هناك أمران يشدّد الإمام قدس سره على معرفتها والتمسك بهما حول رؤيته لأهل بيت العصمة عليه السلام بحيث ان إنكارهما يؤدي إلى خللٍ عقيدي والانحراف عن الأصول أو الضروريات التي تؤدي إلى الانخراط في زمرة الضالين عن طريق الهداية والاستقامة والثبات:
الأمر الأول: أنه لا يصل أحد إلى المراتب المعنوية التي وصل إليها أئمتنا الأبرار صلوات الله عليهم، حيث لا يمكن ذلك لأي كان سواء كان نبياً مرسلاً (باستثناء خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم) أو ملكاً مقرباً، ويعتبر قدس سره أن هذا الأمر من ضروريّات المذهب.
يقول قدس سره: “وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام كانوا قبل هذا العالم أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله، وقد قال جبرائيل عليه السلام كما ورد في روايات المعراج: “لو دنوت أنملة لاحترقت”، وقد ورد عنهم عليهم السلام: “إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل”([1]).
الأمر الثاني: أن هذه المقامات بأجمعها ثابتة لسيدة نساء العالمين صلوات الله عليها. فمن يعتقد خلاف ذلك يعتبره الإمام قدس سره خارجاً عن مذهب الحق. يقول قدس سره: “كما أن هذه المقامات المعنوية ثابتة للزهراء عليها السلام مع أنها ليست بحاكم ولا خليفة ولا قاض، فهذه المقامات شيء آخر غير وظيفة الحكومة”، ولذا عندما نقول أن الزهراء عليها السلام ليست بقاض ولا خليفة، فهذا لا يعني أنها مثلي ومثلكم، أو أنها لا تمتاز عنا معنوياً([2]). إن فاطمة عليها السلام إنسان بكل ما للكلمة من معنى. لو كانت رجلاً لكانت مكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم([3]). وإضافة إلى ضرورة هذه المكانات لها فهي صلوات الله عليها على وجه خاص كان لها ما لم يكن لغيرها. فيجدر بنا أن نتعرف على قراءة الإمام قدس سره لمقامها المعنوي، نجوم كالفراشة حول مصباح النور الأبدي الذي لا يطفأ.
المقام المعنوي للزهراء عليها السلام:
يقول قدس سره: “إنني أعتبر نفسي قاصراً عن التحدث حول الصديقة سلام الله عليها، وأكتفي بذكر رواية واحدة ورد في الكافي الشريف ومنقولة بسند معتبر، وتلك الرواية هي أن الصادق عليه السلام قال: بأن فاطمة عليها السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً في هذه الدنيا واشتد عليها الحزن، وكان جبرائيل الأمين يحضر عندها ويعزّيها ويخبرها بأمور عن المستقبل.. أنا أعتبر هذه الفضيلة فوق جميع الفضائل الأخرى التي ذكرت للزهراء عليها السلام ـ رغم عظمة الفضائل الأخرى ـ وهي لم تحصل لأي إنسان آخر سوى الأنبياء عليهم السلام، وليس كل الأنبياء، بل الطبقة الأولى منهم وبعض الأولياء الذين كانوا بمنزلتهم، وبهذا التعبير أي المراودة مع جبرائيل خلال خمسة وسبعين يوماً لم تحصل لحد الآن لأي إنسان آخر، وهذه من الفضائل الخاصة بالصديقة الزهراء سلام الله عليها”([4]).
“إن المعنويات والتجليات الملكوتية، الإلهية، الجبروتية، المُلكية والناسوتية مجتمعة كلها في هذا الموجود (السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام)”([5]).
ثمّ يفصح الإمام قدس سره من خلال رؤيته الثاقبة النابعة من عرفانه الكامل واتصاله الحقيقي بأهل البيت عليهم السلام بأن التجلي لقدرة الله عزّ وجلّ متمثلة بهم وعلى رأسهم الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها، حيث يتفضل قائلاً: “إن ذلك البيت الصغير الذي ضمّ فاطمة عليها السلام وأولئك الخمسة الذين تربوا فيه والذين يمثّلون في الواقع التجلي لكامل قدرة الله تعالى قدموا من الخدمات ما أدهشنا وأدهشكم، بل وأدهش البشر جميعاً”([6]).
أهل البيت عليهم السلام في فكر الإمام الخميني، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) الحكومة الإسلامية (الإمام الخميني قدس سره) ص52. ط. المكتبة الإسلامية الكبرى.
([2])الحكومة الإسلامية، ص 52.
([3])صحيفة الإمام، الإمام الخميني، ج7، ص250.
([4]) منهجية الثورة، الإمام الخميني قدس سره ص120ـ121.
([5]) الكلمات القصار، ص55.
([6]) م.ن.