خطوات لبناء الحضارة

خطوات لبناء الحضارة

افتتاحية العدد (506) من أسبوعية “خط حزب الله” تجيب عن هذا السؤال: لماذا وكيف لمسيرة الأربعين العالمية القدرة على صناعة الحضارة؟

خطوات لبناء الحضارة

   لكي نتعامل مع الظواهر بشكل صحيح، علينا أولاً أن نفهم حقيقتها. وظاهرة الأربعين الحسيني، كما يصفها الإمام الخامنئي: «واحدة من أبرز الأحداث التي أنعم الله بها علينا وخلقها لنا».

   فما هي ماهية هذه النعمة الإلهية؟ ما الذي منّ الله به على الأمة الإسلامية؟

   الإمام الخامنئي يصف هذا الحدث بأنه «معجزة»: «حادثة الأربعين… ظاهرة إعجازية بكل ما للكلمة من معنى». ويشبّهها الله بعصا النبي موسى (عليه السلام): أداة إعجازية منحها للأمة الإسلامية، لذلك «علينا أن نُقدّر هذه النعمة، فهي نعمة عظيمة».

الهدف من المعجزة: بناء الحضارة

   ماذا على الأمة الإسلامية أن تفعل بهذه المعجزة؟ الجواب واضح: الهدف ذاته الذي سعى إليه الأنبياء والأولياء، وهو بناء الحضارة.

   المشي الجماعي والمشاركة الشعبية الواسعة في مراسم الأربعين هي أعظم فرصة أمام الأمة الإسلامية لتحقيق هذه الحضارة. وتقدير هذه النعمة يتحقق من خلال استخدام الطاقات الحضارية لمسيرة الأربعين:

   «إذا استُخدمت هذه الطاقات، ستبلغ الأمة الإسلامية ذروة العزة».

الأربعين وهدفه الحضاري منذ البداية

   الأربعين لم يُخلق كحدث عابر، بل تم تأسيسه ليكون ظاهرة عالمية منذ البداية. «الأربعين في واقعة كربلاء كان بداية».

   وكان أول هدف هو توحيد المؤمنين وجمعهم في مؤتمر عالمي.

   في تلك المرحلة، كان الشيعة جماعة متفرقة، وكانوا بحاجة إلى مؤتمر عالمي يجمعهم.

   تم تحديد الزمان والمكان لذلك: «الموعد هو يوم الأربعين، والمكان هو كربلاء».

الأئمة ونهج بناء الدولة الإسلامية

   الأربعين كان من أهم أدوات الأئمة (عليهم السلام) في نضالهم الحضاري:

   «هدفهم الأساسي كان بناء المجتمع الإسلامي، والذي لا يتحقق دون إقامة الحكم الإسلامي».

   لذا، «ما إن يتحمّل الإمام مسؤولية الإمامة حتى يبدأ كفاحاً سياسياً لبناء الدولة».

  دور السيدة زينب (ع) في تأسيس ظاهرة الأربعين

   ما قامت به السيدة زينب (سلام الله عليها) هو تحويل الأربعين إلى سلاح قوي في مواجهة الأعداء وبناء النظام الإسلامي.

   في أجواء القمع آنذاك، لم يكن لدى الناس الجرأة للتعبير عن الحقائق التي فهموها، فبقيت هذه الحقائق ككبت في صدور المؤمنين.

   «وفي يوم الأربعين، جُرح هذا الكبت أول مرة، ووقع أول فوران في كربلاء».

نظرة حضارية للأربعين ضرورة حتمية

   اليوم، وقد أصبحت ظاهرة الأربعين عالمية بل وستزداد عالمية، فإن الفرصة متاحة أكثر من أي وقت مضى لاستثمارها في البناء الحضاري.

   «اليوم، يجب أن يكون هدف كل مسلم هو بناء الحضارة الإسلامية الحديثة… بناء الحضارة الإسلامية العظيمة هو هدفنا النهائي».

لكن كيف تُبنى الحضارات؟

تحتاج إلى مدرسة فكرية، إلى عقيدة.

   «لا يمكن إنشاء حضارة بدون فكر، بدون أيديولوجيا؛ والإيمان بها ضروري».

   والأربعين هو أحد أركان هذه المدرسة. الحضارة الإسلامية المرجوة ستكون مليئة بالعلم، بالتقدم، بالصناعة، بإدارة إسلامية:

   «هذه الحضارة ستكون علمية، صناعية، متقدمة، ومدرسة الفكر الإسلامية ستقود كل هذه الأمور».

العداء الغربي لأركان الحضارة الإسلامية

   سلوك الكيان الصهيوني في حربه الأخيرة أظهر بوضوح أن جبهة الاستكبار تعادي هذه المكونات الحضارية.
«ما يعاديه الاستكبار العالمي، وعلى رأسه أمريكا، هو دينكم، هو علمكم، هو إيمان الناس العميق».

   وبما أن الأربعين يُعزّز هذه العناصر الحضارية، فهو بطبيعة الحال هدفٌ لعداوة المستكبرين.

   ولكن «الأعداء حاولوا سدّ هذا الطريق في الماضي، ومع ذلك، انظروا إلى هذه الحركة العظيمة التي تحققت!».

   بالتالي، يجب أن تتحول نظرتنا إلى الأربعين من مجرّد مسيرة دينية إلى ظاهرة حضارية قادرة على إسقاط فرعون العصر.

أبعاد حضارية لمسيرة الأربعين: ثلاث مهام أساسية للأمة الإسلامية

أولاً: تحويل الأربعين إلى وسيلة إعلامية كاشفة

   أول ما فعلته السيدة زينب (عليها السلام) هو تحويل الأربعين إلى وسيلة إعلامية قوية لإيصال رسالة عاشوراء:
«الصرخة الإعلامية الحقيقية كانت صرخة زينب الكبرى، وصرخة الإمام السجاد، وسط ظلمات مطبقة… هذه كانت أعظم وسيلة إعلامية، وقد حافظت على عاشوراء حتى يومنا هذا».

فلسفة زيارة الأربعين هي «الصرخة» و «البيان».

   اليوم نحن بحاجة إلى أن نُعرّف العالم بالإمام الحسين (عليه السلام)، أي أن نُعرّف منطقه:

   «منطق الحسين (عليه السلام) هو الدفاع عن الحق، ومواجهة الظلم والاستكبار…

   حركة الأربعين توصل هذا الصوت إلى العالم» .

   في عالم يهيمن عليه الإعلام المعادي، فإن الأربعين هو صرخة إعلامية فريدة ومؤثرة:

   «اليوم، مئات الوسائل الإعلامية تروّج ضد الإسلام؛ حركة الأربعين الحسينية قادرة على الوقوف بمفردها، ومواجهة هذه الهجمة، وتعريف الإسلام والقرآن للعالم» .

ثانياً: تعزيز الوحدة بين الأمة الإسلامية

من وظائف الأربعين الكبرى تعزيز الأخوّة والوحدة بين المسلمين:

«فلنعمل في هذه المسيرة على تقوية الروابط بين الإخوة المسلمين» . في زمن يعمل فيه أعداء الإسلام على تمزيق الأمة، فإن مسيرة الأربعين تُظهر أن إرادة الله هي نُصرة هذه الأمة .

   إذا توحّدت طاقات الشعوب الإسلامية، ستُظهر الأمة عزة الإسلام وتقدّم نموذجًا حضاريًا:

   «علينا أن نجعل من الأربعين وسيلة فعالة لتحقيق هذا الهدف» .

ثالثاً: حفظ وتعزيز الروحانية

   أحد أهم مظاهر الحضارة الإسلامية هو الروحانية الدينية، وهي عائق أمام تمدّن الغرب المادي.

   في مسيرة الأربعين، «يتجه الجميع نحو منبع الحرية والروحانية، ويُظهرون ذلك للعالم المادي» .

   فالأربعين يعزّز جانب الروحانية لأنه ظاهرة روحانية بحدّ ذاته:

   «علينا أن نجعل مراسم الأربعين أكثر عمقاً ومعنوية، وأن نزيد من معناها ومحتواها كل عام» .

   وهذا الشوق الروحي العظيم هو ما يضمن استمرار هذه المسيرة:

   «يجب الحفاظ عليه؛ فهو ضمان لبقاء الأمة» .

ترجمة مركز الإسلام الأصيل

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل