الجواب: ونرد على هذه السؤال أولاً بمقدّمة مختصرة:
إنّ الله سبحانه وتعالى خلق أوّلاً الملائكة ومنحهم العقل، ولم يجعل فيهم شهوة ولا غضباً، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ثم خلق البهائم ومنحها الشهوة والغضب وحرمها نعمة العقل.
وكان نظام الوجود الأحسن يقتضي أن يُخلق نوع ثالث يجمع بين الجانبين، فخلق الله الإنسان وجعل فيه عقلاً وفطرة من جهة، وشهوة وغضباً من جهة أخرى، فإذا غلبت قوة العقل فيه، بلغ مرتبة تفوق مرتبة الملائكة، قال تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: 8].
فأعطى الله الإنسان الحرية والاختيار ليحدّد مسار حياته بنفسه، إما طريق الخير وإما طريق الشر، قال سبحانه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 3]، أي أن الإنسان مخيَّر، وعليه أن يختار الطريق الصحيح بإرادته الحرة أو الطريق الخطأ.
ثمّ أن الله تعالى بحكمته ولطفه بعباده لم يترك الإنسان وحده، بل أرسل إليه الرسل والأنبياء والأولياء ليهدوه ويساعدوه على الوصول إلى الكمال والإنسانية، قال تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: 24]، فما من أمة إلا وبعث الله فيها من يحذرها ويرشدها.
أما عن السؤال: لماذا لا يمنع الله بعض الظلم والجرائم التي يرتكبها الإنسان؟ فالجواب من وجهين:
الأول: إن من لوازم الحرية والاختيار أن يستطيع الإنسان أن يفعل ما يشاء، حتى لو كان ظلماً. فلو أن إنساناً أراد أن يقتل انساناً ظلماً فسقطت عليه صاعقة أو حجر من السماء أو منعه الله بأي وسيلة مباشرة كلما همَّ بالمعصية، لما بقيت للإنسان حرية ولا اختيار، وصار كالملائكة واقفاً لا يتحرك إلا بإذن. وعليه، لكي يكون الإنسان حراً حقاً، لا بد أن يتمكن من تنفيذ ما نوى، سواء خيراً كان أو شراً.
الثاني: إن الجنة ودرجاتها، والنار وعذابها وشدته وضعفها، إنما تكون بحسب أعمال الإنسان واختياراته. فلو مُنع الإنسان من ارتكاب بعض الجرائم الشنيعة، لما كان للجنة معنى ولا للنار معنى، ولما استحق أحد أعلى درجات الجنة ولا أشد دركات النار. إن تفاوت الناس في الآخرة إنما هو نتيجة اختياراتهم الحرة في الدنيا.
وعلاوة على ذلك، فإن الغاية من خلق الإنسان هي بلوغ الكمال الاختياري عبر العبودية والطاعة لله وحده. ولكي يصل الإنسان إلى أعلى مراتب الكمال والخير والإنسانية (أو إلى أدنى دركات الشر والحيوانية)، لا بد أن يكون قادراً على فعل كل ما يشاء دون منع مباشر.
إذن، عدم تدخل الله المباشر في منع كل ظلم وكل جريمة ليس عجزاً ولا قسوة، بل هو من تمام حكمته ورحمته، لأنه أراد أن يكون الإنسان مخيَّراً حراً، فيختار بنفسه طريق الجنة أو طريق النار، ويهيئ لنفسه -بناء على حرّيّته وإرادته- مصيره في الجنة أو النار.