إن التدبّر في العواقب واستشراف النتائج يُعدُّ ركيزة أساسية للوقاية من المخاطر، فبإمعان النظر في تبعات الأفعال، يمكن لنا أن نُقَيّم العواقب المحتملة ونتخذ قراراتنا بحكمة ومسؤولية، وذلك يجنّبنا الوقوع في المآسي أو الأزمات.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ نَظَرَ فِي الْعَواقِبِ سَلِمَ مِنَ النَّوَائِبِ”.
معادلة عالية الأهمية، تقوم على ركنين اثنين: الأول: النظر في العواقب، أي النظر في النتائج المترتبة على الأفعال قبل الإقدام عليها، الثاني: الأمن من المصائب والنوائب.
وهي معادلة مُلهِمة وموحِيَة تدعونا إلى استشراف المستقبل، والطمأنينة إلى سلامة النتائج قبل الإقدام على أي فعل أو قرار أو خيار، فإن ذلك يَقِيْنا بلا شكٍّ من الوقوع في المِحَن، ويجنِّبنا العواقب الوخيمة.
وكما ترى قارئي الكريم فإن هذه المعادلة يستفيد منها جميع الناس، المؤمن منهم والكافر على حدٍ سواء، فكلهم يعمل، وكلهم يحصل على نتائج عمله، غير أن المؤمن يتجاوز الدنيا ليتطلَّع إلى عواقب أعماله في الآخرة حيث الحياة الحقيقية، فرُبّ عملاً تكون عاقبته الدنيوية حسَنَة، وعاقبته الأخروية سيِّئة، فتراه يمتنع عن ذلك العمل، ورُبَّ عمل متِعِب في الدنيا ولكن عاقبته في الآخرة حسنة فتراه يفعله.
إن التدبّر في العواقب واستشراف النتائج يُعدُّ ركيزة أساسية للوقاية من المخاطر، فبإمعان النظر في تبعات الأفعال، يمكن لنا أن نُقَيّم العواقب المحتملة ونتخذ قراراتنا بحكمة ومسؤولية، وذلك يجنّبنا الوقوع في المآسي أو الأزمات.
وبهذا تبرز قيمة العقل كأداة للتفكير والتدبُّر والتخطيط للمستقبل، فإنَّ التفكير المستقبلي لا يعتمد على الحظ وإنما على التقدير والتحليل العقلاني والتخطيط والتدبُّر في النتائج، فكلما كان التدبُّر في النتائج عميقاً كانت العواقب أسلم، وكلما كان التخطيط مُتقَناً كانت النتائج أصوب وأصحّ وأسلم.
عليه، فإن المعادلة التي بين أيدينا تدعونا إلى تبنّي منهجية التفكير الشامل الذي لا يكتفي باللحظة الراهنة بل يمتد نظره إلى النتائج البعيدة المدى فضلاً عن القريبة، ومِمّا لا شَكَّ فيه أن هذه المنهجية تتطلَّب الحذر من الاستجابة العاطفية للظروف، فالاندفاع معها دون إعمال العقل ومراعاة النتائج المحتملة، يؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرّعة.
ومن الواضح أن هذه المعادلة تتسق مع المبدأ العام الذي يعتمده الإسلام في كل مجال محفوف بالمخاطر وهو مبدأ الوقاية، وهو من المبادئ المهمة في الحياة الفردية والاجتماعية، فإن التدبُّر في العواقب قبل الإقدام على الفعل يقي الشخص من الوقوع في المخاطر والمضار.
كما أن هذه المعادلة تعزِّز في الإنسان روح المسؤولية عن نتائج أفعاله، وذلك يقتضي أن يحمي نفسه ومجتمعه من النتائج السلبية والمضار لأي خطوة يمكن أن يُقدم عليها.
ومن هنا نعرف قيمة الوصية النبوية الشريفة التي نقلها لنا الإمام الصادق (ع) حيث قال: “إِنَّ رَجُلاً أَتى رَسُوْلَ اللهِ (ص) فَقالَ لَهُ: يا رَسولَ اللهِ أَوْصِني، فَقالَ لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ مُسْتَوْصٍ إِنْ أَنا أَوْصَيْتُكَ؟ حَتّى قالَ لَهُ ذَلِكَ ثَلاثاً، وَفي كُلِّها يَقولُ الرَّجُلُ: نَعَم يا رَسولَ اللهِ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللهِ (ص): فَإِنّي أُوْصِيْكَ إِذا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عاقِبَتَهُ، فَإِنْ يَكُ رُشْداً فَأَمْضِهِ، وَإِنْ يَكَ غِيّاً فَانْتَهِ عَنْهُ”.
خلاصة القول: تمثِّل معادلة “مَنْ نَظَرَ فِي الْعَواقِبِ سَلِمَ مِنَ النَّوَائِبِ” دعوة صريحة للنظر أبعد من اللحظة، فتدعونا للتفكير في المستقبل البعيد والقريب، والتخطيط العلمي الواعي لكل خطوة نريج أن نخطوها، وبتبنينا هذا النهج، يمكننا أن نواجه تحدّيات الحياة ومصاعبها وأزماتها، وإن الاستبصار في العواقب ليس وسيلة للوقاية وحسب، بل هو أساس لتطوير الذات والمجتمع نحو مستقبل أكثر استقراراً وأماناً.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي