المُداراة مهارة اجتماعية تنشأ من حكمة الإنسان

المُداراة مهارة اجتماعية تنشأ من حكمة الإنسان

إن المُداراة مهارة اجتماعية، تنشأ من فِطنة الإنسان وذكائه وحكمته، وهي ليست ضعفاً أو خضوعاً، بل وسيلة مشروعة، بل خصلة أخلاقية لتمتين أواصر العلاقة بين الناس، وتلافي الخلافات والنزاعات.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لَمْ يُدارِ مَنْ فَوْقَهُ لَمْ يُدْرِكْ بُغْيَتَهُ”.
معادلة تربط بين مداراة الشخص لمن فوقه في النفوذ والسلطة، ومن له عليه الإمرة، وبين إدراك ما يبتغيه من مطالب، وفيها تنبيه إلى ضرورة أن يُتقِنَ كل فرد مِنّا مهارات التعامل مع الآخرين، ومن أهمها المداراة، وهي تعني هنا الحكمة واللطف في التعامل لتحقيق الأهداف المشروعة، وتجنُّب الخِلافات والصِّدامات التي قد تعيق نجاحنا.
المُداراة واحدة من الصفات الحميدة، والفضائل الأخلاقية الرشيدة التي دعا إليها الإسلام، وهي وسيلة للانسجام مع الآخر، وتحقيق الغايات بطرق مشروعة، كما أنها تُظهِر حُسْنَ خُلق الإنسان وفطنته.
ودفعاً لوهم يقع فيه كثيرون عندما نثير الحديث عن المداراة، إذ يُخالُ لهم أنها نوع من النفاق، أو التّزلُّف والتَّمَلُّق، أقول: إن هذه تختلف عن المداراة بلا شك، ولولا اختلافها لما دعا الإسلام إليها واعتبرها فضيلة، في الوقت الذي نهى عن التَّزَلُّف والتَّمَلُّق، وحذَّر من النفاق واعتبره أُسُّ الشَّرِّ.

فالمُداراة: هي اللطف في القول والعمل لتجنب الخصومات والأذى، وهي مستمدة من الحكمة واللين، قال رسول الله (ص): “أمَرَني رَبّي بِمُداراةِ النّاسِ كَما أمَرَني بِأداءِ الفَرائضِ” وقال (ص): “مُداراةُ النّاسِ نِصفُ الإيمانِ، والرِّفقُ بِهِم نِصفُ العَيشِ” ورُوِيَ عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: “جاءَ جَبرَئيلُ (ع) إلى النَّبيِّ (ص) فَقالَ: يا مُحمَّدُ، رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقولُ لكَ: دارِ خَلْقِي” أما التَّمَلُّقُ: فهو الإطراء الزائد والتقرُّب الزائف بهدف تحقيق مصلحة شخصية دون اعتبار للحق والصدق، وقريب منه التَّزَلُّف، وهو التقرُّب المُبالَغ فيه لأصحاب النفوذ بدافع الطمع أو تحقيق مكاسب دنيوية.

فأما النفاق: فهو إظهار شيء وإضمار شيء آخر، وهو صفة مذمومة قبيحة ترتبط بالكذب والخداع، ولا تكون في المؤمن أبداً.

ومِمَّا لا شك فيه أن التعامل الإيجابي مع الآخرين، وملاينتهم بالكلام، خصوصاً إذا كانوا من ذوي النفوذ والسلطان فإن ذلك يساعد المَرء على استثارة مشاعرهم الطيبة وعواطفهم النبيلة، الأمر الذي يعينه على إدراك ما يبتغيه منهم، وهذا أمر تشهد له التجربة الشخصية، إنك ترى أخوين في أسرة واحدة، أهدهما يداري والديه ويُحسن التصرُّف معهم، فيحصل منهم على معظم إن لم يكن كل ما يريد، والثاني يتصرَّف معهم تصرفات هوجاء حمقاء، أو بقلة احترام وتقدير، فهذا غالباً ما يعجز عن الحصول منهما على ما يريد.

فمن المهمِّ جداً لمن أراد الحصول على مطالبه، أن يتحلَّى بالحكمة في تصرفاته وأقواله، خصوصاً عندما يتعامل مع أصحاب النفوذ، فيختار الكلام المناسب لهم ولمقامهم، من غير تزَلُّفٍ ونفاق وأن يتجنَّب الصدام معهم والجرأة عليهم، وإظهار الخلاف معهم.
إن المُداراة مهارة اجتماعية، تنشأ من فِطنة الإنسان وذكائه وحكمته، وهي ليست ضعفاً أو خضوعاً، بل وسيلة مشروعة، بل خصلة أخلاقية لتمتين أواصر العلاقة بين الناس، وتلافي الخلافات والنزاعات.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل