نقلاً عن مراسل جماران، فإنّ السنوات الأخيرة شهدت إحياء سنّة مسيرة الأربعين، حيث يتوجّه عشّاق زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام من شتّى بقاع الأرض إلى كربلاء. وقبل عقود من الزمن، كانت هذه السنّة قائمة في العراق، وكان الشهيد الحاج السيد مصطفى الخميني من الذين كانوا يسيرون على أقدامهم إلى كربلاء مُصرّين على ذلك بكل عزيمة وإصرار.
وجاء في مذكّرات المرحوم حجّة الإسلام والمسلمين السيّد علي أكبر محتشميبور:
كان آية الله الحاج السيد مصطفى الخميني من العلماء والأساتذة في النجف، وكان دائم المشاركة في مراسم المسير على الأقدام، حريصاً على أن يذهب ماشياً من النجف إلى كربلاء في جميع مناسبات الزيارات الخاصّة للإمام الحسين عليه السلام (أوّل ونصف رجب، نصف شعبان، يوم عرفة، وخاصة الأربعين). وكان في بعض الأحيان تتقرّح قدماه وتتجرّح من كثرة المشي، لكنه كان يواصل الطريق بكل شوق وحماسة، ولا يقبل رجاء أصدقائه في ركوب وسيلة نقل ولو لجزء من الطريق. وعندما كان يقترب من كربلاء، وتقع عيناه على قبّة ومنائر الحرم الشريف ورايته الحمراء، كانت دموعه تنهمر بلا إرادة، ويردّد مصائب أهل البيت عليهم السلام، ويضرب صدره ورأسه في عزاء ونياحة.
وفي هذه الرحلة، لم يكن يُبالي بكونه نجل المرجع الكبير الإمام الخميني (قده)، بل كان يتصرّف كطالب علم بسيط، يخدم رفاق السفر ولا يبخل عليهم بالمساعدة، ويستغل أوقات الاستراحة في المباحثات العلمية.
يقول محتشمي بور: في أوقات الصباح والظهر والمساء، كانت الصلاة تُقام بإمامة آية الله الحاج آقا مصطفى الخميني (ره)، وفي الليل بعد صلاة المغرب والعشاء كان يُقرأ دعاء التوسل وزيارة عاشوراء، وإذا صادف ليلة الجمعة في الطريق كان الأصدقاء يقرؤون دعاء كميل ويُقيمون مجلس مصيبة. وكان من خصائص المرحوم الحاج السيد مصطفى أنّه كان يقوم كل ليلة قبل أذان الفجر ليؤدّي صلاة الليل. وكان ذا طبع لطيف ورفيق سفر محبوب، يسعى دوماً لئلّا يُرهق أحداً، ويحرص على أن لا يتخلّف أو يتأخّر أحد من القافلة. وفي الجلسات المسائية التي كان يجتمع فيها الأصدقاء، كانت تدور أحاديث متنوعة، بينما كان الحاج آقا مصطفى لا يغفل عن الذكر والدعاء.
وفي فصل الصيف، وبسبب شدّة الحرّ، كنّا نبدأ المسير بعد أذان الفجر ونواصل حتى ساعتين أو ثلاث بعد شروق الشمس، ثم نتوقّف لتناول الإفطار والغداء في مكان واحد، وبعد أن يخفّ الحرّ في العصر، نعاود المسير.
محمد حسن رحيميان، حديث الرويش، ص 149
مذكّرات السيّد علي أكبر محتشمي، ص 123