آداب وسنن | من آداب الموائد في شهر الله

آداب وسنن | من آداب الموائد في شهر الله

الشيخ مهدي أبو زيد

يستبشر الإنسان المؤمن بالمائدة الرحمانيّة التي يبسطها الله لعباده من منطلق: “الصوم لي وأنا أجزي به”(1). ونحن إذ نحطّ الرحال عند مائدة شهر رمضان المبارك، نسعى للتعرّف إلى بعض ما ورد عن المدرسة النبويّة، التي دعت لأن يبقى الإنسان في حال اعتدال يسمح له أن يغترف الحدّ الأدنى من المعنويّات إذا ما نظر إلى طعامه كما أمرت الآية المباركة: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ (عبس: 24).

نشير في هذا المقال إلى بعض الآداب التي يجب مراعاتها في موائد هذا الشهر الفضيل.

* رعاية الحلال
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من أفطر على تمر حلال، زيد في صلاته أربعمئة صلاة”(2).

وممّا ورد في رسائل الشهيد الثاني: قال صلى الله عليه وآله وسلم: “وإذا أكلت فكل حلالاً…”(3).

عن الإمام الصادق عليه السلام: “جاء قنبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام بطعامه وعليه ختم… فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا لهو البخل تختم على طعامك، فضحك عليّ عليه السلام ثمّ قال: أو غير ذلك، لا أحبّ أن يدخل بطني شيء لا أعرف سبيله…”(4).

ومن دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: “اللَّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وألهمنا معرفة فضله وإجلال حرمته والتحفّظ ممّا حظرت فيه، وأعنّا على صيامه…، وحتّى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتّى لا تعيَ بطوننا إلَّا ما أحللت”(5).

* الاعتدال في الطعام
قال الإمام الصادق عليه السلام في وصيّته لعنوان البصريّ: “فإيّاك أنْ تأكل ما لا تشتهيه؛ فإنّه يُورِثُ الحماقةَ والبَلَه، ولا تأكل إلّا عند الجوع، وإذا أكلت فكل حلالاً وسمّ الله(6)، فالأكل على الشبع يعني أنّ الجسم لا يكون بحاجة إلى الطعام، فيصبح زائداً عليه.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما ملأ آدمي وعاءً شرّاً من بطنه، فإنْ كان ولا بُدّ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه”(7).

* المستحبّ من الطعام
ورد التأكيد في الروايات على أهميّة الإفطار على:

1. التمر أو الزبيب: عن الإمام الباقر عليه السلام قال أن “رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفطر على الأسودين: التمر والماء، والزبيب والماء”(8).

2. اللبن: عن الإمام الباقر عليه السلام: “إنّ عليّاً عليه السلام كان يستحبّ أن يفطر على اللبن”(9).

3. شيء من الحلوى: ورد “أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يفطر على التمر، وكان إذا وجد السكر أفطر عليه”(10).

وعن الإمام الصادق عليه السلام: “أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفطر على الحلو، فإذا لم يجده يفطر على الماء الفاتر، وكان يقول إنّه يبقي الكبد والمعدة، ويطيّب النكهة والفم، ويقوّي الأضراس والحدق، ويحدّ الناظر، ويغسل الذنوب غسلاً، ويسكن العروق الهائجة والمرّة الغالبة، ويقطع البلغم، ويطفي الحرارة عن المعدة، ويذهب بالصداع”(11).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يأكل الحارّ حتّى يبرد ويقول: “إنّ الله لا يطعمنا ناراً، إنّ الطعام الحارّ غير ذي بركة فأبردوه”(12).

* تعدّد الأطعمة
بعد أن أضحى الشهر المبارك في نظر الكثيرين مرتعاً لألوان الأطعمة، وبات يُستغلّ لتسويق الإعلانات عن المطاعم وأشكال الموائد المفتوحة، بحيث يسقط الإنسان في شراك التخمة والتبذير، فلا بأس أن نتأمّل في مائدة أمير المؤمنين عليه السلام شهيد هذا الشهر. قالت أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام: لمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، قدّمت إليه عند إفطاره طبقاً فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلمّا فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلمّا نظر إليه وتأمّله حرّك رأسه وبكى بكاءً شديداً عالياً، وقال: “يا بنيّة، ما ظننت أنّ بنتاً تسوء أباها كما قد أسأت أنت إليّ، قالت: وماذا يا أباه؟ قال: يا بنيّة، أتقدّمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد؟ أتريدين أن يطول وقوفي غداً بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة؟ أنا أريد أن أتبع أخي وابن عمّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قدّم إليه إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله. يا بنيّة، ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلّا طال وقوفه بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة. يا بنيّة، إنّ الدنيا في حلالها حساب”(13).

* تقديم الصلاة
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ “رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بكتف جزور مشويّة، وقد أذّن بلال، فأمره فكفّ هنيهة حتّى أكل وأكلنا معه، ثمّ عاد بلبن فشرب وشربنا، ثمّ أمر بلالاً فأقام وصلّى وصلّينا معه”(14).

عن الإمام عليّ عليه السلام: “السنّة تعجيل الفطر وتأخير السحور، والابتداء بالصلاة – يعني صلاة المغرب قبل الفطر- إلّا أن يحضر الطعام، فإن حضر بُدئ به ثمّ صلّى، ولم يدع الطعام ويقوم إلى الصلاة” (15).

سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال: “إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم، وإن كان غير ذلك فليصلّ ثمّ ليفطر”(16).

وهو عين ما يفتي فيه الفقهاء في الرسائل العمليّة، بحيث يستحبّ أن يقدّم المرء الصلاة على الإفطار ليرفع الفرض وهو خاوي المعدة، ثمّ يقدم على المائدة باعتدال ليفسح لنفسه في المجال لغذاء الروح وبرامج المساجد المتنوّعة، إلّا أن يكون ثمّة من ينتظره على المائدة فيقدّم الطعام.

وممّا ينبغي لفت النظر إليه، أنّ أيّام شهر رمضان الأولى تجهّزنا لإحياء ليلة القدر التي تُعرض فيها الأعمال على وليّ الله تعالى، فإن وفّقنا لهذه المائدة وهذا الحضور، فيا لها من مكرمة وفضل ونعيم! فليكن هدفنا أن نتناول من معينه ما يُشبع الروح إلى العام القابل إن شاء الله تعالى.

(1) عوالي اللآلي، الأحسائي، ج 3، ص 132.
(2) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 10، ص 161.
(3) الرسائل، ابن علي، ج 2، ص 815.
(4) الوافي، الفيض الكاشاني، ج 11، ص 249.
(5) رياض السالكين، السيّد علي خان، ص5. وتعي أي تحوي.
(6) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج1، 226.
(7) الرسائل، مصدر سابق، ج 2، ص 815.
(8) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 10، ص 159.
(9) المصدر نفسه، ج 10، ص 159.
(10) مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 28.
(11) المصدر نفسه.
(12) المصدر نفسه.
(13) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 42، ص 276.
(14) مسند الإمام علي، القبانجي، ج 3، ص 408.
(15) المصدر نفسه.
(16) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 130.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل