ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريرًا يتطرّق إلى مشروع إسرائيل الرامي إلى تحقيق حلم «إسرائيل الكُبرى» على أنقاض الأراضي العربيّة، ويُحلّل جوهر الكيان وكونه كيانًا قائمًا على الاحتلال ولا يشبع في أرض فلسطين.
«لم تنتهِ حرب عام 1948 بعد. هذه الحرب ليست سوى جولة واحدة من سلسلة حروب يجب أن تكون “إسرائيل” على أتم الاستعداد لخوضها لتوسيع حدودها في جميع الاتجاهات.» هذا ما ورد في جزء من وثائق هيئة الأركان العامة للجيش الصهيوني، مما يدل على أن «التوسع الإقليمي» لتحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» ليس مجرد سياسة عابرة، بل هو استراتيجية أساسية للكيان الصهيوني، استراتيجية ظلت على جدول الأعمال منذ تأسيس هذا الكيان المحتل.[1]
وجود قائم على الاحتلال
لقد أقام الكيان الصهيوني وجوده على أساس الاحتلال. فقد مهد هذا الكيان الطريق لاحتلال الأراضي الفلسطينية عبر شعاره الكاذب «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». وفي هذا السياق، يكتب إحسان الفقيه، المحلل المتخصص في شؤون العالم العربي، في مقال بصحيفة «القدس العربي: «اكذب، واكذب مجددًا، واكذب حتى يصدق الناس ذلك؛ هذا هو جوهر الدعاية للمشروع الصهيوني؛ مشروعٌ أُسس على مجموعة من الأكاذيب وسعى بكل الوسائل لتحويل هذه الأكاذيب إلى حقائق لا يمكن دحضها. إن وصف أرض فلسطين بأنها بلا شعب كان محاولة سافرة لمصادرة الأراضي الفلسطينية ونهب التاريخ والهوية الفلسطينية. وبالطبع، لم يسعوا بهذا الشعار فقط لإنكار تاريخ وحضارة الشعب الفلسطيني، بل كشفوا أيضًا عن طبيعتهم المعادية للعرب وحاولوا تقديم أنفسهم كعرق متفوق على العرب»[2].
«إسرائيل الكبرى»؛ الهدف الجوهري للكيان الصهيوني
لقد ظل الكيان الصهيوني يراود حلم تحقيق «إسرائيل الكبرى» لسنوات عديدة. ومن الواضح أن هذا الحلم لن يتحقق إلا من خلال احتلال المزيد من الأراضي العربية، وهو ما أقر به بعض المسؤولين الصهاينة أحيانًا. وفي أحدث تصريح، اعترف رئيس وزراء الكيان الصهيوني، «بنيامين نتنياهو»، بسعي تل أبيب لتحقيق «إسرائيل الكبرى»، حيث قال: «أنا أقوم بمهمة تاريخية وروحية، وأنا مرتبط عاطفيًا برؤية إسرائيل الكبرى»[3]. لا يمكن اعتبار هذه التصريحات مجرد مواقف شخصية لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، فقد صدرت تصريحات مماثلة عن مسؤولين صهاينة آخرين في السابق. على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى تصريح «بتسلئيل يوئيل سموتريتش»، وزير المالية في الكيان الصهيوني، الذي قال في تصريح مثير للجدل: «أقولها بصراحة ووضوح؛ نحن نريد دولة يهودية تمتد حدودها من الأردن والسعودية ومصر إلى العراق وسوريا ولبنان. يجب أن تكون أرض إسرائيل الكبرى ذات امتداد واسع»[4].
وفي عام 2016، أكد في تصريحات تدل على أطماع الكيان الصهيوني في الأراضي العربية: «يجب أن تمتد حدود القدس إلى دمشق، عاصمة سوريا. يجب أن تسيطر “إسرائيل” على الأردن»[5]. وبناءً عليه، فإن تشكيل «إسرائيل الكبرى» يعد من الأهداف الجوهرية للكيان الصهيوني في عقيدته للسياسة الخارجية.
بناء «إسرائيل الكبرى» على أنقاض الأراضي العربية
إن الحديث عن تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى» على أنقاض الأراضي العربية ليس أمرًا يتعلق باليوم أو الأمس، بل يعود إلى عشرات السنين. على مر السنين، تحدثت شخصيات عديدة من الكيان الصهيوني عن هذا الموضوع، ومن أهمهم «ثيودور هرتزل»، مؤسس الكيان الصهيوني، الذي استخدم تعبير «سيادة “إسرائيل” من النيل إلى الفرات»[6]. بالإضافة إلى ذلك، وصف «زئيف جابوتنسكي»، الأب الروحي لليمينيين في الكيان الصهيوني، العرب بأنهم أعداء للكيان في عام 1923، وقال: «لإجبارهم على التعاون مع تل أبيب، نحتاج إلى سحقهم تحت أقدامنا». وبما أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني، «بنيامين نتنياهو»، قد ذكر مرارًا وتكرارًا في مناسبات مختلفة أن «جابوتنسكي» هو شخصيته الملهمة، فليس من الصعب تخمين رؤيته للعالم العربي[7]. والسؤال المطروح الآن هو: أي مسار سار عليه الصهاينة لتحقيق هدفهم المتمثل في تشكيل «إسرائيل الكبرى» وماذا يفعلون الآن؟
احتلال لا يشبع في أرض فلسطين
لقد مر الآن ما يقرب من 80 عامًا، أي ما يقارب القرن، على احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية. لقد نجح الصهاينة، الذين طردوا أكثر من 700 ألف فلسطيني من منازلهم وقراهم ودمروا ما يقرب من 500 قرية في عام 1948، في الاستيلاء على أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية.
لم تكن تلك هي النهاية، فقد أظهر الصهاينة بعد ذلك أن أطماعهم في الأراضي الفلسطينية لا تعرف حدًا، ففي عام 1967 (بعد حرب الأيام الستة)، احتلوا أجزاء أكبر من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة «الذي انسحبوا منه في عام 2005». هذه المرة، طردوا 460 ألف فلسطيني من منازلهم وقراهم [8]. وقد أدت سياسة التوسع للكيان الصهيوني إلى احتلال 85% من إجمالي مساحة فلسطين على مر هذه السنوات[9].
الآن، بعد حوالي 80 عامًا من احتلال أرض فلسطين، حيث لم يتبقَّ للفلسطينيين عمليًا سوى أجزاء صغيرة جدًا من الضفة الغربية، لا يزال الجشع الذي لا يشبع لدى الصهاينة للاستيلاء على المزيد من الأراضي لتنفيذ سياستهم التوسعية واضحًا تمامًا. وفي هذا الصدد، اعترف الكيان الصهيوني رسميًا بأنه في عام 2024، نفذ أكبر مشروع توسع للسيطرة على الضفة الغربية منذ 30 عامًا، وتمكن خلال هذا العام من مصادرة مساحة تزيد عن 10,640 دونمًا [10].
توسع الاحتلال في الأراضي العربية؛ من الجولان إلى سيناء
نظرًا لاستراتيجية الكيان الصهيوني القائمة على «توسيع الحدود في جميع الاتجاهات»، كان من المتوقع ألا يقتصر احتلال هذا الكيان على الأراضي الفلسطينية فحسب، وأن تؤثر سياسة «التوسع الإقليمي» لتل أبيب على الأراضي العربية الأخرى أيضًا. وهذا ما حدث بالفعل، حيث وسّع الكيان الصهيوني حدوده المحتلة من عدة جهات بعد حرب الأيام الستة عام 1967. تمكن الصهاينة هذه المرة من ضم «شبه جزيرة سيناء» المصرية ومرتفعات «الجولان» السورية إلى أراضيهم المحتلة[11].
لم يهدأ الصهاينة مرة أخرى، ففي عام 1982، شنوا غزوًا واسع النطاق على الأراضي اللبنانية، وتوغلوا حتى بيروت. وعلى الرغم من أنهم انسحبوا تدريجيًا من بيروت وبعض المناطق اللبنانية المحتلة الأخرى، إلا أنهم واصلوا وجودهم الاحتلالي في مناطق من جنوب البلاد[12]، حتى أجبرت المقاومة الإسلامية في لبنان عام 2000 الغزاة والمحتلين على مغادرة الأراضي المحتلة في الجنوب دون قيد أو شرط[13]. ومع ذلك، لا يزال الصهاينة، الذين يراودهم حلم إقامة إمبراطورية، يحتلون نقاطًا في جنوب لبنان مثل «مزارع شبعا» و«تلال كفرشوبا»[14].
محاولات لابتلاع سوريا
يبدو أن الكيان الصهيوني لا يرى أي حدود لتوسيع نطاق احتلاله والمضي قدمًا في «التوسع الإقليمي». ويتجلى هذا النهج بوضوح في الإجراءات التي اتخذها الكيان الصهيوني خلال الأشهر الستة الماضية، بعد سقوط «نظام الأسد» في سوريا. وفي إطار عدوانهم المستمر على الأراضي السورية، احتل الصهاينة منطقة «جبل الشيخ» الاستراتيجية، والمنطقة العازلة المؤدية إلى مرتفعات «الجولان»، وأجزاء واسعة من محافظة «القنيطرة»[15].
ويوضح «جيمس دورسي»، وهو باحث في كلية «إس. راجاراتنام» للدراسات الدولية بجامعة «نانيانغ» في سنغافورة، بشأن سياسة الاحتلال للكيان الصهيوني واستراتيجيته العدوانية في «التوسع الإقليمي» بالقول: «هذه الإجراءات تحمل رسائل خطيرة. إن محاولة السيطرة على المزيد من الأراضي السورية، وخاصة الأراضي المجاورة للجولان المحتل، بالإضافة إلى توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، تدل على أن تل أبيب تتبع سياسة توسيع حدود الدولة اليهودية»[16]. حتى صحيفة «هآرتس» الصهيونية، نشرت مقالاً يتساءل: «هل تسعى إسرائيل لإقامة إمبراطورية في المنطقة؟» وكتبت: «في ظل محاولات احتلال غزة وجنوب لبنان، وكذلك تحركات “إسرائيل” في مرتفعات الجولان، من الصعب جدًا ألا نتحدث عن نية تل أبيب لإقامة إمبراطورية في المنطقة»[17].
إن التطورات الحالية في المنطقة، بما في ذلك ارتكاب الصهاينة لأشد الجرائم في مختلف البلدان مثل فلسطين، وسوريا، ولبنان، وغيرها…، بالإضافة إلى الاعتراف الرسمي والعلني لكبار المسؤولين في تل أبيب بسعيهم لتحقيق «إسرائيل الكبرى»، تأتي في الوقت الذي حذر فيه قائد الثورة الإسلامية منذ أكثر من 30 عامًا من هذه الروح العدوانية والإجرامية للكيان الصهيوني، حيث قال: «الصهاينة لم يتخلوا عن أهدافهم. إن هدفهم من النيل إلى الفرات الذي تحدثوا عنه، لم يتراجعوا عنه. لا يزالون ينوون الاستيلاء على المنطقة من النيل إلى الفرات! لكن استراتيجيتهم هي أن يثبتوا موطئ أقدامهم أولاً بالاحتيال والخداع، وبعد أن يصبح موطئ الأقدام راسخًا، يتقدمون قدر الإمكان بالضغط والاعتداء والقتل واستخدام القوة والعنف»[18].
والآن، وقد سقطت أستار التخفي وانكشف القناع عن وجوه من ادعوا السلام والحرية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، حامل لواء الحرب والاحتلال والاستعمار، يحقق الأمن أو يُقوّضه؟