كتمان الحق

كتمان الحق

السيد وديع الحيدري

   قال تعالى :

   (وَلَا تَلۡبِسُوا۟ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُوا۟ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)

   من الصفات التي ينبغي للإنسان المؤمن أن يتحلى بها هي الشجاعة في قول الحق ، وعدم كتمانه عند اقتضاء الظرف إلى التصريح به ، وخصوصاً عند احتدام الصراع بين الحق والباطل ، فترى البعض من الناس لا يستطيع قول الحق رغم معرفته به ووقوفه عليه ، خصوصاً في المواقف الحرجة ، فتراه يفضل السكوت إمّا خجلاً أو خوفاً ، وإمّا مداهنة أو تعصباً ، وإمّا ملاحظة للآخرين وحفاظاً على سمعته في محيطه الذي لا يميل إلى الحق ، وهكذا .

   وهذا ما قد يؤدي بالإنسان ، بل حتى بالأمّة التي تحمل هذه الصفة إلى أن يقفوا مع الباطل في الوقت الذي يحتاج فيه الحق إلى الناصر والمعين ، خصوصاً إذا اعتادوا على المداهنة والسكوت ، فالذي يسكت عن تأييد الحق وأهله يبتلى بتأييد الباطل وأهله ، لأن المداهنة والسكوت يُعدان من الخذلان للحق ، و(ذَ ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ) .

   روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :

   (أخسر الناس من قدر على أن يقول الحق ولم يقل) .

   وروي عنه عليه السلام أيضاً أنه قال :

   (من استحيا من قول الحق فهو أحمق) .

   وما جعل أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين جليس داره بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا سكوت الأمّة عن الحق الذي سمعوه مراراً وتكراراً من لسان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في حقه، والتي كانت الزهراء البتول عليها السلام تخرج بابي وأمي وهي في ذلك الحال تطرق ابواب الناس لتذكرهم بحقه وتدعوهم إلى نصرته ، ولكن ما من مجيب .

   فالمسألة إذن بهذه الخطورة وبهذه الأهمية إذا ما ابتلي بها الإنسان ، أو ابتليت بها الأمّة ، وهذا ما نشهده اليوم في بعض المجتمعات بشكل واضح وجلي ، بل حتى في بعض الأوساط الدينية ، ويمكنك أن تلحظها كذلك في بعض مجاميع التواصل الاجتماعي .

   فعلى الإنسان المؤمن أن لا يجامل في هذه المسألة أحداً مهما كان ، وأن لا يستحي من قول الحق وتبيين الحقائق في جميع الظروف كلٌ بحسبه ومن موقعه ، وهو من الجهاد “جهاد التبيين” الذي أكّد عليه سماحة السيد القائد الخامنئي دام ظله مراراً وتكراراً ، وأن لا يجعل من انتماءاته القومية والجغرافية والعشائرية حائلاً يحول بينه وبين قبوله والتصريح به .

   فالحدود الجغرافية والسياسية لا تمنع الإنسان من الاختيار ، ولا تقف أمامه إذا شخّص جبهة الحق من الوقوف معها وإلى جانبها ، (وَذَ ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ) .

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل