السيد وديع الحيدري
يتصور الكثير من الناس بأن الطريق الذي يمكن من خلاله الوصول إلى تشخيص الإمام المهدي أرواحنا فداه في عصر الظهور وبالتالي التوفيق لنصرته ينحصر في متابعة علامات ظهوره عليه السلام .
إن لعلامات الظهور أهمية خاصة وهدف خاص وُضعت لأجله ، لكنها لا تتعداه ، فهي ليست بالوسيلة التي توصل بالإنسان إلى نصرة الإمام عليه السلام ، ولا من خلال معرفتها يمكن تحصيل البصيرة ، أو معرفة التكليف وتشخيص المطلوب ، أو العبور من الامتحان الخطير الذي ستبتلى به الامة بسلام .
أمّا الدليل على ذلك فيمكن الوقوف عليه من خلال الرجوع إلى موقف أهل الكتاب من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، فقد ورد في كتب التاريخ أنّ أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين سكنوا أطراف المدينة المنورة ، إنما جاؤوها وانتقلوا إليها من أرض الشام انتظاراً للنبي الموعود الذي نبأت به كتبهم ، ولما كان لديهم من العلامات التي تشير إلى خروجه من هذه المنطقة .
لكن الذي حدث عند إظهار دعوته صلى الله عليه وآله وانطباق ما جاء في كتبهم وأقوال متنبئيهم من العلامات عليه ، أنهم لم يستطيعوا تصديقه ولا الإيمان به ، بل نابذوه وخاصموه وحاربوه ونصبوا له العداء حتى آخر أيام حياته الشريفة .
فهكذا كان موقفهم منه صلى الله عليه وآله بعد التشخيص والمعرفة منهم بحقّ المعرفة بأنه هو النبي الموعود الذي كانوا ينتظرونه ، وقد ورد في القرآن الكريم بخصوص هذه المعرفة ما جاء في قوله تعالى :
ـ (فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ)
ـ (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
ـ (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)
أي أنهم عرفوا النبي صلى الله عليه وآله كما يعرفون أبناءهم وبهذا الوضوح ، ولكن لم يكن ذلك لينفعهم شيئاً ، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أنّ هذا الطريق ــ طريق معرفة العلامات ــ لا بل حتى معرفة شخص النبي أو الإمام لا يوصل إلى الهدف المطلوب والمتمثل بالإيمان به والتوفيق لنصرته واتّباعه .
والذي حصل مع سيد الشهداء عليه السلام خير شاهد على ذلك ، فقد خذلته الأمّة وقاتلته رغم معرفتهم به حق المعرفة
وإن الذي خذل مسلم بن عقيل بعد المعرفة والبيعة لم يوفق لنصرة الإمام الحسين عليه السلام ، بل كان ذلك الخذلان سبباً لتسافله إلى درجة جعلته يخرج بعده لقتال الإمام الحسين عليه السلام .
فالذي يريد الوصول إلى الحق عليه أن يبحث عن الذي يمثله في زمانه أولاً ، قبل أن يبحث عن علامات الذي يأتي من بعده ، لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يترك الأرض خالية من وجود الحجة طرفة عين ، نبياً كان هذا الحجة أم وصي نبي ، أو من ينوب عنهما في حال الغيبة وعدم الحضور ، وقد جعل النجاة في طاعته واتّباعه ، وفي أخذ التكليف الشرعي تجاه الأحداث منه لا من العلامات .
﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار﴾