Search
Close this search box.

لا تسألوا ماذا قدّم حزب الله لغزة.. بل ماذا قدّم الآخرون!

لا تسألوا ماذا قدّم حزب الله لغزة.. بل ماذا قدّم الآخرون!

ماذا قدّم حزب الله لنصرة غزة؟ وهل ساهم ما قدّمه في تغيير موازين القوى بين المقاومة والعدو أم لا؟ وفي المقابل، ماذا قدّم الآخرون؟

بعد الإعلان الذي بدا مفاجئاً للبعض حول التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار بين “دولة” الاحتلال الصهيوني من جهة، وبين حزب الله من جهة أخرى، وهو الأمر الذي بدأ تنفيذه فعلياً على الأرض انطلاقاً من الساعة الرابعة من فجر الأربعاء الفائت، أُثيرت الكثير من التساؤلات، وطُرحت العديد من الفرضيات، واختلف المتابعون والمراقبون والمحللون حول سبب هذه الخطوة الدراماتيكية، والتي كانت قبل عدّة أيام بعيدة المنال بدرجة كبيرة، لا سيّما بعد التصعيد الكبير الذي شهدته جبهة القتال بين الجانبين، والتي دخلت مرحلة جديدة كانت تبدو أن لا رجعة عنها، خصوصاً بعد إعلان العدو البدء في المرحلة الثانية من عملياته البرية باتجاه قرى وبلدات الخط الثاني من الحدود اللبنانية – الفلسطينية.

ولكن السؤال الرئيسي الذي طغى على وسائل الإعلام، لا سيّما الاجتماعي منها، ما هو سبب قبول حزب الله بوقف القتال من دون تحقيق الهدف الأساسي الذي أعلن عنه منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، عندما دشّن جبهته المساندة لقطاع غزة في وجه العدوان، والتي تحوّلت بعد هجمات “البيجر” والاغتيالات في صفوفه إلى مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني، وهو ما أعطاها زخماً أكبر، وحوّلها إلى جبهة أساسية بعد أن كانت جبهة مساندة ودعم.

في ذلك الوقت، أعلن حزب الله على لسان أمينه العام الشهيد سماحة السيد حسن نصر الله، وعبر كل ناطقيه الإعلاميين أن هذه الجبهة لن تتوقّف قبل وقف الحرب والعدوان على غزة، وأنه لن يتم السماح للعدو بفك الارتباط بين الجبهتين، كما هي الحال مع جبهات الإسناد الأخرى في العراق واليمن، وقد أعاد الأمين العام الحالي للحزب الشيخ نعيم قاسم تأكيد هذا الارتباط في كل خطاباته الأخيرة.

وفي حقيقة الأمر، ينقسم السائلون حول هذا الإطار إلى قسمين، الأول هم المحبّون والمؤمنون بخيار المقاومة، والذين يدركون تماماً أهمية جبهات الإسناد في التصدّي لمخططات العدو الصهيوني تجاه غزة، ويعرفون مدى أهميتها، خصوصاً في هذه المرحلة المتقدّمة من العدوان.

أما القسم الثاني فهم المشكّكون بفعالية المقاومة كخيار قادر على هزيمة العدو الصهيوني، وبقدرته على إفشال وإسقاط أهداف العدو التي لا تستهدف فقط فلسطين ولبنان وباقي محور المقاومة، بل تستهدف كل دول المنطقة حتى تلك المطبّعة مع “دولة” الاحتلال، وتقيم معها علاقات أمنية وسياسية واقتصادية ساهم جزء منها بشكل فعّال في تحمّل العدو لتبعات الحرب، ولتكلفتها الباهظة التي دفعها خلال الأشهر الماضية.

وبما أنني لست ناطقاً باسم حزب الله كي أشرح الدوافع والأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذا القرار، وهو لديه منابره الخاصة، وأدواته الإعلامية وعلى رأسها أمينه العام لوضع النقاط على الحروف، وللإجابة عن كل تلك التساؤلات المثارة، وإن كنت أثق تمام الثقة بخيارات الحزب وقراراته، وأن ما جرى نابع من إدراكه لطبيعة المرحلة الحسّاسة التي تحياها المنطقة، ومن قراءة عميقة ومستفيضة لمجمل التطورات التي تجري في الإقليم والعالم، والتي يتعلّق جزء منها بالداخل اللبناني وتعقيداته، وجزء آخر برؤية محور المقاومة ككل لمجمل الأمور في ظل الكثير من المتغيّرات والتحوّلات الإقليمية والعالمية.

على كل حال، وحتى لا نتوه في زواريب التوقّعات والمآلات، وحتى لا نقع ضحية صنّاع الفتن الذين يلعبون على المتناقضات، ويحاولون بث سمومهم في كل الاتجاهات، دعونا نسأل السؤال التالي، ماذا قدّم حزب الله لنصرة غزة؟ وهل ساهم ما قدّمه في تغيير موازين القوى بين المقاومة والعدو أم لا؟ وفي المقابل، ماذا قدّم الآخرون من عرب ومسلمين، سواء كانوا دولاً أو جماعات أو شعوباً، ومدى فعالية ما قدّموه في حال قدموا شيئاً من الأساس لنصرة أهل غزة والدفاع عنهم وحمايتهم؟

في ما يخص حزب الله ومن دون أي تحيّز أو مبالغة، فإن الحزب قدّم الموقف والسلاح والدماء، وأشياء أخرى يمكن أن نتحدث عنها لاحقاً، وهي أهم ما يمكن أن تقدّمه أي جماعة مقاتلة في العالم للجهة التي تناصرها أو تدافع عنها، وهي لا تُقدّم عادة إلا في حالة الدفاع عن البيئة القريبة، والجغرافيا الخاصة، وليس عن أي مكان آخر.

في حالة حزب الله الذي يملك بعداً أخلاقياً جعله يرسل خيرة مقاتليه إلى البوسنة والهرسك ليدافعوا عنها في وجه مجازر الصرب، بعد أن تخلّى عنها القريب والبعيد، والذي ساند سوريا وهي تتعرّض لحرب كونية من دول الاستعمار العالمي ومرتزقتها من المجرمين والتكفيريين، والذي قاتل المحتل الأميركي والأجنبي في العراق، والذي ساهم في رفع قدرات مقاتلي اليمن وخبراتهم، وهم يواجهون حرباً ضروساً من أميركا وبريطانيا وأنظمة عربية رجعية ومتخلّفة، فإن الصورة تختلف شكلاً وموضوعاً، إذ إنه على استعداد لمناصرة قضايا المظلومين والمضطهدين في أي مكان في العالم، ولديه القابلية لدفع الأثمان التي يمكن أن تنتج من ذلك، وهو في مساندته لغزة المحاصرة والمظلومة قد قام بما أملاه عليه إيمانه العميق بمظلومية الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته،بعيداً من أي حسابات ضيّقة حاول البعض إلصاقها به، وبعيداً من البحث عن مكاسب سياسية هنا وهناك كما يفعل الآخرون.

على صعيد الموقف السياسي، أعلن حزب الله منذ البداية وبوضوح تام موقفه من المجزرة التي تجري وما زالت في قطاع غزة، وأكد عبر كل مواقفه السابقة واللاحقة أنه يجب الوقوف في وجه بؤرة الشر والإفساد في المنطقة والعالم المسمّاة “إسرائيل “، وأنه يتوجّب على الجميع، عرباً ومسلمين وأحراراً، على مستوى العالم أن يقولوا لهذه “الدولة” المارقة والمجرمة كفى، وأنه يجب رفع أي حصانة عن هذا الكيان الغاصب، بما يعرّضه لاحقاً للمساءلة والمحاسبة على كل جرائمه التي ارتكبها ليس فقط خلال الحرب الحالية، بل خلال الست والسبعين سنة من عمر احتلاله لفلسطين التاريخية، ولكل جرائمه ضد دول المنطقة، والتي لم يتورّع خلالها عن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين العزل.

أما في ما يتعلّق بالدماء فحدّث ولا حرج، إذ قدّم حزب الله خيرة قادته ومقاتليه شهداء على طريق نصرة غزة، وفي سبيل وقف العدوان عنها، ومن أجل إرغام العدو على الرضوخ لمطالب المقاومة الفلسطينية، والتي هي في الأساس مطالب الشعب الفلسطيني برمته، وهي مطالب عادلة ومشروعة بموجب القوانين الدولية ذات الصلة.

لقد قدّم حزب الله أعز ما يملك من دماء،كيف لا وفيها دماء سيد المقاومة، وقائدها، ومعشوقها الأبدي، سماحة السيد حسن نصر الله سيد شهداء طريق القدس، ورمز تيار المقاومة في المنطقة وعنوانها، وفيها دماء السيّد هاشم صفي الدين، الذي ستكشف الأيام دوره البارز والمحوري في وصول المقاومة في لبنان والمنطقة إلى ما وصلت إليه، وفيها دماء السيد فؤاد شكر قائد أركان المقاومة الإسلامية في لبنان، والحاج إبراهيم عقيل قائد وحدة الرضوان النخبوية وإخوانه، والحاج على كركي والقيسي والطويل وغيرهم الكثير الكثير من قادة حزب الله وكوادره ومقاتليه.

لقد قدّم الحزب دماء خيرة قادته ومقاتليه كما لم يفعل في أي مواجهة من قبل، حتى في عدوان تموز 2006، وفي حرب التحرير الطويلة التي نجح من خلالها في طرد المحتل من جنوبه الأبي، لم يقدّم الحزب كل هذه الدماء الشريفة التي لو قدّمها حزب أو دولة أخرى لانهارت خلال فترة قصيرة، ولتفكّكت أواصرها وبناها التنظيمية في بضعة أسابيع، إلا أن بركة هذه الدماء الشريفة والطاهرة قد منحت الحزب مزيداً من القوة والصلابة والمنعة، وأهّلته للوقوف في وجه الحرب الظالمة التي شُنّت عليه وعلى لبنان من تحالف عالمي ودولي، وقفت على رأسه وفي المقدّمة منه أم الإرهاب وراعيته الأولى الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها كل محور الشر والإجرام في العالم.

على مستوى السلاح، استخدم حزب الله كل ما يلزم لخوض معركة الإسناد والمشاغلة دعماً لغزة ومقاومتها، ولاحقاً في المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني، وقد تمكّن بفضل هذا السلاح من إيقاع عشرات القتلى والجرحى في صفوف الجنود الصهاينة، لا سيّما من الوحدات النخبوية، مع الإشارة إلى أن العدد المعلن عنه من قِبل “جيش” الاحتلال أقل بكثير من العدد الحقيقي، كما أشارت العديد من وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية.

لقد استخدم حزب الله خلال الأشهر الثلاثة عشر الماضية أنواعاً مختلفة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، إلى جانب المسيّرات الانقضاضية التي وصل بعضها إلى غرفة نوم مجرم الحرب نتنياهو، وإلى أهم القواعد العسكرية الجوية والتجسّسية، بالإضافة إلى صواريخه الموجّهة وضد الدروع، والتي فرضت حظراً للتجول في كل القرى الحدودية لفلسطين المحتلة، وأرغمت أكثر من مئة ألف مستوطن صهيوني على الرحيل إلى مناطق الوسط والجنوب، وحوّلت حيفا وعكا ونهاريا إلى مهداف للرماية اليومية، وهو ما أوقف عجلة الاقتصاد بصورة لم يشهد الكيان مثيلاً لها من قبل.

ليس هذا فحسب، بل إن هذا السلاح قد ساهم إلى جانب مهارات المقاتلين وتكتيكاتهم النوعية في منع أكثر من سبعين ألف جندي صهيوني من السيطرة الكاملة والمطلقة على قرية واحدة في جنوب لبنان، وحوّل أكثر من ستين دبابة “ميركافا” إلى خردة بالية، وأسقط العديد من طائرات الاستطلاع الأحدث على مستوى العالم.

لقد نجح حزب الله بما استخدمه من سلاح وإمكانيات في نسف الرواية الصهيونية عن تفوّق “جيشهم” المزعوم، وقدرته على هزيمة كل أعدائه، وكشف أمام كل العالم مدى هشاشة هذا “الجيش” وقابليته للهزيمة والانكسار والتراجع.

كما لا ننسى أن نشير هنا إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن معظم السلاح الموجود في قطاع غزة، والذي هشّمت من خلاله المقاومة الفلسطينية فرق “جيش” العدو النخبوية، وحوّلت آلياته المصفّحة إلى رماد قد وصل بفضل قيادة حزب الله ومقاتليه، وجهدهم وعرقهم وتضحياتهم، إلى جانب الدور المهم والمحوري للجمهورية الإسلامية في إيران وفي المقدمة منها المرشد الأعلى، والشهيد الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني.

في ما يخص السؤال الثاني الذي أثرناه أعلاه حول ما قدّمه العرب والمسلمون لنصرة غزة، فأنا لن أستفيض كثيراً في الإجابة عنه، إذ إن الجميع بات يعرف مقدار ما قُدّم، ومدي تأثير ذلك على حجم المعركة وشكلها والتي ما زالت جارية في القطاع الصغير والمحاصر، وكما قال أحد المواطنين النازحين ذات يوم: “إن من يقدّم المرق والأرز والعدس، ليس كمن يقدم الدم والأشلاء والتضحيات”!

ختاماً نقول إن حزب الله ومناصريه ومحبّيه ليسوا مجبرين على تقديم مبررات للقرارات التي يتخذونها، فهم الأقدر على تحديد خياراتهم، وهم الأنسب بما قدّموه من تضحيات كبيرة للذهاب في هذا الاتجاه أو ذاك، وكما قال العرب قديماً: “أهل مكة أدرى بشعابها “!

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل