Search
Close this search box.

مَنْ أَظْهَرَ عَداوَتَهُ قَلَّ كَيْدُهُ

مَنْ أَظْهَرَ عَداوَتَهُ قَلَّ كَيْدُهُ

من يعبر بوضوح عن خصومته وعداوته تجاه الآخرين، ولا يخفي نواياه، تقل حيله ومكائده، ويصبح تأثيره السلبي محدودًا. كما يمكن لعدوه أن يتعرف على نفسه، حيث يصبح خصومه أكثر وعيًا بتهديده، فيتخذون الاحتياطات المناسبة ضده.

ورُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: “من أظهر عداوته قل كيده”.
حتمية أخرى يكشف عنها الإمام (ع)، فهمها جِدُّ ضروري، والعمل بمضمونها أكثر ضرورة، وإنها لتختزل في كلمات قليلة قانوناً نفسياً واجتماعياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً، عميق الدلالة والمضمون.
من عبّر بوضوح عن خصومته وعداوته تجاه الآخرين، ولم يُخفِ نواياه، قلَّت حيلته ومكائده
وأصبح تأثيره السلبي محدوداً، وأمكن عدوَّه من نفسه، لأن خصومه يصبحون أكثر وعياً بتهديده
فيتخذون الاحتياطات اللازمة ضده، مِمّا يكشف عن أوراقه، وخططه، ويُقَلِّل من قدرته على المناورة، وعلى العكس، فإن من يُخفي عداوته يستطيع أن يكيد ويناور دون أن يكون موضع حذر، مما يزيد من خطورته وتأثيره، وقدرته على الفوز على أعدائه وخصومه.
إن إظهار العداوة، ويراد منها: إظهار خطط الشخص، أو الجماعة، أو الدولة، وإظهار إمكانياته كلها
يرتبط بعدة عوامل تؤدي إلى تقليل فعاليتها:

غياب عنصر المفاجأة: فعندما يعرف الخصم أو العدو أنه مستهدف، فإنه يكون أكثر حذراً ويعمل على إحباط أي مخطط عدائي.

زيادة المقاومة: فالعداوة أو الخصومة المُعلنة تثير ردود فعل دفاعية قوية لدى الطرف الآخر، مما يجعله أكثر استعداداً للمواجهة.

الرفض والاعداد والاحتشاد: فالشخص الذي يعلن عداوته علناً يواجه رفضاً اجتماعياً أكبر، فيُعِدُّ عدوه لمواجهته
ويحشد له كل من يعاديه ويخاصمه، الأمر الذي يضعفه ويحدّ من قدرته على المبادرة.
في ميادين الصناعة والإنتاج والابتكار، نجد الشركات الكبرى والصغرى تحرص على إخفاء ابتكارتها
وتحيطها بالكتمان، وتحرص على إخفاء أسرارها واستراتيجياتها، الشركات التي تعلن منافستها الصريحة
تواجه مقا.و.مة أكبر من المنافسين، بينما تنجح الشركات التي تخفي استراتيجياتها في تحقيق التفوق
التدريجي دون إثارة ردود فعل عدائية مباشرة.
في السياسة، يظهر هذا المبدأ بوضوح، فالقادة الذين يخفون نواياهم وقُدُراتهم عادةً ما يكونون
أكثر نجاحاً في تحقيق أهدافهم، مقارنةً بمن يعلنون عداواتهم وقدراتهم صراحةً، مما يسمح لهم باستخدام الدهاء والتخطيط السِّرِّي دون إثارة ردود فعل مبكرة.
وأكثر ما نلحظ ذلك في الاستراتيجيات العسكرية، فالحرب خديعة كما رُوِيَ عن رسول الله (ص)
وهي فَنٌ وعِلمٌ وخبرات مكتسبة، وواحد من فنونها “الإخفاء والخداع”، حيث يكون القائد الذي يعلن خططه وتحركاته عرضة للإفشال، بينما ينجح القائد الماكر الذي يخفي نواياه.

أختم هذه المقالة بتوصيات عملية لعلها تفيد القارئ الكريم:

أولاً: تَجَنَّب إعلان العداوات بشكل مباشر، وبدلًا من ذلك، استخدم الحكمة والصبر في التعامل مع الخصوم.
ثانياً: افهم دوافع الآخرين قبل اتخاذ مواقف علنية قد تؤدي إلى صراعات غير ضرورية.
ثالثاً: لا تعطي خصمك فرصة لاستهدافك بوضوح.
رابعاً: استخدم الذكاء لتحقيق أهدافك دون إثارة أعدائك وخصومك.
خامساً: حافظ على علاقات متوازنة، وتجنَّب خلق أعداء علنيين قد يعطلون تقدمك.
سادساً: كن ذكياً وحكيماً في إدارة خصوماتك، ولا تُعلن عن عداوتك وخططتك.
سابعاً: اعتمد ما أمكنك مبدأ الدبلوماسية بدلاً من المواجهة المباشرة التي قد تؤدي إلى استعداء الآخرين وإضعاف موقفك.

إن تطبيق هذه المعادلة في حياتنا اليومية يساعدنا على تجنُّب النزاعات غير الضرورية، وبناء استراتيجيات فعالة لإدارة العلاقات والتحديات، مما يضمن تحقيق الأهداف بأقل قدر من الصدامات والمواجهات.
من أظهر عداوته قل كيده
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل