذا السبب، تبدّل أسلوب تعامل سائر الأحزاب [في لبنان].
حبّذا لو تشرحون لنا دور سوريا والسيد بشار الأسد في الوقت الراهن بالنسبة للمقاومة، وما هي مكانة سيادته في الوقت الراهن ضمن هذا السياق في هذا الميدان، وما هو الدور الذي يؤديه؟
الدكتور علي لاريجاني: من الواقعي القول أنّ السيّد بشار الأسد في عداد القادة السياسيّين ذوي الفكر الناضج والحكيم على مستوى المنطقة، وقد انتهج منذ أعوام خلت هذا المسار الداعم للمقاومة، إن كان في فترة العزلة، أو الآن بعد أن دعته الدول العربيّة للتعاون في الجامعة العربيّة، وسائر الأماكن الأخرى. لقد كان يتمتّع دائمًا بهذه الصلابة والمتانة في دعم المقاومة، وهو من القادة السياسيّين القلائل في الدول العربيّة الذين يتمتّعون بالذكاء، ويتصرّفون بنحوٍ جيّد.
ماذا كان ردّ فعل السيّد بشار الأسد، وكذلك السيّد نبيه برّي، على رسالة الإمام الخامنئي، وما هي ردود الفعل التي تلقيتموها من هذين السيدين الموقّرين عندما عقدتم لقاء مع كلٍّ منهما، وطرحتم عليهما هذا الموضوع؟
الدكتور علي لاريجاني: كان ردّ فعل هذين الموقّرين تجاه رسالة قائد الثورة الإسلاميّة محترمًا جدًّا، وقدّرا الرّسالة بشكل كبير، وأنا كنت أعلم مسبقًا آراءهما تجاه قائد الثورة الإسلاميّة، وهما يعدّان سماحته شخصيّة مرشدة في القضايا، ومشرّعة للطرق المسدودة في المنطقة، وعليه، كان رأي كليهما أنّ النقاط التي جاءت في هذه الرسائل، هي نفس القضايا التي نحتاجها اليوم وعلينا أن نهتمّ بها، ونحن نوافق عليها كلّها، وسنتابعها أيضًا. كان ما تلقياه أنّ الرسالة جاءت من قِبل شخصيّة حريصة على المنطقة، تستشرف مستقبلها، ولديها ما يكفي من الاهتمام والالتفات لكلّ الجوانب والقضايا في المنطقة، وتسعى لحلّ القضايا. لقد رحّبا بالرسالة من هذه الناحية.
يسعى العدو إلى تأكيد فكرة معينة، ويقدّم تحليلًا مبنيًّا على إضعاف أذرع القوة لجمهورية إيران الإسلامية في المنطقة، ويحاول بطرائق مختلفة التأكيد على أن هذه الأذرع تضعف يومًا بعد يوم. ما هو تحليلكم لهذا الموضوع؟ إلى أي مدى يتوافق ذلك مع الواقع، بنظركم أنتم الذين كنتم في الميدان وعاينتم الوضع هناك؟
الدكتور علي لاريجاني: نعم، إنهم يروجون لهذا التصوّر. يعني أنهم قد عملوا على تعزيز هذا التصوّر بنحو كبير، سواء في البلدان الغربية أو في البلدان العربية. ربما تكون هذه القضايا هي التي جعلت الدول الغربية تعتقد أن الظروف بالنسبة لإيران قد ضعفت الآن، ولذلك قرروا الضغط من خلال إصدار قرارٍ ضد إيران في مجلس الأمن. أتذكر أن هذا القرار الذي تسعى الدول الغربية إليه عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية يشبه تمامًا ما فعلوه بعد حرب الـ 33 يومًا. يومها قال كيسنجر: «ها وقد حدثت هذه الأزمة الإقليمية، حسنًا، لنصدر قرارًا ضد إيران». الأزمة وقعت في لبنان، فجاؤوا إلى قضيتنا النووية، وقالوا إنهم يريدون إصدار قرار بمجرد أن يتغير الوضع في حرب الـ 33 يومًا. وبالفعل، عندما أدركت “إسرائيل” أنه لم يعد بإمكانها التقدم في هذه القضية، توجهوا نحو وقف إطلاق النار، وفي نفس الوقت تمامًا، أعلنوا أنهم سيصدرون قرارًا ضد إيران. أتذكر أنه في ذلك الوقت، اتصل بي السيد سولانا، وقال لي: «أنا آسف جدًّا، لأن المخربين فعلوا فعلتهم». يعني أن تصوُّرًا خاطئًا قد تشكّل لديهم. الآن، انظروا، منذ أن أصدروا ذلك القرار لمنع الحصول على التقنية النووية، هل تم منعها؟ هل أصبحت إيران أضعف منذ ذلك الحين حتى الآن؟ إنهم يرون ذلك بأنفسهم، ويرتكبون خطأً مشابهًا أيضًا.
نعم، لقد حصل مثل هذا التصوّر. ولكن لماذا هذا التصوّر خاطئ؟ انظروا، الآن سأشرح لكم عن حزب الله. هؤلاء [الصهاينة] قد ضربوا قيادة المنظمة والمعاونين وبعض الشخصيات المهمة في صفوفها، وجرحوا ثلاثة آلاف من عناصرها، وحيّدوهم عن العمل. لذلك، كان لابد من جلب كوادر جديدة. وعندما ننظر الآن إلى الميدان، نرى أن جيلًا أصغر قد تولى القيادة، وميزة هؤلاء الشباب هي أنهم مؤمنون بشدة، وشجعان، وجسورون. ربما كلمة جسورون ليست الأنسب، لكن في الواقع، هؤلاء الشباب يمتلكون خاصية الابتكار في شجاعتهم، ولقد أقسموا من أجل [الدفاع عن] لبنان. لهذا السبب، اضطروا للبقاء في عملهم، وقدّموا الكثير؛ وحسب ما أعلم، فإن الإسرائيليين فقدوا تقريبًا بحجم فوج كامل في هذه الحرب. إذًا، ما هي النتيجة؟ أيّ ذراع ضربوا؟ أين ضربوه؟ نحن لا نحتاج إلى ذراع. يقولون: «قوات المقاومة»؛ فما معنى قوات المقاومة؟ يعني القوى الموجودة في المنطقة، والتي ثارت ضد العنف والاستبداد. هذا هو الواقع.
نظرًا لأنكم كنتم أثناء حرب الـ 33 يومًا أمينًا لمجلس الأمن القومي، وعلى احتكاك بملف لبنان، بالتأكيد كان لديكم تماس مع الأحداث في تلك الفترة، وكذلك بعدها. برأيكم، ما هي التغيرات والتحولات الواضحة والبارزة التي حصلت لتيار المقاومة من عام 2006 حتى الآن؟
الدكتور علي لاريجاني: هناك موضوعان؛ الأول هو مدى التشابه بين حادثة حرب الـ 33 يومًا والحادثة الحالية، وكيف تم التعامل مع كل منهما. والثاني هو كيف تغيّرت الأوضاع في المنطقة خلال هذه الفترة.
في حرب الـ 33 يومًا، حدث شيء مشابه تمامًا للوضع الحالي، مع بعض الفروقات. الموضوع الأول هو أن الهجوم الأولي كان مشابهًا للوضع اليوم، إذْ كانت سرعة “إسرائيل” كبيرة في البداية، في أول أسبوعين تقريبًا، أو في الأيام الـ 12-13 الأولى، وكان القتل والتدمير كبيرًا، وعلى مستوى الأرض كانوا قد تقدموا أكثر مما هم عليه الآن. وفي هذه المدة، كلما كان هناك نقاش حول وقف الحرب، كان الأمريكيون يعارضون. وأتذكر أنه في ذلك الوقت، تم عقد مؤتمر في روما، حيث اقترح رئيس وزراء إيطاليا وآخرون وقف إطلاق النار. في ذلك الوقت، كانت وزيرة الخارجية الألمانية قد اعترضت بشدّة، وقالت: «ليس وقت الحديث عن هذا الآن». مرّ ذلك، وكانوا يعتقدون أنهم منتصرون، وأن مسألة حزب الله قد انتهت. لكن بعد مرور 12 أو 13 يومًا، تغيّرت الظروف. ومع تغيّر الظروف، راحوا هم أنفسهم يترجّون وقف إطلاق النار. تم إعداد مشروع القرار. وقبل ذلك، كانوا يرفضون أي قرار. وصار عدد من وزراء خارجية المنطقة الذين يؤدون دور الوسطاء يتصلون بهم باستمرار، ويحثونهم على دعم المسألة وحلّها بسرعة. هم أنفسهم صاروا يترجّون وقف إطلاق النار. كان هذا الصعود والنزول موجودًا في تلك الفترة أيضًا، وهو نفسه موجود الآن. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الأخرى تختلف قليلًا. بالطبع، في تلك الفترة كان هناك السيد حسن نصر الله، والشهيد قاسم سليماني [وغيرهما من القادة]، وكان هؤلاء يشكلون مصدرًا كبيرًا لبث الروح المعنوية. الآن، هؤلاء ليسوا موجودين، لكن جرى تعيين مَن يخلفهم. كما لو أن هذه الجبهة كانت بحاجة إلى استشهادات كبيرة لكي يُقسم الشباب ويصمدوا في الدفاع عن لبنان. بمعنى أنه بدلًا من أن يتسبب هذا الموضوع في إضعافهم، أو في تآكل معنوياتهم، تحوّل إلى طاقة جديدة في روحيتهم. وبالفعل، ثبتوا في عملهم. صحيح أنهم قدّموا الكثير، لكن هذه الطاقة التي منحها الله لهم مِن شأنها أن تفعل الكثير أيضًا.
النقطة التالية هي أن قدرة حزب الله لا يمكن مقارنتها بما كانت عليه سابقًا؛ في حرب الـ 33 يومًا، لم يكن لديهم هذا الحجم من الخبرة العملياتية، ولكنهم الآن اكتسبوا الكثير من الخبرات، بالإضافة إلى أنهم أصبحوا يمتلكون إمكانات كبيرة. وحتى الآن، لم يستخدموا كل تجهيزاتهم المهمة، وإذا قرروا استخدامها، أعتقد أن المشهد سيتغير بشكل كبير. وربما أولئك [أي الصهاينة] قد أدركوا هذا الأمر، فصاروا يرغبون أكثر في التوصل سريعًا إلى وقف إطلاق نار. أعتقد أن المشهد يتغير، ويشبه ما قلته بالفعل.
جناب الدكتور، ما هو رأيكم بشأن لبنان، خاصّةً أنّ لبنان معرّضٌ الآن لهجمات الكيان، ما الذي تغيّر قبل الزيارة وبعدها؟ بعد معاينتكم الأمور من كثب، ومشاهدتكم روحيّة الناس والأجواء المحليّة في لبنان، كيف تصفون لنا ما رأيتم؟
الدكتور علي لاريجاني: أنا أعتقد أنّ رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النوّاب السيد نبيه بري، رجلان وطنيّان، وهما يرغبان حقًّا في حفظ شؤون بلدهما ومصالحه القوميّة، وهما صديقان لنا، ويعلمان أنّنا نرغب في أن تحقّق الحكومة اللبنانيّة والدولة اللبنانيّة النجاح في التخلّص من هذا الضغط الذي سبّبه لهم الكيان الصهيوني. شعب لبنان تعاطى بأصالة كبيرة مع المهجّرين، أي إنّ اللبنانيّين جميعًا – شيعة وسنّة ومسيحيّين – فتحوا أبواب بيوتهم أمام هؤلاء المهجّرين. وهذه تصرّفات تحمل قيمة كبيرة، وهي تبرز أفضل أنواع التلاحم الوطني في أيّ بلد، إذ استقبلوا في بيوتهم قرابة ثمانمئة أو تسعمئة ألف شخص، وتتمّ مساعدة آخرين في المدارس أيضًا. وبالنسبة إلى وصول المساعدات النقديّة والمؤثّرة من إيران أيضًا، فإنّ الحكومة اللبنانيّة قالت أنّها ستعثر على طريقة لتسهيل أمر وصولها. هذا ما لاحظته في سوريا أيضًا بالمناسبة، إذ طلب السيّد بشّار الأسد من النّاس أن يستضيف كلّ فردٍ منهم عائلة أو اثنتين في منازلهم، وأن يعدّوهم ضيوفهم، والعجيب أنّ هؤلاء يستضيفون 130 ألف شخص في بيوتهم، وهذا ذو قيمة عالية، إذ إنّ هذا التلاحم مشهودٌ بين هذه الدول والشعوب.
النقطة التالية هي أنّ رجال السياسة في لبنان يتمتّعون بمستوى فهم مميّز جدًّا تجاه مصيرهم، وصحيحٌ أنّ بعضهم صرّحوا ببعض الأمور خلال تلك الأحداث الأولى، لكن الأمر ليس كذلك الآن، وأنا خلال المحادثات التي أجريتها – وكانت هناك أطياف متعدّدة – كان الجميع متّفقون على فكرة وجوب مقاومة الكيان الصهيوني، وكانوا يوجّهون الشكر لإيران، ويُجمعون على دعمها الشعب اللبناني. لذلك، يلاحظ المرء وجود ترابط بين ميدان القتال والجبهة الخلفيّة المتشكّلة من الناس في لبنان، من ناحية تقديم الدعم والعزيمة والإصرار على الدفاع عن أرضهم.
أودّ أن أوجّه إليكم السؤال الأخير، نظرًا إلى ما عاينتموه على أرض الواقع، وأنتم في واقع الأمر تتابعون الأجواء السياسيّة، مثل قضيّة وقف إطلاق النار هذه التي باتت جديّة جدًّا الآن، أو زيارة الموفد الأمريكي الخاص في شؤون لبنان هوكشتاين إلى بيروت والأراضي المحتلّة، أو الأحداث التي تقع في غزّة من ناحية أخرى. أمام كلّ ما يحدث، كيف ترون مستقبل الأوضاع في لبنان؟ وضمن إطار أشمل، ما هو برأيكم الاتجاه الذي تسير المنطقة نحوه؟
الدكتور لاريجاني: في ما يرتبط بالأوضاع في لبنان، قلت أنّ الظروف توحي باقتدار كبير لدى قوى المقاومة، وهؤلاء استعادوا أنفسهم، وهم يتقدّمون إلى الأمام. وفي ما يرتبط بمفاوضات وقف إطلاق النار، فإنّ جناب السيّد نبيه برّي يتابع الأمر، وقد أوضح لي المسار الذي تتّجه إليه محادثاته، وكان يأمل أن يصل هذا الموضوع إلى نتيجة. طبعًا نحن أيضًا نسعى لوقف إطلاق النّار، وينبغي أن يتمّ هذا الأمر في أسرع وقت ممكن، لأنّه أفضل للناس. وعلى أيّ حال، يجب أن تنتهي الحروب كلّها، ومن الأفضل أن تنتهي في أسرع وقت. لكن في ما يرتبط بكيفيّة تحقّق ذلك وتفاصيله، فإنّنا لا نتدخّل في هذه الأمور، والمسؤولون اللبنانيّون أنفسهم، كالسيّد نبيه برّي وأصدقائه، أو حزب الله، يدرسون هذه الأمور بدقّة عالية، ولديهم إمكانات جيّدة جدًّا لدراسة الأمور. ومهما كان القرار الذي يتوصّلون إليه، هم والحكومة اللبنانيّة، فإنّ إيران ستدعمه، ونحن قلنا هذا الأمر للسيّد رئيس الوزراء، وكذلك للرئيس نبيه برّي، وأيضًا للإخوة في حزب الله. وعليه، أنا أعتقد أنّ الأجواء واضحة جدًّا، وتوفيق قوى حزب الله يلوح في الأفق، أي إنّ المرء يرى فجر انتصارهم.
في غزة، الوضع مختلف إلى حد ما، ومع ذلك لا تزال المقاومة هناك تُظهر قدرتها على البقاء. لكن ظروف الناس صعبة للغاية، حيث دُمّر الكثير من المباني هناك، ليس كلّها، ولكن أغلبها تقريبًا. بمعنى آخر، لقد صنعت “إسرائيل” كارثة كبيرة. لكن الوضع هناك مشابه أيضًا. أعتقد أن قضية غزة والضفة الغربية والمسلمين الفلسطينيين قد جدّدت جرحهم، وهذا برأيي كان خطأ كبيرًا ارتكبه نتنياهو، حين ظنّ أنه سينهي القضية بالبطش. في الواقع، هذا سيزيد من المقاومة. لكن، أوضاعهم اليوم صعبة للغاية. حصل في المنطقة عامةً نوع من الذهاب والإياب. الذهاب هو أن “إسرائيل”، من خلال فعلته، خلقت جوًّا إعلاميًّا يوحي بأن الأمر قد انتهى. حتى إن بعض هذه الدول المهترئة إلى حد ما في المنطقة، قالت بعض الأشياء مثل: «نعم، الآن حزب الله قد تلقى ضربة كبيرة من الناحية الميدانية والعسكرية وانتهى أمره، ولكن من الناحية السياسية يجب أن ينتهوا أيضًا في لبنان». لا أحد ينخدع بمثل هذ الكلام. هذا كان في المرحلة الأولى، عندما كانت لدى هؤلاء بعض التصورات الخاطئة. الآن الوضع مختلف. الآن، هذه الدول في المنطقة تؤمن، أي إن الكثير منها يقول – طبعًا لا نقول جميعها – بأن الظروف يجب أن تصبح أكثر توازنًا، وأن “إسرائيل” كانت مخطئة في ما قالته. والآن لقد فهموا أنه لو كانت “إسرائيل” قد نجحت، لكان هؤلاء أنفسهم لا يحظون بأيّ مكانة في المنطقة. وهذه حقيقة لمسوها بالفعل. حتى بعض الدول التي تختلف معنا في التوجهات السياسية، والتي كانت في الماضي تظهر الكثير من التعظيم لـ “إسرائيل”، أصبحوا اليوم يشعرون أنه إذا سمحوا لـ “إسرائيل” [بالتوسّع]، فستبتلعهم بسرعة. ولذلك، أصبحوا مهتمين الآن بأن يبقى حزب الله قويًّا، رغم أنهم في الماضي لم يكونوا يعتقدون بهذا الأمر. أعتقد أن المنطقة بشكل عام تسير نحو وضعية مختلفة تمامًا عن الماضي من حيث المقاومة. بلا شك، تعرّضنا لضربات، وقدّمنا الكثير من الشهداء، لكن الإنجاز كان إنجازًا مهمًّا لمستقبل المنطقة. هذه الدماء كأنها دماء تغلي، فجعلت تيار المقاومة أقوى.
شكرًا لكم، الدکتور، على وقتكم الذي تفضلتم به لموقع KHAMENEI.IR الإعلامي.
الدكتور علي لاريجاني: موفّقون، إن شاء الله.