إن الإيمان بالله يربطه بالقوة القادرة القاهرة التي تعلم ما به، وما يحدث له، وتواكبه في جميع تفاصيل حياته، وتكون معه في جميع أحواله، تهديه، وتعينه، وتيسِّر له المتعسِّر من أموره.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لا إِيْمانَ لَهُ لا أَمَانَ لَهُ”.
هذه معادلة تعكس العلاقة العميقة بين الإيمان ومحله القلب، وبين تجلياته في العلاقات الاجتماعية، فالإيمان كما عرَّفه رسول الله (ص): “ما وَقَرَ في القلوبِ وصَدّقَتْهُ الأعمالُ” فالإيمان من دون تجلياته العملية يبقى مجرد فكرة في القلب لا تتجسّد في الواقع الخارجي، والإيمان الذي لا يصوغ حياة المؤمن على شاكلته، ولا يوجهه في مشاعره وعواطفه وقراراته وخياراته، هذا الإيمان يبقى من دون أثر، وما لا تأثير له في حياة الإنسان فوجوده كعدمه، وبالتالي فإن المعادلة التي بين أيدينا تكشف عن الارتباط الوثيق بين ما يعتقده الإنسان في قلبه وما يترجمه على أرض الواقع من أفعال وسلوكيات وعلاقات.
إن الإيمان أمان، أمان لصاحبه، وأمان للآخرين من ذلك المؤمن: أما كونه أماناً لصاحبه: فلأن الإنسان يظل قلبه منشداً إلى القوة الكبرى، القوة القاهرة، الحكيمة، العادلة التي فُطِرَ على الارتباط بها، القوة التي يلجأ إليها في أزماته ومُلمّاته، فإذا آمن بتلك القوة وهي الله تعالى اطمأن واستقر.
الإيمان قارئي الكريم يحرِّر الإنسان من الخوف الوجودي، لأنه يربطه بالمبدأ، يربطه بخالقه الحكيم الرحيم الكريم، يقول له: إنك مخلوق لله، وإنك بالموت ترجع إليه، تنتقل من حياة دنيا إلى حياة عُليا، ومن عالم ضيِّق إلى عالم رحيب فسيح، ومن عيشٍ ضَنِكٍ إلى عيش رغيد، وبهذا تزول عن قلبه مشاعر القلق، والخوف، إذ يعلم أن لوجوده غاية، وأن لرحلته في الحياة منتهى، والنهاية عند الله الرحمان الرحيم.
والإيمان بالله يربطه بالقوة القادرة القاهرة التي تعلم ما به، وما يحدث له، وتواكبه في جميع تفاصيل حياته، وتكون معه في جميع أحواله، تهديه، وتعينه، وتيسِّر له المتعسِّر من أموره، فلا يشعر بالوحدة، ولا الوحشة، ولا يهتز في المِحن والأزمات، لأنه يعلم أن الله معه، يسمعه، ويراه، ويجيبه إذا سأله وناداه، وهذا ما يمنحه طاقة معنوية هائلة، وراحة نفسية عظيمة، وثقة بالمستقبل الذي هو قادم عليه.
والإيمان بالله في الوقت الذي يحثُّ الإنسان على العمل، وتهيئة الأسباب اللازمة لجلب ما ينفعه، ودفع ما يضرّه، وأنه بإرادته يساهم بشكل فعَّال في رسم قَدَره، ولكنه في الوقت ذاته يؤكِّد له أن ربَّه رحيم حكيم لا يقضي عليه قضاءً إلا كان خيراً له، فيرضى بقضائه، وبهذا يطمئن قلبه، وهذا من أعظم آثار الإيمان.
وأما كونه أماناً للآخرين: فلأن المؤمن يخاف الله، ويتقيه في نفسه وفي الآخرين، لا يظلم نفسه ولا يظلم غيره، ولا يعتدي عليهم، ولا يؤذيهم، فكره شريف، ولسانه طيب، ويده كريمة، وليس في قلبه ضغينة ولا حقد ولا غِلٌّ، لا يمكر، ولا يغدر، ولا يفجر، ولا يخون، ولا يكذب، ولا يغشُّ، ولا يأكل حقوق الناس، ولا يتتبع عيوبهم، ولا يهتك أستارهم، وإنه ليغفر، ويعفو، ويصفح، ويسامح، ويمرُّ على الذي يجهل عليه مرور الكرام، وهو بعد ذلك كله يحب الخير لنفسه ويحبه لسواه، وكما يطلب ما ينفعه يطلب لسواه النفع والخير، فهو كما جاء في الحديث الشريف: “المُؤْمِنُ نَفَّاعٌ” .
فالإيمان بالله، الإيمان المستقر في القلب، الإيمان الذي يصوغ الإنسان ويصنعه على عين الله تعالى، يصنع إنساناً مطمئناً في نفسه، ومُطَمْئِناً لغيره، رحيماً بنفسه، ورحيماً بغيره، هذا الإيمان لا تقتصر آثاره على المؤمن ذاته، بل تمتد لتشمل غيره، وهذا المؤمن يفيض على من حوله أمانًا وراحة، ويجعل من المجتمع واحة أمن وسلام ورحمة.
فإذا عرفنا ذلك قارئي الكريم اتضح لنا ما قاله الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ لا إِيْمانَ لَهُ لا أَمَانَ لَهُ” فإن من لا يمتلك الأيمان الحقيقي، الإيمان القلبي، لا يشعر برقابة الله له في كل صغيرة وكبيرة، ولا يؤمن بالبعث بعد القيامة والحساب والثواب والعقاب، وإذا زاد على ذلك وانعدم ضميره الأخلاقي، فمن المؤكَّد ألا يُؤْمَنَ جانبه، لأنه يصبح ذئباً لا يتورَّع عن التهام أي شيء يمكنه الوصول إليه.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي