الإصلاح الذاتي ضرورة لكل إنسان يسعى إلى تهذيب النفس

الإصلاح الذاتي ضرورة لكل إنسان يسعى إلى تهذيب النفس

 إن الإصلاح الذاتي ليس خياراً بل ضرورة لكل إنسان يسعى إلى التغيير وتهذيب النفس وتزكيتها وتنمية فضائلها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لَمْ يَتَدارَكْ نَفْسَهُ بِإِصْلاحِها أَعْضَلَ دَواءُهُ، وَبَعُدَ شِفاءُهُ، وَعَدِمَ الطَّبيبَ”.

إذا أدرك الإنسان عيوبه النفسية والأخلاقية وكان جاداً في التعافي منها فشفاؤه ممكن، وصلاحه محقَّق والطبيب قادر على معالجته، أما إذا لم يدرك عيوبه، أو أدركها ولم يكن جاداً في إصلاحها، فستستفحل ويصبح علاجها عسيراً وتعيي المعالج الماهر، هذه هي المعادلة التي يطرحها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي تسلِّط الضوء على جوهر الإصلاح الذاتي ودوره المهم والمحوري في حياة الإنسان.

الإمام  علي (ع) ينبِّه إلى ضرورة أن يلتفت الإنسان إلى عيوب نفسه، وأن يحذر الغَفلة عنها، فإن النفس البشرية قد اشتملت على جوانب إيجابية، وأخرى سلبية، وقليل أولئك الكُمَّل من البشر، حتى المعصومين (ع) يرون نقصاً في أنفسهم بالقياس إليهم وإلى معرفتهم على قاعدة: (حسنات الأبرار سيئات المقربين) لذلك كانوا يسألون الله تعالى الكمال، والتَّرَقّي في الكمالات المعنوية والروحية، وكانوا يستغفرون الله من نقص يحسُّونه في أنفسهم بذلك الاعتبار الآنف الذكر، فهذا الإمام زين العابدين المعروف بذي الثفنات لكثرة سجوده وخضوعه بين يدي الله تعالى يناجي الله قائلاً: “أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ رَاحَةٍ بِغَيْرِ أُنْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيْرِ قُرْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ شُغُلٍ بِغَيْرِ طَاعَتِكَ”  فإذا كان أولياء الله المعصومين يستغفرون الله تعالى، فحَرِيٌّ بالأدنى منهم مرتبة ومن لم يبلغ مرتبة العصمة أَلّا يغفل عن عيوبه وأخطائه، لِئَلّا تنمو وتزداد وتتجذَّر في نفسه ويصعب عليه أن يتداوى منها.
إن الله تعالى يدعونا إلى تزكية نفوسنا دائماً فيقول: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” ﴿الشمس: 10﴾ ومِمَّا لا جدال فيه أن التزكية تستلزم أن يتعرّف الإنسان على عيوبه (الرذائل) كي يعمل على تطهير نفسه منها، وأن يتعرَّف على الجوانب الإيجابية منها (الفضائل) كي يعمل على تنميتها وتعميقها.

ومن الضروري جداً لمن أراد إصلاح نفسه أن يسارع إلى ذلك، لأن ترك عيوب النفس دون معالجة يشبه ترك المرض دون دواء، فكما أن المرض إذا أُهمِل يشتَدُّ ويصعُبُ علاجه، كذلك الحال مع النفس.
ولا جدال في أن إرادة الشخص في إصلاح نفسه هي الشرط الأَهَمُّ لذلك، لأن التغيير الحقيقي يبدأ من داخله، ولا يمكن لأي شخص أو قوة خارجية أن تُصلِحَ النفس إذا لم تكن إرادة صادقة من صاحبها، يقول الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”﴿الرعد: 11﴾ .

هذا المبدأ الإلهي يؤكد أن التغيير الخارجي مرهون بالإصلاح الداخلي، مما يدل على أهمية تحمل المسؤولية الشخصية في إصلاح النفس، فإذا افتقد الإنسان إرادة التغيير، فإن محاولات الآخرين لمساعدته تكون غير مجدية.

إن الإصلاح الذاتي ليس خياراً بل ضرورة لكل إنسان يسعى إلى التغيير وتهذيب النفس وتزكيتها وتنمية فضائلها، والنفس مثل الأرض، إذا اعتنينا بها أثمرت خيراً، وإذا أهملناها أصابها الخراب، فلنبدأ التغيير من داخلنا، ولنَكُنْ صادقين مع أنفسنا، لأن إصلاح النفس هو بداية إصلاح المجتمع بأسره.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل