إِنَّ أخطر شيء على الإنسان المؤمن هو اللسان، ومزالقه كثيرة، وحصاده وافرٌ في جميع المواسم وعلى كافة الأصعدة، وميدانه رحب ومؤونته خفيفة، لأنّه لا تعب في تحريكه ولا كلفة في إفراطه، فبإمكان العبد أن يُطْلِق عنان لسانه على عيوب الناس وزلاتها وعوراتها بأدنى كلفة وتعب، ولكنّه سيكون بعد ذلك في الدرك الأسفل من جهنم، وسيخاف الناس لسانه لما فيه من الأذية لهم، وسيكرمه الناس اتّقاء شرّ لسانه التابع للشيطان والخادم بين يديه، يقدّم له العون في مجال إفشاء عيوب الناس، وإظهار عورات بيوتهم، وكشف أسرارهم، ولكن على سالك هذا الطريق الخطر أن يسمع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهي وصية جامعة تجمل كل معاصي اللسان.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): “… يَا عَلِيُّ مَنْ خَافَ النَّاسُ لِسَانَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَا عَلِيُّ شَرُّ النَّاسِ مَنْ أَكْرَمَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ وَشَرِّهِ”[1].
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): “إِنَّ أَبْغَضَ خَلْقِ الله عَبْدٌ اتَّقَى النَّاسُ لِسَانَه”[2].
أيّها العبد المدّعي الأسوة بالنبي وآله (صلى الله عليه وآله وسلم)! لماذا لا تنظر بعين البصيرة إِلَى هذه الروايات؟ فتعلم أنّهم (عليهم السلام) يصفون صاحب اللسان الحادّ المتسلط على عيوب الناس وزلاتهم وعوراتهم وهفواتهم ـ بحيث تخاف الناس لسانه وتُكرمه خوفاً من لسانه ـ بأبشع الأوصاف وأكثرها خطورة على مسيرتك الحتمية، فلا أرى أحداً يحبُّ أن يكون من أهل النار، أو شرّ خلق الله، أو أبغض الخلق عند الله، هذا فضلاً عن إساءته لنبيه وآله صلى الله عليه وآله وسلم.
وينبغي للإنسان المؤمن أن يكون على حذر شديد من اللسان، لأنّه آلة الشيطان إِلَى غضب الرحمن، والخسران الذي ما بعده خسران، وإذا نظرنا إِلَى المعاصي فسنجد أَنَّ اللسان أخذ منها النصيب الوافر، وهي في غاية الخطورة، خصوصاً إذا لاحظنا أنّها لا تحتاج إِلَى كلفة وتعب بل هي متيسرة لكلّ أحد أراد أن يخوض وحول بحرها الفاسد الذي ليس له نهاية إلا غضب الله تعالى، فيمكن للشخص وفي مجلس واحد أن يهتك حجاب المؤمنين ويفضح أسرارهم ويفسد معايشهم ويوقع العداوة والبغضاء بينهم، وهو مع ذلك يشعر باللذة والنشوة، لكنّه لم يلتفت إِلَى عظيم ما جناه لسانه وقبيح ما حصدته أقواله فكان شريكاً للشيطان ومثالاً للسوء.
أهم محرمات اللسان
إذا نظرنا إِلَى تعاليم الإسلام الاجتماعية نعلم أَنَّ الله تعالى خلق الفرد ليعيش في ضمن مجتمع مترابط قائم على المحبة والتعاون والأخوة، ولا يمكن للفرد المسلم أن ينعزل عن المجتمع بل لا بدّ له من التواصل مع بني جنسه حتى تستقيم حياته، ولذا نجد أَنَّ الإسلام قد وضع قوانين تساعد على توطيد العلاقة مع الآخرين، فحرّم أموراً وأوجب أخرى، فنراه يدعوهم إِلَى النجدة والتعاون…، ونراه يحرّم عليهم أموراً كالغيبة والنميمة والسباب والفحش وغيرها. وإذا لاحظنا قول أمير المؤمنين عليه السلام نجده يعطي اللسان دوراً أساساً في عملية تقييم الفرد فيقول: “الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ”[3]، فإنّ اللسان له دور مهم في عملية بناء شخصية الإنسان، ولأجل ذلك أخذ نصيباً مهماً من الواجبات والمحرمات.
* من كتاب وصايا الأولياء- جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية
[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16، ص34.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 323.
[3] الشريف الرضي، محمد بن الحسين الموسوي، نهج البلاغة، ص435، تحقيق وتصحيح: عزيز الله العطاردي، نشر: مؤسسة نهج البلاغة، الطبعة الأولى 1414هـ، قم المقدسة.
2025-02-15