إن الشكر يجب أن يقابل الإحسان الفعلي، سواء أحسن إليك بكلمة أو موقف أو خدمة، أو نفعك بعلم أو نصيحة، أو لقيك بابتسامة، ففي هذه الحالة يصبح الشكر واجباً بلا شك.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ شَكَرَ عَلَى غَيْرِ إِحْسَانٍ ذُمَّ عَلَى غَيْرِ إِسَاءَةٍ”.
في جوهرته الكريمة هذه يرسم الإمام أمير المؤمنين (ع) معادلة مهمة ذات بُعدٍ اجتماعي تربوي، تقوم على الربط بين شكر من لا يستحق الشكر، وبين ذَمِّ من لا يجوز ذمه، ويمكننا فهم المعنى بالتالي: إذا شكرتُ من لا يستحق الشكر، لأنه لم يكن منه إحسان أو عمل صالح، أو فضيلة يُحمَدُ ويُشكَر عليها، ذَمَّني الناس من غير أن يكون مني إساءة، والسبب في ذلك: أن استسهال الشكر والمدح دون موجِب يفضي إلى استسهال الذَّم والقَدْح.
إن الشكر يجب أن يقابل الإحسان الفعلي، سواء أحسن إليك بكلمة أو موقف أو خدمة، أو نفعك بعلم أو نصيحة، أو لقيك بابتسامة، ففي هذه الحالة يصبح الشكر واجباً بلا شك، أما إذا لم يكن منه إحسان أبداً فالشكر وكَيْلُ المديح له يمثِّل نحواً من النفاق والتزلُّف الخادع، ورِضاً بحال الطرف الآخر على الرغم من عدم صدور الإحسان منه، وهذا تغرير به، وحَمْلِه على الرِّضا عن نفسه رغم ما بها من نقص، فالشكر هنا زائف، وهو توظيف مظلِّل لهذه الفضيلة الأخلاقية السامية.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يدفع الناس إلى فعل العكس فينطلقون في ذَمِّ من لا يستحق الذم، وهذا يؤدي إلى اختلال في الموازين، والحياة الاجتماعية لا يمكن أن تستقيم إلا إذا قامت على موازين واضحة لا لبس فيها ولا تغيير، فالمُحسِن يُشكَر، والمُسيء يُذَمُّ، ولا يخفى عليك قارئي الكريم الآثار الإيجابية التي تترتب على ذلك، فشكر المحسن يزيد في إحسانه، وذم المسيء يردعه عن إساءته، فإذا تجاوز الناس هذا الميزان وصاروا يشكرون من دون إحسان، دفعهم ذلك إلى الذم والقدح من غير إساءة، مِما يفضي بلا شك إلى هرج ومرج في المجتمع، واختلال في الموازين والعلاقات.
ومِمّا لا شك فيه أن الغاية من المعايير الأخلاقية هي المحافظة على سلامة المجتمع والمحافظة على صدق العلاقة واستقرارها بين أفراده، والشكر الحقيقي الصادق لمن يستحق الشكر يؤدي إلى تعزيز تلكم العلاقات، بينما الشكر الزائف الخادع يؤدي إلى تقطُّعها، وقد يؤدي إلى العداوة والبغضاء.
ولهذا ينبهنا الإمام (ع) في جوهرته الكريمة إلى ضرورة الانتباه الدائم لتعاملنا مع الآخرين، ولمقاصد أفعالنا ومواقفنا، فلا نطلق ألستنا بما يجوز وما لا يجوز، ولا نتبرع بالمدح والثناء لمن لا يستحق، فإذا كان مستحقاً اقتصرنا على الحد المعقول دون الغلو فيه، كي لا نصنع مجتمعاً تقوم علاقاته على التزلُّف والتملُّق، وما يعني ذلك من نفاق ودجل.
نستنتج مِمّا سبق: أن الشكر واجب لمن يستحق الشكر، أما من لا يستحق فالشكر له تَمَلُّق ونفاق، وهذا يؤدي إلى جرأة الناس على ذم من لا يستحق الذم، فالشكر على غير إحسان قبيح، والذَّمَّ من غير إساءة قبيح، وكلاهما لا ينبغي أن يكونا فيمن كَرُمَت عليه نفسه، لأن في ذلك خروج على موازين العقل والفطرة، وفقدان للتوازن العقلي والنفسي، والحكمة تقتضي شكر المستحق للشكر، وذم المستحق للذم، دون إفراط أو تفريط.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي