مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ مِنَ الْبَهائِمِ

مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ مِنَ الْبَهائِمِ

إن الإنسان حرٌّ في خياراته وقراراته، فتراه يفعل ما يخالف غرائزه أحياناً، وهو مسؤول عن النتائج التي تترتَّب عليها، ولذلك فهو مكلَّف بالتكاليف الإلهية، فلو حدث أن افتقد العقل سقطت عنه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ مِنَ الْبَهائِمِ”.
البهيمة: كُل حيوان أعجم لا ينطق من دوابّ البَرّ، والبحر، وأصله الإغلاق والإخفاء، يقال: استبهمَ الخبرُ: إذا استغلَق، وطريق مُبهَمٌ: إذا كان خفياً لا يستبين، وأبهمتَ الشيءَ إبهاماً: إذا لم تُبيِّنه، ومنه البهيمة، وهي: كل حيوان لا يميِّز، أي لا عقل له، وكل ما لا نُطقَ له فهو بهيمة، لما في صوته من الإبهام، والجمع بهائم، وشاهده من القرآن الكريم قوله تعالى: … أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴿المائدة: 1﴾.
من هذا التعريف ننطلق للحديث عن الفرق أولاً بين الإنسان والبهيمة، ومنه يتضح لنا معنى ما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ مِنَ الْبَهائِمِ”
البهائم وإن كانت تمتلك قدراً من الذكاء، وقد تُظهِرُ سلوكاً معقداً أحيانا، كما نلاحظه في الكثير منها، مثل القرود، والغِربان، لكنها لا تصل إلى مستوى التفكير عند الإنسان، ولذلك نجد أنها لم تطوَّر منذ أن خلقها الله، فلم تزل أنواعها تجري على سيرتها الأولى، سيرة أسلافها، تعيش ضمن حدود بيئتها وغرائزها، وتتكيَّف مع الطبيعة، لكنها لا تغيّرها، وهي تمتلك أنظمة تواصل فيما بينها (كالإشارات أو الأصوات)، لكنها محدودة وموجَّهة نحو احتياجات آنية (كالخطر أو الطعام أو التزاوج)، وتتصرَّف بدافع الغريزة، وتخضع لها، دون أن يكون لها خيارات واعية، أو مخالفة لتلك الدوافع، ولذلك لا تُكلّف ولا تُحاسَب، إذ إن التكليف مشروط بالعقل والتفكير وليس لديها ذلك.
فأما الإنسان فإنه يمتاز بقدرة عقلية عظيمة، تشمل التفكير المجرد، والتأمُّل، والتحليل، والتقعيد، والإبداع، وفهم المشاكل، واستنباط الحلول لها، ويتمتع كذلك بوعي أخلاقي، وقدرة على إدراك الخير والشر، والصحيح والخطأ، والحُسن والقُبح، والقدرة على اتخاذ قرارات بناءً على ذلك الإدراك، ويتحرك في حياته بدافع فطري وعقلي ومعرفي، ولديه القدرة على تغيير البيئة من حوله وتطويرها، وتطوير معارفه وعلومه، وتطوير حياته وأدواته، وتطوير فهمه لقوانين الكون والتواؤم معها، ولذلك نجده تطوَّر تطوراً مذهلاً في مختلف الميادين، كما يمتلك لغة منطوقة ومكتوبة يستطيع من خلالها التعبير عن أفكاره ومشاعره ونقل المعرفة عبر الأجيال.

والإنسان حرٌّ في خياراته وقراراته، فتراه يفعل ما يخالف غرائزه أحياناً، وهو مسؤول عن النتائج التي تترتَّب عليها، ولذلك فهو مكلَّف بالتكاليف الإلهية، فلو حدث أن افتقد العقل سقطت عنه.
انطلاقاً من هذه الميزات الهائلة التي يمتاز بها الإنسان عن الحيوان كان هو الأجدر من بين مخلوقات الله لمقام الخلافة عنه في الأرض، ولحمل الأمانة فيها، كما قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ…﴿الأحزاب: 72﴾.
الإنسان من حيث تكوينه البدني يكاد لا يمتاز عن الحيوان إلا من الشكل، بل هناك من الحيوان ما يشبهه في هذا، ولذلك قد يلجأ إلى استخدام بعض أعضائه في بدنه، فلا ميزة له هاهنا، الميزة الأهم قدرته على التعقل والتفكير، والتمييز بين الخير والشر، والعمل بمقتضى هذا التمييز، فإذا عطَّل هذه القدرة، تردّى من إنسانيته إلى مستوى البهائم أو أدنى من ذلك، لأنه يتخلّى عن ميزته بإرادته، وقد كان في إمكانه أن يحافظ عليها.

والأسوأ منه أن يعرف الخير والشر، ويعرف التمييز بينهما، ويعرف آثارهما، ويعرف ماذا عليه أن يختار منهما، ولكنه على الرغم من ذلك يختار الشرَّ على الخير، إما بفعله، أو بتأييده، أو بالسكوت عنه، فذاك ليس إنساناً، ولا بهيمة، إنما هو شيء، مجرد شيء من الأشياء، ربما يكون حجراً، والحجر أفضل منه بكثير.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل