النهي عن التبعية الثقافية

النهي عن التبعية الثقافية

نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن استخدام لفظة كان يستعملها اليهود كثيراً وأمرهم باستبدال لفظةٍ مرادفة بها. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[1] والسبب في ذلك أنّ اليهود كانوا يستخدمونها عند حديثهم مع رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبهذا الاستخدام كانوا يظهرون الأدب في حديثهم إلّا أنّهم يقصدون السبَّ والشتم كما هو ظاهر قوله تعالى: ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[2] فإذا أراد المسلمون مخاطبة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانوا يخاطبونه بنفس العبارة تقليداً لليهود فنزل قوله تعالى ناهياً إيّاهم عن ذلك وأرشدهم إلى كلمة تحمل نفس المعنى وهي انظرنا. وهنا نقول ما بالكم إذا نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن استخدامهم لفظة كانت شائعة على ألسنة اليهود؟ فهل يرضى لهذا المجتمع الجديد أن يكون تابعاً ومقلّداً في ثقافته وفكره وغير ذلك؟

مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ القرآن هو في مقام بناءً هذا المجتمع بناءاً له استقلاليّته التامّة في جميع أبعاده.

الاخضاع الثقافيّ أخطر سلاح
بالمقارنة بين الحرب العسكريّة (الصلبة) والحرب الثقافيّة (الناعمة) فإنّ الحرب الثانية أخطر على كيان المسلمين من الحرب الأولى، والسبب في ذلك هو أنّ الحرب العسكريّة تشنّ لإخضاع مجتمع ما لصالح القوّة المهاجمة للسيطرة على ممتلكاتها وثروتها ومقدّراتها. وقد تتمكّن من السيطرة والاستيلاء على ذلك، إلّا أنّها لن تستطيع إخضاع هذا المجتمع داخليًّا وعلى المستوى النفسيّ لإرادتها. ولطالما هناك رفض نفسيّ للقوّة الغازية فهذا يعني أنّ جذوة المقاومة متّقدة وهي قابلة للاشتعال في أيّ لحظة من اللحظات لتتحوّل إلى قوّة تتمكّن من تحرير ذاتها ومن إعادة السيطرة لنفسها على مقدّراتها.

بخلاف الحرب الثقافيّة والغزو الثقافيّ فإنّها تبدأ بعمليّة السيطرة ويتمّ الوصول إلى أهدافها من خلال الاخضاع النفسيّ والداخليّ للغازي، وبذلك يسيطر على الإرادة ومن ثَمَّ يتمكّن من السيطرة على المقدّرات مع كامل التسليم والرضا القلبي والباطني للمستعمر وهذا لا يسهّل له الاستئثار بالأمور الماديّة فحسب بل يفتح له الطريق لتغيير هويّة وتاريخ الفئة المستهدفة ويجعلها تابعة لإرادته طوعاً، وهنا تكمن الخطورة في الغزو الثقافيّ، يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره) في بداية انتصار الثورة المباركة في إيران:[3] “إنّ الثقافة التي رسم خطوطها الأجانب وأملوها على شعبنا لهي أخطر من سلاح الجبابرة؛ لأنّها تقدّم إلى الأمّة شباباً يملكون قابليّة الاستعمار”.

ما هي القيمة الثقافيّة للمجتمع؟
إنّ الحديث عن ثقافة أي مجتمع هو الحديث عن هويّته بمعناها العامّ الشامل لمعتقداته وفكره وسلوكه، يقول الإمام الخميني (قدس سره): “إنّ ثقافة أي مجتمع إنّما تشكّل هويّة ووجود المجتمع وإنّ الإنحراف الثقافيّ يؤدّي إلى خواء ذلك المجتمع وشعوره بالفراغ، رغم أنّه قد يكون قويّاً ومقتدراً في المجال الإقتصاديّ والسياسيّ والصناعيّ والعسكريّ”[4].

وأمّا العامل الذي يشكّل الضمانة المطلقة لثقافة المجتمع من التزوير أو التحريف فهو العلماء الربانيّون الذين تعمّقوا في فهم الإسلام الحنيف، والذين يملكون قوّة التأثير في المسلمين، وهذان رصيدان يصنعان من العلماء قوّة ناعمة وبأيديهم أقوى سلاح لتحصين المجتمع من أن يُخرق من قبل الغزاة والمستعمرين الثقافيّين. يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): كان هدفهم هو القضاء على الإسلام، وكان الطريق للقضاء على الإسلام هو القضاء على العلماء، فهم كانوا يعلمون أنّه ما دام العلماء موجودين فإنّهم يحفظون الإسلام[5].

* من كتاب: زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني ١٤٣٨ هـ – جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 104.
[2] القرآن الكريم،سورة النساء، الآية 46.
[3] الكلمات القصار، ص 233.
[4] الكلمات القصار، ص 233.
[5] الكلمات القصار، ص 233.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل