حذّر الأستاذ محمد تقي الشهيدي من «اللامبالاة في البحث عن أصول الدين» ومن «إثارة الشكوك بين عامة الناس»، وانتقد بشدة أولئك الذين يُزلزلون عقائد المجتمع الدينية دون أن يكون لهم أدنى إلمام بأصول الفقه والأصول، كما اعترض على إطلاق لقب «حجة الإسلام» على من يُعلن الشك في وجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ولا يقوم حتى بالتحقيق اللازم، واعتبر ذلك مسخاً لشأن الألقاب الحوزوية وتوهيناً لعقائد الناس، وقال: سيأتي يوم يُسأل فيه: لماذا لُعِبَ بدين الله وبعقائد الناس؟ إن كنتم لا تؤمنون بالآخرة فأعلنوا دليلكم بوضوح، وإن كنتم تؤمنون فلماذا تتصرفون هكذا؟
وفي تقرير لمراسل شبكة اجتهاد، قال الأستاذ محمد تقي الشهيدي صباح اليوم في درس خارج أصول الفقه، رداً على بعض التشكيكات في أصول المذهب وعلى كلام السيد سليماني الأردستاني، مؤكداً ضرورة الفحص في أصول الدين:
«نحن نختلف مع المحقق الأصفهاني في إنكاره وجوب الفحص العقلائي في الشبهات الحكمية، لكن قوله إنه لا ينبغي أن يُخلَط هذا البحث ببحث أصول الدين -الذي هو من الواضحات العقلية- كلام صحيح تماماً. لا شك أن من شكّ في وجود الله، أو في نبوة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، أو في إمامة المعصوم عليه السلام، فعليه بحكم العقل القطعي أن يفحص ويبحث؛ لأن هذه من أهم الأمور على الإطلاق، فكيف بمن يقول علناً: «أنا أشك في وجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف»، ثم لا يبحث ويقول: «هذا الأمر غير مهم بالنسبة لي»؟! هذا خلاف واضح العقل وضرورة الشرع. أوَليست معرفة إمام الزمان من أعظم الواجبات؟! الحديث المسلَّم عند الشيعة والسنة: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أي يُحشر يوم القيامة غير مسلم. فماذا يفعلون بهذا الحديث الصريح؟ ثم يقولون: «ليس لدينا وقت، ليس مزاجنا على ما يرام للقيام بذلك»! فلماذا يعلنون ذلك جهاراً؟
انتقاد طرح الشبهات أمام غير المتخصصين
وأضاف أستاذ خارج الفقه في حوزة قم العلمية: أين رأيتم أن يأتي إنسان في موضوع بهذه الأهمية دون أي بحث جاد، ثم يُلقي الشبهة علناً في أذهان الناس -وكثير من مستمعيه عامة غير متخصصين- فيزلزل إيمانهم، ويجرح مشاعر المؤمنين؟ ثم يقول: نحن نستبعد حتى لو بحثنا أن نصل إلى يقين! ويا للأسف، في بعض البيانات الرسمية للحوزة يُخاطَب هؤلاء بلقب «حجة الإسلام» -وهو لقب خاص بالعالم الشيعي الاثني عشري-. هل ينبغي أن نُطلق هذا اللقب على من يشك علناً في وجود إمام الزمان ولا يبحث، وأن نعامله باللين والملاطفة؟ هل صارت وظيفتنا فقط مهاجمة الآخرين؟
شبهة «القرآنية» وإنكار الروايات
وأضاف الأستاذ الشهيدي: والعجيب أنهم يقولون: «نحن قرآنيون»، وبهذا الشعار ينكرون الروايات ولو كانت متواترة. فيشككون مثلاً في مشروعية المتعة بحجة أن اسمها – كما زعموا- لم يرد في القرآن، ويستخدمون عبارات غير لائقة كقولهم: «إذا كان هذا حكم الله الذي يقوله الفقهاء فنحن كافرون بهذا الإله وبهذا الإسلام»! معاذ الله!
أحقاً أنتم قرآنيون؟ أنتم الذين تنكرون قطع اليد للسارق -وهو نص قرآني صريح- وتقولون: «إذا قطعنا يد السارق اليوم (مع تلك الشروط الصعبة التي نادراً ما تتوفر) فسيظل عاجزاً عن العمل مدى الحياة ويرجع إلى السرقة»؟ فما الفرق بين اليوم والأمس؟ فأنكروا إذن هذا الحكم الإسلامي من أصله! أمّا أن تقولوا: لا يمكن تطبيقه اليوم لظروف دولية، أو تناقشوا فقهياً تنفيذ الحدود في عصر الغيبة كما فعل بعض الفقهاء، فهذا بحث له أهله، وليس لكل من هب ودب لا يعرف أبسط أبجديات الفقه.
تحريف الأحكام ونسبة الكذب إلى الفقهاء
وواصل الأستاذ شهيدي قائلا: يقولون: «حسب الفقهاء تكفي قفزة واحدة حتى تبلغ الفتاة وتستقل في الزواج»! ألا تعلمون أن من يرى ولاية الأب على ابنته البكر إنما يريد مصلحتها حتى لا تُخدع، وأن «البكر» عندهم هي التي لم تُجامَع، أي في مقابل «الثيب»؟ وبعض الفقهاء يقولون: تبقى ولاية الأب حتى تتزوج ويدخل بها زوجها. أي فقيه قال إن الولاية تسقط بمجرد فقدان غشاء البكارة (القفزة كما تسمونها)؟ من قال هذا حتى تسخروا من أحكام الله؟
العبر التاريخية وضرورة تهذيب النفس
وقال الأستاذ الشهيدي متأسّفا: أحياناً أفكر: لماذا وصلت الحوزات العلمية إلى هذا الوضع؟ أتألم كثيراً، ولولا رجائي برحمة الله الواسعة التي نصرت التشيع والحوزات في أشد اللحظات، لوقعت في اليأس. حوزة أنفقت عليها الأمة دماءً وأرواحاً عبر التاريخ، قدمت الشهيد الأول والشهيد الثاني وشهداء الفضيلة… ثم يأتي بعض من لم يكن لهم أي سوابق سيئة فيضلّون فيما بعد، كالشلمغاني الذي كان كتابه «التكليف» موجوداً في كل بيت شيعي، ثم أنكر كل شيء حسداً لأن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يجعله وكيلاً خاصاً له! ضعوا ذلك إلى جانب علي بن جعفر عليه السلام، ابن الإمام الصادق عليه السلام الصغير، الذي كان ينحني أمام الإمام الجواد عليه السلام -حفيد أخيه الطفل- فقيل له: أنت بهذا العمر وهذه اللحية البيضاء تنحني أمام طفل؟ فقال: «إذا كان الله لم يرَ هذه اللحية البيضاء أهلاً للإمامة، أجعلها أنا أهلاً لجهنم؟!»
وأضاف: إن بعض من رأيناهم في زماننا كانوا أصحاب سوابق طيبة وخدمات، لكن بسبب عدم تهذيب النفس أو الغرور فآلت بهم الحال إلى سوء الخاتمة.
ضرورة تقوية الأصول الاعتقادية أمام الانحرافات
وختم الأستاذ الشهيدي كلامه قائلاً: كثيرون انحرفوا بسبب ضعف الاعتقاد وعدم معرفة أصول الدين ومعارفه. نحن نعيش ظروفاً حساسة جداً، واليوم أكثر من أي وقت مضى، مع وسائل التواصل الاجتماعية، التي تجعل أي كلام ينتشر في لحظة إلى العالم كله. فحتى لا نقع في الانحرافات المروجة، أو نكون -لا سمح الله- سبباً فيها، فعلينا إلى جانب تهذيب النفس: أن نقوي أسس اعتقادنا بالدليل، وأن نتابع أحوال العلماء والصلحاء الذين ثبتت لهم كرامات قطعية.
ولا أقول: نصدق كل مدعي كرامة أو لقاء بالإمام عليه السلام، كلا، ولكن الإنكار المطلق غير صحيح أيضاً. هناك لقاءات ثابتة مسلَّمة، ومتابعة هذه القصص الصحيحة تُحدث -كما قال بعض الفضلاء للمرحوم الحائري- سكينة وطمأنينة في النفس أعظم من كثير من الأدلة العقلية.
وفي الختام، أكد الأستاذ الشهيدي أن «الدين ليس لعبة! تصخبون وتضجون أياماً معدودة، لكن فكروا قليلاً في آخرتكم. كلنا يجب أن نفكر في آخرتنا، حتى إذا سُئلنا يوم القيامة: لماذا لعبتم باعتقادات الناس؟ لماذا لعبتم بدين الله؟ فإن كنتم وصلتم حقاً إلى نتيجة أن لا آخرة، فتعالوا واقنعونا حتى نرتاح نحن أيضاً من عذاب الضمير. وإن كانت الآخرة موجودة -وهي موجودة- فلماذا تلعبون بدين الله؟!»