الصبر في قراءة الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) لواقعة كربلاء

الصبر في قراءة الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) لواقعة كربلاء

إنّ من مستلزمات اتخاذ موقفٍ بحجم الموقف الحسينيّ- إلى جانب الثبات والاستعداد للتضحية- الصبر. والصبر على اتخاذ الموقف الصحيح أحد مقوّمات نجاحه، فقد يتّخذ المرء موقفاً صحيحاً، لكنّه لا يقدر على تحمّل تبعات هذا الموقف، ومخاطره وصعوباته، وضغوطاته، والتهديدات المترتبة عليه، ولا يمتلك الصبر على ما قدّم من تضحيات، فيضعف ويتوقّف، أو يتخلّى عن موقفه. لذا، فإنّ أهمّ درس قدمه لنا الإمام الحسين والسيدة زينب (عليهما السلام) في كربلاء هو درس الصبر.

دروس الصبر لديكم
إنّنا في لبنان والمنطقة قد استطعنا فهم بعض جوانب الصبر عند الإمام الحسين والسيّدة زينب والإمام زين العابدين (عليهم السلام)، وكلّ من كان معهم بعد الشهادة.

قبل سنوات قليلة، كانت أخواتنا الكريمات العزيزات، ممّن كنّ يحضرن مجالس العزاء، يبكينَ على الإمام الحسين (عليه السلام)، ويبكين لآلام السيّدة زينب (عليها السلام) ولِما جرى في كربلاء. لقد كان هذا الحزن والبكاء والألم نابعاً من تخيُّل المشهد الحسينيّ واستشعار تلك الأحداث الدامية التي جرت في كربلاء. لكن بعد أن تقدّم الواحدة منهنّ ابنها شهيداً، يختلف حضورها في مجالس العزاء، ويختلف فهمها للألم والحزن، وبالتالي صبرها، عن غيرها ممّن لم تقدّم فلذة كبدها بعد. وكذلك الزوجة التي يُستشهد زوجها، أو البنت التي يُستشهد أبوها. فمشاعر سكينة لا تعرفها إلّا من فقدت أباها شهيداً، ومشاعر أم كلثوم لا تعرفها إلّا من فقدت أخاها شهيداً، ولا تعرف مشاعر الرباب أو غيرها من زوجات الإمام الحسين (عليه السلام) إلّا من فقدت زوجها شهيداً، وكذا مشاعر الأم في كربلاء لا تعرفها إلّا من فقدت ولدها شهيداً… وتجتمع هذه المشاعر كلّها في قلبِ السيّدة زينب (عليها السلام)، لأنّها فقدت أخاها الحسين (عليه السلام)، وإخوتها، وأبناءها، وأبناء إخوتها وأبناء عمومتها.

نعم، لقد اختلف فهم عوائل شهدائنا للألم والحزن ولما جرى في كربلاء، وصبرهم اختلف كذلك، بل أصبح صبراً حسينيّاً زينبيّاً. هذا الصبر لم يختبره سوى عوائل الشهداء، إذ يمكن بسهولة أن يفترض أحدنا مشاعر السيّدة زينب (عليها السلام)، وهي تجلس عند جسد أخيها الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وتقول: “اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان”[1]، لكنّ استحضار هذه المشاعر الحقيقيّة، أو جزءٍ منها، لا يعرفه سوى عوائل الشهداء، كالأمّ التي يُستشهد ابنها، أو الأخت التي يُستشهد أخوها، فإنّ هؤلاء حقيقةً اختبروا شيئاً من هذه المشاعر، حيث ينبغي الأخذ بالاعتبار مستوى الحبّ والعلاقة العاطفيّة والأخويّة التي كانت قائمة بين الإمام الحسين والسيّدة زينب (عليهما السلام)، أو بين المولى أبي الفضل العبّاس والسيّدة زينب (عليهما السلام)، أو بين هؤلاء الآباء والأبناء والبنات والزوجات والأخوات، وهو مستوى يختلف عن مستوى علاقاتنا العاطفيّة فيما بيننا. ولذلك، يوجد لدى السيّدة زينب (عليها السلام) مستوى أعلى من الألم، يترتّب عليه مستوى أعلى من الحزن، ويستلزم مستوى أعلى من الصبر.

جرحانا اختبروا الصبر
وكذلك الحال بالنسبة للجرحى. إنّ الحديث عن ألم الجراح لأي شخص كان، يمكن أن يعطينا صورة افتراضيّة خيالية عن طبيعة الألم، ولكن من قُطعت يده، أو رجله، أو فَقد عينه، أو من أصيب في نواحٍ عديدة من جسده – وهذا حال جرحانا الآن – فإن هؤلاء يعرفون معنى الجراح، ويعرفون مثلاً ماذا يعني أن يصاب الإمام الحسين (عليه السلام) بعدد كبير من الجراحات في جسده، وماذا يعني أن تُقطع يمين العبّاس فيمضي، ثمّ تقطع يساره فيمضي، ثمّ يُصاب في عينه فيمضي وهكذا. هؤلاء الجرحى يعرفون ذلك الألم وتبعاته، وما يستلزمه من صبر.

مجاهدون صابرون
وكذلك اختبر مجاهدونا الصبر، وتحمّلوا الشدائد والصعوبات، إذ قد يفرض عليهم التكليف أحياناً أن يقاتلوا في الصحراء وأن يصبروا على العطش والجوع، أو أن يتعرّضوا للحصار في أكثر من نقطة، وفي أكثر من جبهة. وقد صبر هؤلاء المجاهدون في تلك المواطن، وأيُّ صبرٍ هذا عندما يكون الإنسان في الصحراء أو محاصراً! صبرٌ لا يبدِّل الإنسان معه موقفه، لأنّه يعرف ثقل المسؤوليّة الملقاة على عاتقه، ويعلم عاقبة ذلك الصبر.

أن تكون حسينيّاً يعني أن تكون صابراً، وأن تكوني زينبيّة يعني أن تكوني صابرة، الصبر على الألم، والجراح، وفقد الأحبّة، وتحمُّل المخاطر والقلق والتضحيات بلا حدود.

* من كتاب: وفاء وإباء، سلسلة محاضرات لسماحة السيد حسن نصر الله – دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال، الشيخ عبد الله البحرانيّ، ج 11، ص 958‏.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل