الإسلام يدعو دائماً إلى التمسُّك باليقين والمعرفة

الإسلام يدعو دائماً إلى التمسُّك باليقين والمعرفة

إن الإسلام يدعو دائماً إلى التمسُّك باليقين والمعرفة، ويرى أنَّ الثبات في الرأي والاعتقاد يُشكل الدرع الواقي للفرد ضد كل محاولات التشكيك والهجوم الفكري، فلا يكتفي بالإيمان الظاهري، بل يدعو إلى أن يكون الإيمان متأصلاً في النفس، عميقاً في القلب.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ ضَعُفَتْ آراءُهُ قَوِيَتْ أَعْداءُهُ”.
معادلة عالية الأهمية، يجب على كل فرد منا أن يفهمها ويعمل بمؤداها، وهي تقوم على سبب ونتيجة، فأما السبب فهو ضعف الآراء، وأما النتيجة فهي ضعف موقف الإنسان أمام خصومه ومنتقديه وأعدائه، حيث يصبحون قادرين على استغلال ذلك الضعف للانقاض عليه، ومجابهته، وإظهار ضعفه.
والمقصود بضعف الرأي هو أن يفقد المرء الثبات في رأيه، بحيث يكون رأيه عرضة للتقلّب والتغيَّر الدائمين، أو يكون غير مستند إلى أُسُسٍ منطقية وعلمية ودينية سليمة، بحيث يسهل الأنقضاض عليه ونقضه.
ومن المؤكد أن الرأي لا يقتصر على موضوع محدد، بل يتسع ليشمل الرأي الاعتقادي والفكري، والسياسي والاقتصادي، وكل مجال يكون للمرء فيه رأي ووجهة نظر، حيث يجب أن تكون آراؤه قوية، راسخة، منبثقة من أُسُسٍ علمية لا شائبة فيها، ومُثبَتة بالبراهين، أما حين يكون الرأي ضعيفاً، فتلك ثغرة واسعة ينفذ منها الأعداء والخصوم للتأثير على الفرد وإضعاف عقيدته وموقفه.
إن الإسلام لا يقبل إلا الحقائق الثابتة بالبراهين القاطعة، ولا يقبل الانتماء الظني إلى عقيدته، بل يريد من المسلم أن يكون اعتقاده قطعياً، ولذلك لا يقبل منه التقليد في العقيدة بل يجب أن يتوصل هو بنفسه إليها وينعقد قلبه عليها، فعندما نراجع القرآن الكريم نجده يبرهن على عقيدته ببراهين عقلية وفلسفية قاطعة، ولا يسوق عقائده كيفما كان، وفوق ذلك نراه يحاور الكفار والمشركين والمختلفين معه في العقيدة أو بعضها، ويطالبهم بالحجة والبرهان، ونداؤه الدائم لكل هؤلاء: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿النمل: 64﴾ وهذه ميزة القرآن الكريم عن سائر الكتب السماوية الموجودة بين أيدي البشر.
الإسلام يدعو دائماً إلى التمسُّك باليقين والمعرفة، ويرى أنَّ الثبات في الرأي والاعتقاد يُشكل الدرع الواقي للفرد ضد كل محاولات التشكيك والهجوم الفكري، فلا يكتفي بالإيمان الظاهري، بل يدعو إلى أن يكون الإيمان متأصلاً في النفس، عميقاً في القلب.
ولذلك تأتي المعادلة التي بين أيدينا هذا القول لتحفّزنا على البحث الدائم عن المعرفة العميقة، وتكوين آراء ثابتة راسخة ترتكز على البراهين القطعية التي تمكننا من الاحتجاج بها أمام الله تعالى وأمام الناس، ولتحذِّرنا في الوقت ذاته من تبني آراء مبنية على الظنِ، ويمكن أن يدخلها الشك في أي لحظة، فإذا لم يُرسِّخ المرء معتقداته على أسس من العلم واليقين، فإنّ محاولات الدجالين والمنتقدين والمشككين تكون لها الأرضية الخصبة للنجاح في التأثير عليه.
نستنتج مما سبق:

أولاً: ضرورة أن يعزز المرء قدرته على البحث والتعمُّق في الآراء والأفكار والتيقن منها قبل أن يتبناها، وأن يعمل على تنمية تفكيره النقدي، ويحذَر التفكير الاستسلامي والالتقاطي.

ثانياً: ضرورة سعيه الدائم لاكتساب المعرفة من مصادرها الموثوقة، فإذا أراد أن يتعرَّف إلى عقيدته الإسلامية فيجب عليه أن يرجع إلى ما كتبه علماء المسلمين المشهود لهم بالعلم والمرجعية العلمية.
إن معادلة “مَنْ ضَعُفَتْ آراءُهُ قَوِيَتْ أَعْداءُهُ” تُختصر حقيقة هامة جداً، وهي: أن القوة الفكرية والعقدية والروحية للفرد لا تُقاس بكمية المعلومات التي يعرفها وحسب، بل تُقاس بصحتها وحقانيتها، وقيام البرهان عليها، ورسوخها في القلب، وقدرتها على الثبات أمام النقد والتشكيك والتشويه، وهجمات الباطل.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل