الإتقان والإحسان هما جوهر العبادة

الإتقان والإحسان هما جوهر العبادة

هناك معادلة تسلِّط الضوء على أهمية الإتقان في حياة الإنسان ودوره في تحقيق الجودة والتميز في مختلف مجالات الحياة، وهي تنبع من فهم عميق لحقيقة العمل وارتباطه بالمسؤولية الفردية والمجتمعية.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَـنْ أَتْقَـنَ أَحْسَـنَ”.
معادلة تسلِّط الضوء على أهمية الإتقان في حياة الإنسان ودوره في تحقيق الجودة والتميز في مختلف مجالات الحياة، وهي تنبع من فهم عميق لحقيقة العمل وارتباطه بالمسؤولية الفردية والمجتمعية.
وكي تتضح هذه المعادلة يجب التوقف عند الأمور التالية:

أولاً: الإتقان يعني أداء العمل بدقة عالية، وبذل أقصى الجهد لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة، وهو لا يعني الكمال المطلق، ولكنه السعي نحو الكمال بما يتناسب مع الإمكانيات والموارد المتاحة.

ثانياً: الإحسان مفهوم واسع يشمل الإخلاص في العمل، وحسن الأداء، والتعامل مع الآخرين برفق ولطف، ولكنه في هذا السياق يعني جودة العمل والإتيان به على أحسن صورة، وأكمل وجه، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “إنَّ اللَّهَ تَعالى‏ يُحِبُّ إذا عَمِلَ أحَدُكُم عَمَلاً أن يُتقِنَهُ” ورُوِيَ عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: “إنَّ رَسولَ اللَّهِ (ص) نَزَلَ حَتّى‏ لَحَدَ سَعدَ بنَ مُعاذٍ وسَوَّى اللَّبِنَ عَلَيهِ، وجَعَلَ يَقولُ: ناوِلْني حَجَراً، ناوِلْني تُراباً رَطْباً، يَسُدُّ بِهِ ما بَينَ اللَّبِنِ، فلَمّا أن فَرَغَ وحَثا التُرابَ عَلَيهِ وسَوّى‏ قَبرَهُ قالَ رسولُ اللَّهِ (ص): إنّي لَأعلَمُ أ نَّهُ سَيَبلى‏ ويَصِلُ إلَيهِ البَلاءُ ، ولكِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ عَبداً إذا عَمِلَ عَمَلاً أحكَمَهُ”.

ثالثاً: تكشف هذه المعادلة عن علاقة طردية بين الإتقان والإحسان، فكلما أجاد الإنسان عمله وأتقنه، انعكس ذلك على جودة النتائج وحُسنِها، فالإتقان شرط أساسي للإحسان، لأنه يؤدي إلى تقديم العمل بأفضل صورة، مِمّا يحقق رضى الله والناس.
مِمّا سبق نستنبط الفوائد التالية:

أولاً: الفوز برضا الله ومحبته، الإتقان والإحسان هما جوهر العبادة، فلا عبادة كاملة من دونهما، بل لا يسقط التكليف بأدائها ناقصة مبتورة، وقد قال الله تعالى: “… وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” ﴿البقرة: 195﴾. وعليه، فإن الإتقان في العمل طريق لنيل محبة الله ورضوانه.

ثانياً: تحسين الإنتاجية والجودة، فعندما يلتزم الإنسان بالإتقان في عمله، تتحسّن جودة الإنتاج، سواء كان ذلك في الصناعة أو التعليم أو غيرهما من المجالات.

ثالثاً: تعزيز الثقة بالنفس، فالإتقان يمنح الإنسان شُعوراً بالإنجاز، وهذا الشعور مرغوب له، مِمّا يعزز ثقته بقدراته.

رابعاً: تحقيق النجاح والتميّز، فالفرد الذي يتقِن أعماله يكون أكثر قدرة على المنافسة والتميُّز، سواء على المستوى الشخصي أو المِهني، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة والمجتمع.

خامساً: بناء العلاقات الإنسانية السليمة، لأن الإتقان ينعكس على طريقة تعامل الإنسان مع الآخرين، مما يعزز بينه وبينهم العلاقات المبنية على الاحترام والتقدير والثقة.
ولا جدال في أن من صور التوفيق الرباني للإنسان أن يكون ممن يُتقِن عمله سواء كان للدنيا أم للآخرة، وكي يمكننا أن نؤدي أعمالنا بإتقان من المهم جداً أن نحرص على أن يكون متوافقاً مع المعايير الشرعية والتقنية والمهنية، وأن نسعى في تطوير مهاراتنا العملية باستمرار، ونراقب أنفسنا وأداءنا على الدوام، ونستعين بالله تعالى على ذلك، ونُخلِص النِّية، ونجعل الإتقان عادة يومية، وسنرى كيف يتغير مسار حياتنا نحو الأفضل.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل