بني أمية ذهبوا وانقرضوا وسيحكم الله بينهم يوم الجزاء، لكن المهم أن واقعنا يجب أن يبقى سليما من تبعات الماضي وسلبياته.
لابدّ أن ننظر الى الفترة التاريخية التي حكمت المسلمين بالحكم العضوض بتعبير الحديث النبوي الشريف، لكي نعرف السلبيات والايجابيات في حكم هذه الأسرة وأسرة بني مروان، كي نتجنب السلبيات ونتقي المزلات؛ فمن هم بنو أمية؟
تأسست الدولة الاموية على يد معاوية بن أبي سفيان، وحكمت المسلمين زهاء تسعين عاما (41 – 132هـ)، قاد أبوه (أبو سفيان بن حرب بن أمية) قريشا في حربها ضد النبي، وأمه هند بنت عتبة بقرت بطن حمزة بن عبد المطلب عقب غزوة أحد، وأخذت مضغة من كبده فلاكتها حتى إذا عجزت عن أكلها لفظتها.
وحين دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة يوم الفتح، وقف على باب الكعبة وقال : [لا اله الا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده]. ثم قال: [يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء]؛ فأعتقهم رسول اللّه (ص)، فلذلك سمّى أهل مكة الطلقاء، ومنهم أسرة أبي سفيان.
وهذه الأسرة ظهر لها شأن في زمن الخلفاء الراشدين . فقد تولى يزيد بن أبي سفيان (أخو معاوية) دمشق في عهد الخليفة الثاني عمر، وتولى معاوية بقية البلاد الشامية. وفي عهد الخليفة عثمان ولي معاويةُ الشامَ كلّها، ثم استقل بهذه البلاد بعد مقتل عثمان . ولما بويع عليّ بالمدينة امتنع معاوية من المبايعة له.
يقول ابن أبي الحديد: «وكان معاوية على أسِّ الدهر (قِدمَ الدهر) مبغضا لعليّ(عليه السلام)، شديد الانحراف عنه، وكيف لا يبغضه، وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر، وخاله الوليد بن عتبة .. وقتل من بني عمّه عبد شمس نفرا كثيرا من أعيانهم وأماثلهم..».
ويرى الامام علي أنّ موقف معاوية منه مظهر من مظاهر حِقد قريش على الاسلام ويقول: «كلّ حِقد حَقَدَته قريش على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)أظهرته فيَّ، وستُظهره في وُلدي من بعدي، ماليَ ولقريش ، إنما وَتَرتُهُم بأمر اللّه وأمر رسولِهِ، أفهذا جزاءُ من أطاع اللّهَ ورسولَه إن كانوا مسلمين».
ثم تطورت الاحداث بعد استشهاد أمير المؤمنين علي حتى انتهت الى أن تنتقل الخلافة الى البيت الاموي، فعزّ ذلك على المسلمين.
يقول نيكلسون : «اعتبر المسلمون انتصار بني أمية وعلى رأسهم معاوية انتصارا للارستقراطية الوثنية التي ناصبت الرسول وأصحابَه العداء، والتي جاهدها المسلمون حتى قضى عليها، وصبر معه المسلمون على جهادها وومقاومتها حتى نصرهم اللّه، فقضوا عليها وأقاموا على أنقاضها دعائم الاسلام، ذلك الدين السمح الذي جعل الناس سواسية في السراء والضراء، وأزال سيادة رهط كانوا يحتقرون الفقراء ويستذلون الضعفاء ويبتزون الاموال؛ لذلك لاندهش إذا كره المسلمون بني أمية وغطرستهم وكبرياءهم وإثارتهم الأحقاد القديمة، ونزعهم للروح الجاهلية، ولا سيما أن جمهور المسلمين كانوا يرون بين الامويين رجالا كثيرين لم يعتنقوا الاسلام الا سعيا وراء مصالحهم الشخصية، ولا غرو فقد كان معاوية يرمي الى جعل الخلافة ملكا كسرويا، وليس أدل على ذلك من قوله: “أنا اول الملوك”.
وظل معاوية يحكم من سنة 41هـ حتى موته سنة 60هـ ، وتولى الخلافة بعده ابنه يزيد، وفي عهده حدثت واقعة كربلاء سنة 61هجرية، واستشهد الامام الحسين بن علي وأهل بيته وأصحابه، وسبيت نساء بيت النبوة. كما حدثت واقعة الحرّة، وفيها حوصرت المدينة المنورة ، ثم استباحها الجيش الاموي ثلاثة أيام، فقتلوا الرجال وانتهكوا الاعراض ، واستُشهد فيها زهرة أهل المدينة من الفرسان ومن خيرة صحابة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وفي سنة 64هـ حوصرت مكة بعد أن تحصّن فيها ابن الزبير، ورميت الكعبة المقدسة بالاحجار والنار والنفط فانهدمت واحترق البناء.
بعد موت يزيد سنة 64هـ بويع لمعاوية بن يزيد بالخلافة بالشام، ولعبد الله بن الزبير في الحجاز. لكن معاوية هذا كان قويا في إرادته، فما أعمته مغريات الحكم والسلطان عن رؤية الحق والاعتراف به، فصعد المنبر وقال: «أيها الناس، إن جدّي نازع الامر أهلَه، ومن هو أحقّ به منه لقرابته لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو علي بن أبي طالب. وركب بكم ماتعلمون حتى أتته منيته، فصار في قبره رهينا بذنوبه وأسيراً بخطاياه. ثم قلّدَ أبي الامرَ فكان غير أهل لذلك. وركب هواه وأخلفه الأمل، وقصر عنه الاجل، وصار في قبره رهينا بذنوبه وأسيرا بجرمه». ثم بكى حتى جرت دموعه على خديه وقال:«إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه، وقد قتل عترة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وأباح الحرم وخرّب الكعبة. وما أنا بالمتقلد ولا بالمتحمل تبعاتكم فشأنكم وأمركم…» ثم دخل منزله وتغيب حتى مات في سنته بعد أيام.
بعد موت معاوية الثاني انقسم عرب الشام الى مؤيد لابن الزبير وهم القيسية، ومؤيد للامويين وهم قبيلة كلب واليمانية. واستطاع مروان بن الحكم أن يقود القبائل الموالية للامويين، ويدفعها لقمع القبائل القيسية في واقعة مرج راهط سنة 65هـ فاستتب له الامر في الشام.
ومروان هو ابن الحكم بن العاص بن أمية، فهو من نفس البيت الاموي. وأبوه له مواقف عدائية مشهورة من الدعوة الاسلامية ومن رسول الاسلام، فكان يؤذي الرسول بشتى ألوان الاذى. وفي مرّة اشتد غضب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) عليه وقال: «من عذيري من هذا الوزع»؟ ثم أخرجه من المدينة وقال: «لا يساكنني فيها أبدا».
ولما ولي الخلافة عثمان أعادَ الحَكَم، وكان من ذوي قرباه، الى المدينة وأعطاه مالا كثيرا، واتخذ ابنه مروان وزيرا له ومشيرا، وولاّه معاوية المدينة مرتين.
مات مروان سنة 65 هـ ، فولي الخلافة ابنه عبد الملك بن مروان وفي عهده ثار المختار فقضى على ثورته مصعب بن الزبير. وثار عبد الرحمن بن الاشعث فأخمد ثورته عبد الملك على يد الحجاج بن يوسف الثقفي، كما استخدم عبد الملك الحجّاج لإرهاب كل الموالين لآل بيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخاصة في العراق، فارتكب من المجازر ما تقشعرّ له الابدان.
بعد موت عبد الملك سنة 86هـ تولى الخلافة ابنه الوليد. ثم وليها ابنه سليمان سنة 96هـ. وفي عهدهما ازدادت حركة الفتوحات الاسلامية.
جدير بالذكر أن مصر انضمت لابن الزبير اعتقادا من أهلها أنه يدعو لأهل البيت. وحين انتصر المروانيون تولّى حكومةَ مصر عبد العزيز بن مروان فأخذ يتصرف فيها كسائر ولاة بني أمية الذين «اتخذوا مالَ اللّه دُوَلاً وعبادَهُ خَوَلا» ولكنه واجه بغض المصريين لمروان وبني أمية، فأدخل في سياسته كثيرا من الاصلاح واستتب له الامر عشرين سنة (65 – 86) ، وخلالها ولد ابنه عمر.
قضى عمر بن عبد العزيز فترة من حياته في مصر ثم في المدينة المنورة، ثم في دمشق، وولاه عمه عبد الملك المدينة، وبقي بها سبع سنين. وولاه سليمانُ عهدَه. وأصبح بعد موت سليمان سنة 99 خليفة للمسلمين.
اشتهر عمر بن العزيز بالصلاح والتقوى، وعرف من مجالسته العلماءَ والفقهاءَ في المدينة المنورة مكانةَ آل بيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، لذلك الغى السنّة الاموية التي بدأت منذ عهد معاوية بسبّ أمير المؤمنين علي على المنابر، وجعل مكانها قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان، وايتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون). وأعاد فدك الى آل البيت، وأمر بكتابة الحديث النبوي الشريف بعد أن كان ذلك محظورا منذ عصر الخلفاء الراشدين. ورفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة. واهتمّ بنشر الدعوة الاسلامية بالحجّة، فأرسل الدعاة الى بلاد ماوراء النهر وشمال أفريقيا، فدخل الناس في دين اللّه أفواجا. ودخل حتى مع الخوارج في مناقشة فكريّة. لكن خلافته لم تزد على سنتين وخمسة أشهر فمات أو قتل سنة 101هـ . ويذكر المسعودي أن قبور الخلفاء الامويين نبشت بعد قيام الدولة العباسية الا قبر عمر بن عبد العزيز. فقد ظل معظّما يغشاه الناس.
بعد موت عمر بن العزيز ولي الخلافة يزيد بن عبد الملك حتى سنة 105هـ ، وكان من أشهر الخلفاء الامويين انغماسا في المفاسد والموبقات. ثم تولى هشام بن عبد الملك واشتهر بالانتقام من العلويين والتنكيل بهم وبزيادة الضرائب على الموالي. وفي عهده ثار زيد بن علي بن الحسين وثار الحارث بن سريج. وظل على سرير الخلافة حتى سنة 125هـ وبعدها ولي الوليد بن يزيد بن عبد الملك، واشتهر بالفسق والفجور والزندقة، وقتل سنة 126هـ. ثم ولي يزيد بن الوليد وبعده أخوه إبراهيم بن الوليد ولم تطل مدة حكمهما أكثر من سبعة أشهر.
وكان آخر الخلفاء الامويين مروان بن محمد بن مروان بن الحكمن بويع بدمشق سنة 127هـ ، وكان يُلقب بالحمار، وبقى حتى سنة 132هـ إذ سقطت الدولة الاموية.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية