من الطبيعي والواضح جدًا أن الاستكبار العالمي لا يريد للعالم العربي والإسلامي أن يكون بين بلدانه الحد الأدنى من الاتحاد؛ مقولة : «فرق تسد» قديمة جديدة، تمارسها القوى التسلطية في كل زمان ومكان.
لقد أثارت هذه الزيارة مشاعر الأمة فيما عمد إليه الرئيس الأمريكي من كسب التريلونات من ثرواتها لصالح أمريكا التي تسخّر اليوم طاقاتها كلها لاذلال العالم الإسلامي وسحق الفلسطينيين وإبادتهم والتلاعب بمقدرات الشعوب الإسلامية عبر زرع بؤر الصراع وإثارة الفوضى وخلق الجماعات المتطرفة السفاكة وتشويه وجه الإسلام أمام الرأي العام العالمي.
وأثارت مشاعر الأمة في الاصرار على تهجير الفلسطينيين من غزّة والاستيلاء على هذه الأرض المباركة لتوسيع رفعة الاستيطان الصهيوني.
واستفزّت شعوب أمتنا جراء محاولة تعميق الفرقة بين المقاومين والانبطاحيين.
وكانت واضحة في منهجها بمحاولة تمزيق العالم العربي وخلق الخصومات والخلافات بين بلدانه.
ثم هي ركّزت على فصائل المقاومة الفلسطينية لعزلها عن حكومات وشعوب العالم العربي والإسلامي باسم مكافحة الإرهاب.
وبعد ذلك اتجهت الى رأس الحربة في الدفاع عن كرامة الأمة وعزتها.. إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في محاولة خبيثة للفصل فيها وبين العالم العربي ولخلق صراع داخلي في هذا البلد المقاوم.
إن قمة بغداد رغم ما واجهته من جفاء بعض ذوي القربى قد كانت جوابًا جيدًا لمحاولات التفرقة لكن هذه القمة وسائر القمم المشابهة لا يمكن أن تؤدي الدور الذي تتوق إليه الشعوب العربية والإسلامية مالم يكن بين بلدان العالم العربي والإسلامي ارتباط حضاري يتجه نحو التكامل بينها في جميع المجالات العلمية والسياسيةوالامنية والاقتصادية والثقافية والإعلامية …
إن أمريكا مرّت بحروب أهلية طاحنة حتى استقر بها الأمر إلى تشكيل «الولايات المتحدة».
وأوربا خرجت من حربين طاحنتين قُتل فيها الملايين ودُمرت عواصم ومدن أوربية لكنها أدركت في النهاية أنه لابد أن يكون فيها «اتحاد اوربي» يوحّد بين بلدانها حتى في العملة وتأشيرة الدخول.
الدعوة إلى اتحاد البلدان الإسلامية ليس ضربا من الخيال، إنه يحتاج إلى «القرار» والعزيمة وكسر حاجز الخوف والثقة بالله وبقدرات هذه الأمة.
نحن في موسم الحج وملايين الحجاج ومعهم المسلمون في أرجاء العالم يرددون، «لبيك اللهم لبيك» فلتكن هذه التلبية عملية تتجه بثقة ويقين الى تلبية دعوة رب العالمين حيث قال :-
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾
إن زيارة الرئيس الامريكي الأخيرة هذه بيّنت لنا حقائق يجب أن نستوعبها ونحن نرسم طريق مستقبلنا؛ بيّنت لنا أن الاستكبار العالمي بلغ ذروته في الاستهانة بمقدرات المسلمين وفي وقوفه الى جانب أعدى أعداء الأمة وهو العدو الصهيوني، ولابد أن تبلغ جهودنا ذروة السعي للارتفاع بمستوى عزّة الأمة.
هذا ما تريده شعوب العالم الإسلامي لبلدانها وحكوماتها، إنها تعلّمت من الاسلام أنه ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ وتعلمت من القرآن الكريم وهو يخاطب من يريد العزّة في كنف ترامب حيث يقول: ﴿ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾.
فلنحث الخطى بعزم وتوكل على خالق السماوات والأرض نحو نفض غبار الذلّ والاستسلام، ولنعزز الثقة بين بلداننا لنرسم جميعا طريق المستقبل اللائق بأمة رسول الله(ص).
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/