ضرورة التّخصّص في التّبليغ إلى جانب أصالة المنبر

وجّه آية الله حسين نوري همداني، أحد مراجع التّقليد الشّيعة، رسالة قبل ظهر اليوم في الحفل الختاميّ لـ”مهرجان الابتكارات التّبليغيّة_جنّات”، الذي أُقيم في قاعة المؤتمرات الدّولية “غدير”.

وجاء نصّ رسالة سماحة آية الله العظمى نوري همداني كما يلي:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا”.

السّلام والتّحية لذلك الجمع المحترم؛

إنّ من أهمّ رسالات الحوزة العلميّة اليوم هو موضوع التّبليغ، وربّما تكون أوّل مهمّة للفضلاء الكرام هي القيام بأمر التّبليغ، إذ تتلخّص ثمرة جميع الجهود في هذا الأمر؛ فمِن أوّل يوم لدخول الحوزة وحتّى اللّحظات الأخيرة، وفي جميع مراحلها ومراتبها، لا تُسلب من الإنسان رسالة التّبليغ.

وعلى هذا الأساس يجب الالتفات إلى ما ينبغي فعله لجعل هذه المسؤوليّة أكثر ثمراً. وأنا -مع ملاحظة القضايا الرّاهنة وتطوّر الفضاء الافتراضيّ وتغيير أساليب التّبليغ أو نشوء أساليب جديدة- لا أزال أؤمن بالتّبليغ التّقليديّ، أي التّبليغ وجهاً لوجه، أو ما يُعبَّر عنه بالمنبر.

وأعتقد اعتقاداً راسخاً أنّه لا توجد طريقة أكثر تأثيراً من هذا النّوع من التّبليغ؛ وإن كنتُ لا أنكر التّأثير الكبير لأساليب التّبليغ الجديدة، مثل الحضور في الفضاء الافتراضيّ أو إعداد البرامج المرئيّة الجذّابة، لأنّ واقع المجتمع يدلّ على تأثير هذا النّوع أيضاً. لكن يجب الانتباه إلى أنّ انتشار التّبليغ الافتراضيّ ناجم عن ضعف التّبليغ التّقليديّ المباشر، وهذا الأمر ينبغي أن يُدرّس من قِبل المتخصّصين.

التّبليغ فنٌّ مقرون بعلم واسع، واليوم يراه بعضهم أسهل الأعمال، في حين أنّه -أي التّبليغ والخطابة والمنبر- من أصعب المهامّ، وإذا أردنا أن نكون مؤثّرين فهو من أشدّ المهن مشقّة.

على المبلّغ المؤثّر أن يتقن المراتب العليا في مختلف العلوم، ولاسيما الأدب الفارسيّ والعربيّ إتقاناً تامّاً، ويجب أن يكون المبلّغ عارفاً بزمانه، واضعاً معرفة الجمهور في مقدّمة الخطابة، وأن يعتمد على المصادر المعتبرة، وأن يبتعد عن طرح الأمور غير الموثّقة، وألّا يضيّع وقت النّاس بالموضوعات المجهولة أو الملفّقة. كما ينبغي له أن يتجنّب بعض الرّوايات أو الأقوال التي لا تليق بمقام أهل البيت عليهم السّلام، حتّى لو ذُكرت في بعض المصادر.

وعليه أن يراقب الشّبهات السّائدة في المجتمع ويردّ عليها ببيان واضح وحجج موثّقة، وألّا يتذرّع بالتّقليديّة ليغفل القضايا المعاصرة في المجتمع، مثل المسائل الثّقافيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة، بل يجب أن يؤمن بأنّ الخطيب صوتٌ مسموع في هذه المجالات أيضاً.

ومن النّقاط الأخرى أيضًا أن يكون التّبليغ تحت إدارة مركز واحد؛ فمع الأسف تتدخّل اليوم مؤسّسات متعدّدة -مرتبطة وغير مرتبطة- في شؤون التّبليغ، وهذا يشكّل آفّة. إنّ التّبليغ عمل تخصّصي، ولذا يجب أن تتولّى جهة واحدة مسؤوليّته لتخرج من الوضع الحاليّ.

ومن الأمور التي يجب الالتفات إليها أيضاً: تخصيص مجالات التّبليغ؛ فهناك مبلّغ للعمل في الفضاء الافتراضيّ، ومبلّغ يعمل في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، ومبلّغ لإنتاج الرّسوم المتحرّكة، وآخر مختصّ بفئة الأطفال والنّاشئة. وبالطّبع فقد بدأ مركز إدارة الحوزة العلميّة في قمّ ومكتب التّبليغات الإسلاميّة خطوات بهذا الاتّجاه، وهو أمر يبعث على السّرور.

وفي الختام، أؤكّد على أهميّة دعم وتطوير وتوسيع النّشاطات التّبليغيّة، ورفع مكانة التّبليغ بين الحوزويّين، وإيجاد الدّافعيّة، ورعاية المواهب لدى المبلّغين. وأشكر جميع القائمين على هذا المهرجان المبارك الذي يُقام بعنوان “مهرجان الابتكارات التّبليغيّة_جنّات”، وأسأل الله تعالى التّوفيق للجميع.

والسّلام عليكم ورحمة الله

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل