نُصْرَة الحسين (ع) هي نصرة للحق والإنسانية

نُصْرَة الحسين (ع) هي نصرة للحق والإنسانية

إن نُصْرَة الامام الحسين (ع) هي نصرة للدين، للحق، للإنسان والإنسانية. بهذا يعلمنا حبيب بن مظاهر (رض) ألا نكتفي بأداء تكليفنا وحسب، بل يجب أن نسعى جاهدين لرفد نهضة الحق بما تحتاج إليه من عَدَد وعُدَّة.

“اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ، وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَصْحابِ الْحُسَيْنِ”

“الرَّجُلُ مِنهُم خَیرٌ مِن ألفِ رَجُلٍ”
في اليوم السابع من المحرَّم استكمل عمر بن سعد حشوده، وبات جاهزاً لارتكاب جريمته الكبرى بقتل الحسن (ع) إرضاءً للحزب الأموي، ورغبة بالفوز بولاية الرَّيّ، وهي ولاية لم يفز بها، لأن عبيد الله بن زياد لم يفِ له بما وعده، فخرج بن سعد خاسراً في دنياه وفي آخرته، يجرُّ أذيال الخيبة والندامة، ولات حين مندم.

ولما رأى الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي تلك الجيوش قد استُكمِلَت واحتشدت للقتال أقبل إلى الإمام الحسين (ع) وقال له: هاهنا حيٌّ من بني أسد بالقرب مني، أَوَ تأذن لي أن أسير إليهم أدعوهم إلى نُصرتك، فعسى الله أن يدفع بهم عنك بعض ما تكره؟.
فقال له الحسين (ع): قد أذِنتُ لك يا حبيب.

فخرج حبيب بن مظاهر في جوف الليل مُنْكَراً حتى صار إلى أولئك القوم، فحيَّاهم وحَيَّوه، وعرفوا أنه من بني أسد، فقالوا: ما حاجتك يابن عمٍّ؟
فقال: حاجتي إليكم قد أتيتكم بخير ما أتى به وافدٌ إلى قوم، أتيتكم أدعوكم إلى نُصرة ابن بنت رسول الله (ص)، فإنه في عِصابة من المؤمنين، الرجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه، ولن يُسْلِموه وفيهم عين نظرَت، وهذا عمر بن سعد قد أحاط به في اثنين وعشرين ألفٍ، وأنتم قومي وعشيرتي، وقد جئتكم بهذه النصيحة، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا غداً شَرَفاً في الآخرة، فإني أُقسِم بالله، أنه لا يُقتَل منكم رجل مع ابن بنت رسول الله (ص) صابراً مُحتسِباً، إلا كان رفيق محمدٍ (ص) في أعلى عِلِّيين.
تستوقفنا في هذا النص الأمور التالية:

أولاً: حبيب بن مظاهر لم يكن صحابياً حسينياً من عامة الناس بل كان من الدائرة الأقرب إلى الإمام الحسين (ع)، ومكانته الدينية والاجتماعية، وعبادته وتقواه يشهد لها العدو قبل الصديق، وكان يوم عاشوراء قد تقدم به العمر وطعن في السِّنّ، لكن ذلك لم يمنعه من الالتحاق بركب الحسين (ع)، بل لم يكتفِ بذلك إذ نراه يبحث عن مزيد من الأنصار للقضية التي خرج من أجلها، فنُصْرَة الحسين (ع) هي نصرة للدين، للحق، للإنسان والإنسانية، والحسين (ع) يختصر في شخصه كل ذلك، والنهضة أي نهضة لا تنتصر إلا إذا ناصرها الناس وآمنوا بها وبَذلوا لها، النهضة ولو كانت حقاً مطلقاً لا تنتصر من دون أنصار يناصروها ويتقدموا بها ويُضحّون من أجلها، ومن يعتقد أن كون الإنسان على الحق يعني أنه منتصر من دون توفيره أسباب الانتصار المادية والمعنوية فهو مشتبه حتماً.

وبهذا يعلمنا حبيب (رض) ألا نكتفي بأداء تكليفنا وحسب، بل يجب أن نسعى جاهدين لرفد نهضة الحق بما تحتاج إليه من عَدَد وعُدَّة.

ثانياً: يخبر حبيب بن مظاهر بني عشيرته أن الحسين (ع) قد اجتمعت معه عِصابة من المؤمنين، والعِصابة هي: الطائفة من الناس، وتُطلق غالباً على الجَماعة التي يجمعها هدف أو شأن واحد، سواء في الخير أو الشر، ولا شك أن العِصابة التي اجتمعت مع الحسين (ع) اجتمعت معه على أنبَل الغايات وأسمى الأهداف، وهؤلاء وإن كانوا قِلَّة إذ لم يتجاوزوا عدد الأربعة والسبعين من أولاد وأخوة وأصحاب، غير أن كل واحد منهم خير من ألف رجل، والخيرية هنا ناشئة من أسباب عديدة:

أولها: صفاتهم الذاتية التي انفردوا بها عن سواهم من أهل عصرهم، فقد أجمع المؤرِّخون على مدحهم، بل إن أعدى أعدائهم صرَّح يوم العاشر من المحرَّم بأنهم فرسان المصر، وأهل البصائر، وهاتان الميزتان تكفيانهم نُبلاً وشرفاً.
والثانية: قضيتهم التي خرجوا من أجلها، والمرء يُعرَف بغاياته، كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) “المَرْءُ بِهِمَّتِهِ لا بِقِنْيَتِهِ” أي إن قيمة المرء تنشأ من غاياته وأهدافه، وليس مِمّا يقتنيه من أموال ومتاع.
ثالثاً: يخبر حبيب بن مظاهر قومه عن ثبات وبسالة وشجاعة تلك العِصابة من الرجال التي التحقت بالحسين (ع) حيق يقول: “لن يخذلوه، ولن يُسلِموه، وفيهم عين نظرَت” فهو يتحدث عنهم بيقين العارف الذي خبرهم وعرفهم، وأيقن أنهم ليسوا من الصنف الذي يخذل قائده، أو يتركه وحيداً ويُولِّي هارباً من ساحة الوغى، فما دامت الروح فيهم فهم فداء للحسين، يُرخِصونها دونه، ويذبُّون عنه باعتباره إمام الدين والأمة، وحمايته من أوجب الواجبات.

بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل