“الولاية المطلقة للفقيه”

"الولاية المطلقة للفقيه"

السيد وديع الحيدري

   إنّ الولاية بالوجه المطلق مختصّة بالله تبارك وتعالى فقط ، وليس لأحد مثل هذا الإطلاق أصلاً ، وهذا لايعني اشتماله علی ما هو محال التحقق ، أو محال الصدور عنه تعالی .

   أمّا بالنسبة إلى الإطلاق الذي نُسب إلى ولاية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام في مجال التشريع ، فهو إطلاق لا يخرج عن إطار الشريعة الإلهية ، فليس المقصود منه ذلك الإطلاق اللامحدود ، فهذا ما لا يدّعيه أحد للأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، فكيف يمكن تصوره بالنسبة إلى الفقهاء ؟

   وکذلك الحال بالنسبة إلی الإطلاق المذکور في ولاية الفقيه ، فإنّه لا يعني ذاك الإطلاق المتوهم الخالي من القيد أو الحد ، فالمقصود من الولاية المطلقة للفقيه في نظر القائلين بها ، هي إطلاق يد الفقيه وبسطها فيما يتعلق بإدارة المجتمع الإسلامي بجميع شؤونه ، وضمن حدود الشريعة الإسلامية ولا شأن له باختيارات المعصومين التي تختصّ بمقام نبوتهم وإمامتهم وعصمتهم ، فإنّها خارجة عن اختيارات الفقيه ، ولا يدّعيها له أحد .

   يقول الإمام الخميني قدّس سرّه في کتاب “الحکومة الإسلامية” بالنسبة إلی ما يختص بالمعصوم عليه السلام :

   (فهذه المنزلة شيء آخر وراء الولاية والخلافة والإمرة) .

   ويقول قدّس سرّه أيضاً في نفس المصدر :

   (الحکومة الإسلامية لا تشبه الأشکال الحکومية المعروفة ، فليست هي حکومة مطلقة يستبدّ فيها رئيس الدولة برأيه عابثاً بأموال الناس ورقابهم ، فالرسول صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين علي عليه السلام وسائر الأئمة عليهم السلام ما کانوا يملکون العبث بأموال الناس ولا برقابهم ، … وإنّما هي دستورية بمعنی أنّ القائمين بالأمر يتقيدون بمجموعة الشروط والقواعد المبينّة في القرآن والسنّة ، والتي تتمثل في وجوب مراعاة النظام وتطبيق أحکام الإسلام وقوانينه ، ومن هنا کانت الحکومة الإسلامية هي حکومة القانون الإلهي … إلی أن قال :

   ولا ینبغي أن يُساء فهم ما تقدّم ، فيتصور أحد أنّ أهليّة الفقيه للولاية ترفعه إلی منزلة النبوة أو إلی منزلة الأئمة ، لأنّ کلامنا هنا لا يدور حول المنزلة والمرتبة ، إنّما يدور حول الوظيفة العملية . فالولاية تعني حکومة الناس ، وإدارة الدولة ، وتنفيذ أحکام الشرع)

   إنّ هذه الولاية في الواقع هي ولاية الفقه قبل أن تكون ولاية الفقيه ، لأنّ الفقيه نفسه ملزم بالعمل بجميع ما يُصدره من أحكام ، ومن دون أيّ امتياز ، فهو مكلّف شأنه شأن باقي المكلّفين ، لا يختلف عنهم من هذه الجهة إلّا بنوع الوظائف والاختيارات .

   وكما هو الحال بالنسبة إلى الفتاوی التي تصدر عن مرجع التقليد ، فليس له ما يمتاز به عن مقلديه من حيث العمل بتلك الفتاوى ، وكذلك بالنسبة إلى حكم القاضي ، وهكذا .

  يقول الإمام الخميني قدّس سرّه أيضاً في “كتاب البيع” :

   (إنّ ما ثبت للنبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام من جهة ولايته وسلطنته ثابت للفقيه ، وأمّا إذا ثبت لهم ولاية من غير هذه الناحية فلا ، فلو قلنا بأنّ المعصوم عليه السلام له الولاية على طلاق زوجة الرجل أو بيع ماله أو أخذه منه ولو لم تقتضِ المصلحة العامة لم يثبت ذلك للفقيه) .

   أي أنّه يثبت له ذلك في حال اقتضاء المصلحة العامة . فللولاية علی أمر الأموال والأنفس وجهان، الأول : مختصّ بالمعصوم عليه السلام ولا دخل له في إدارة نظام البلاد ، والثاني : يثبت للفقيه ضمن حدود ولايته علی إدارة شؤون البلاد وما تقتضيه المصلحة العامّة للمجتمع فقط .

   وقال قدّس سرّه أيضاً في نفس المصدر :

   (فتحصّل مما مرّ ثبوت الولاية للفقهاء من قِبَل المعصومين عليهم السلام في جميع ما ثبت لهم الولاية فيه من جهة كونهم سلطاناً على الأمّة) .

   يقول الشيخ محمد تقي بهجت قدّس سرّه في هذا المجال وفي جوابه علی سؤال وُجّه إليه حول ولاية الفقيه وحدود صلاحيّاته :

   (…لابدّ للمجتمع الإسلامي من ولي للأمر يتولّی إدارة جميع شؤونه وأبعاده… لذا يجب أن تکون يد الولي الفقيه (مبسوطة) في جميع الشؤون الماديّة والمعنوية .

   وفي النتيجة ، لابدّ أن يکون للولي الفقيه کل ما للإمام المعصوم باستثناء الإمامة وما هو مختص بالإمام المعصوم ، حتی يستطيع أن يطبّق الإسلام في المجتمع) .

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل