“آفات العلامات”

آفات العلامات

السيد وديع الحيدري

   إنّ من موارد الابتلاء التي سوف يُبتلى بها البعض عند ظهور الإمام عليه السلام ، والتي تكون سبباً لإدخال الشكوك في قلوبهم ، هي ما يتعلق بعلامات الظهور ، وخصوصاً العلامات الحتميّة منها ، ولأسباب مختلفة ومتعددة .

    منها : إنّ العلامات الحتميّة بحسب ما يظهر من روايات أهل البيت عليهم السلام إنّما هي حتمية في أصل الحدث وأصل العلامة لا في تفاصيلها ، فإذا اختلفت التفاصيل عمّا ورد في الروايات ، كالمدّة التي تفصل الحدث عن الظهور مثلاً ، أو غيرها من الأمور الجزئية الأخرى ، يقع الشك في قلوب البعض ممن فهم من حتمية الحدث حتميته بكل تفاصيله وجزئياته .

   ومنها : وجود الاختلاف في الروايات الواردة في تفاصيل العلامة الواحدة ،  كالصيحة مثلاً ، فقد اختلفت الأخبار في نص هذا النداء السماوي ، أو في كيفيته ، أو الوقت المعيّن له ، وما إلى ذلك .

   ومنها : وجود احتمال عدم تحقق بعض تلك العلامات الحتمية ، وذلك لحصول البداء لله فيها ، فقد ورد في الخبر المروي عن الإمام الجواد عليه السلام عندما سُئل عن المحتوم ، حيث قال له السائل: }كنّا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا ، فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر : هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال : (نعم) ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم ، فقال: (إنّ القائم من الميعاد ، والله لا يخلف الميعاد) .

    ومنها : وجود الاختلاف في عدد العلامات الحتمية ، فقد ورد في بعض الروايات أنها خمس علامات، وورد في بعضها أنها سبع علامات ، وفي أخرى أكثر من ذلك .

   ومنها : اهتمام البعض بالعلامات الموقوفة وغير الحتمية أيضاً اهتماماً أكبر مما تستحق ، والغور في جزئياتها وتفاصيلها ، ومحاولة تطبيقها على واقعهم بشتى الطرق ، مما يدخلهم في نوع من التيه والحيرة إذا ما دارت الأحداث وتحقق الوعد الإلهي على غير الصورة التي رسموها لأنفسهم ، وتوقعوها في حساباتهم .

   ومنها : اعتقاد البعض بأن سبيل النجاة ، والوسيلة التي يمكن لهم من خلالها الوصول إلى نصرة الإمام المهدي عليه السلام تتمثل في متابعة العلامات ومعرفتها ومحاولة مطابقتها مع واقعهم لمعرفة وقت ظهوره عليه السلام ولو بالأجمال ، حيث يتصور الكثير منهم بأنّ تحديد ذلك من خلال العلامات يعدّ أفضل وسيلة للوصول إلى معرفة الإمام عليه السلام ونصرته واتّباعه ، وليس الأمر كذلك .

   والدليل على ذلك يمكن الوقوف عليه من خلال الرجوع إلى موقف أهل الكتاب من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، فقد ورد في كتب التاريخ أنّ أهل الكتاب الذين سكنوا أطراف المدينة المنورة ، إنما جاؤوها وانتقلوا إليها من أرض الشام انتظاراً للنبي الموعود الذي نبأت به كتبهم ، ولما كان لديهم من العلامات التي تشير إلى خروجه من هذه المنطقة .

   لكن الذي حدث عند إظهار دعوته صلى الله عليه وآله وانطباق ما جاء في كتبهم وأقوال متنبئيهم من العلامات عليه ، أنهم لم يستطيعوا تصديقه ولا الإيمان به ، بل حاربوه ونصبوا له العداء حتى آخر أيام حياته الشريفة ، قال تعالى :

(فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ) .

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) . 

   أي أنهم عرفوه كما يعرفون أبناءهم وبهذا الوضوح ، ولكنهم لم يؤمنوا به ، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أنّ هذا الطريق ــ طريق معرفة العلامات ــ لا بل حتى معرفة شخص النبي أو الإمام  لا يوصل إلى الهدف المطلوب والمتمثل بالإيمان به والتوفيق لنصرته واتّباعه .

   فالذي يريد الوصول إلى الحق عليه أن يبحث عن الذي يمثله في زمانه أولاً ، قبل أن يبحث عن علامات الذي يأتي من بعده ، لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يترك الأرض خالية من وجود الحجة طرفة عين ، نبياً كان هذا الحجة أم وصي نبي ، أو من ينوب عنهما في حال الغيبة وعدم الحضور ، وقد جعل النجاة في طاعته واتّباعه ، وفي أخذ التكليف الشرعي تجاه الأحداث منه لا من العلامات ، والله الهادي .

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل