العِفَّة هي الامتناع عن المحرَّمات

العِفَّة هي الامتناع عن المحرَّمات

 فهي الامتناع عن المحرَّمات والشهوات التي تتجاوز الحدَّ الذي يحدده العقل، وضبط النفس عن كل ما يخدش الأخلاق من الأقوال والأفعال والأحوال.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ عَقَلَ عَفَّ”.

معادلة أخرى يكشف الإمام (ع) عنها، تربط بين التَّعَقُّل والعِفَّة، وبين قوة العقل والاتصاف بالفضائل الأخلاقية، وهي منهج حياة بحق، منهج يدعو إلى حاكمية العقل على سلوك الإنسان، وفهم هذه المعادلة والعمل بموجبها يحدث تحولاً إيجابيا لدى الفرد والمجتمع.

تتألَّف هذه المعادلة من عنصرين رئيسيين هما: العقل، والعِفَّة.

أما العقل: فهو أداة الإنسان للتمييز بين الحُسنِ والقُبح، والخير والشَّرِّ، والحق والباطل، وهو المسؤول عن القرارات الحكيمة التي يتخذها الإنسان والتي تُبنَ على التأمُّل والتفَكُّر والتَدبُّر في عواقب الأمور.

وأما العِفَّة: فهي الامتناع عن المحرَّمات والشهوات التي تتجاوز الحدَّ الذي يحدده العقل، وضبط النفس عن كل ما يخدش الأخلاق من الأقوال والأفعال والأحوال.

ولا جدال في أن الإنسان الذي يمتلك عقلاً واعياً ومتحكِّماً، يكون قادراً على كبح رغباته وشهواته، فلا ينجرف وراءها ولا يستجيب لها كيفما اتفق، بل يقوم العقل بتوجيه سلوكياته، ويضبط تصرُّفاته، ويمنعه من الانحدار نحو المعاصي الشرعية والأخلاقية، وكلما قوِيَ عقل المرء قويت فضيلة العِفَّة لديه، فعَفَّ نفسه عن كل ما لا يليق به.

والعِفَّة ليست صفة أخلاقية موروثة، بل هي نتيجة لتفكير عقلاني، لأن الشخص العفيف يُدرك بعقله الآثار السلبية للإفراط في الشهوات، مادية كانت أم معنوية، لذلك يعفُّ نفسه عنها، وهذا ينعكس بدوره على قدرة الإنسان على التحكُّم بنفسه وشهواتها وأهوائها، فإذا بلغ هذا المستوى تحرَّر من رِبقة الشهوات والأهواء، وانطلق حراً لا يقيده شيء، ولَمّا كانت الفضيلة مما يأمر العقل بها فمن المؤكد أن يختارها على الرذيلة، وهذا يدل على أن العِفَّة قرار عقلاني، وليست أمراً عفوياً أو موروثاً.

ألا ترى قارئي الكريم كيف يمتنع الإنسان العاقل عن الكذب لأنه يدرك بعقله أن الكذب قبيح فضلا عن إضراره بسمعته وعلاقاته مع الآخرين، وأنه يمتنع عن التبذير والإسراف لأنه يُدرك قيمة المال وأهمية إنفاقه في الأمور النافعة له، وأنه يحترم خصوصيات الآخرين لا يحشر أنفه فيها، ولا يُسيءُ إليهم لأنه بعقله يدرك قبح ذلك، وأنه يتحكَّم في غضبه وانفعالاته، ولا يخون الأمانة، ولا يُفشي السِّر، ولا يتتبع عورات الآخرين لعلمه بقبح ذلك؟

كذلك الأمر في الجانب الديني، فإن العقل يدرك حاجة الإنسان إلى الارتباط بالمطلق خالق الكون وخالق الإنسان، ولزوم شكره على جليل نِعمه، ويدرك ضرورة طاعة الله بما له من ربوبية وحاكمية، وضرورة الالتزام بأوامره التي تهدف إلى جلب المنفة للإنسان والمحافظة على مصلحته، ونواهيه التي تهدف إلى دفع الضرِّ عنه، وهذا يدفعه بلا شكِّ إلى أن يعُفَّ نفسه عن المحرَّمات والمحظورات.

انطلاقاً مما سبق من الضروري لكل شخص منا أن يُنَمِّي عقله بالعلم والمعرفة، وينمِّي قدرته على ضبط نفسه، ويحرص على أداء عباداته لأنها تعزز قوة ارادته وعِفَّته، فإنه بهذا يحفظ كرامته وشرفه وعُلُوَّ منزلته في الدنيا والآخرة.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل