الخير والشر

ليس كلّ ما يُعدّ خيراً في ذاته يكون بالضرورة خيراً لك؛ فطريقة تعاملك مع الخير قد تحوّله إلى شرّ بالنسبة إليك، كما قد يحدث العكس كذلك.

تناول الأستاذ الشهيد مرتضى مطهّري في أحد مؤلفاته هذه القضية، مشيراً إلى أنّ قيمة الخير أو الشر لا تنحصر في ذات الفعل فحسب، بل تتأثّر أيضاً بكيفية تلقّي الإنسان له والتعامل معه.

فليس كلّ خيرٍ (في الظاهر) خيراً للإنسان على الإطلاق؛ إذ قد يؤدّي أسلوب مواجهته للخير إلى انقلابه شرّاً عليه، كما قد تتحوّل بعض الأمور التي تُعدّ شراً في الظاهر إلى خيرٍ حقيقي بحسب طريقة التعاطي معها.

يقول الله تعالى في سورة الأنبياء:﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾؛ أي إنّنا نختبركم ونمتحنكم بكلٍّ من الشرور -والمقصود بها ما يُلحق بالإنسان الأذى والضرر- وبالخيرات والنِّعَم؛ فكلٌّ منهما على السواء أداةٌ للابتلاء والامتحان.

وهذه عبارة بالغة العمق والدلالة. فمعناها أنّ ما تُسمّونه «خيراً» لا ينبغي الجزم بأنّه خيرٌ على نحوٍ مطلق، كما أنّ ما تُسمّونه «شرّاً» لا يجوز القطع بأنّه شرٌّ على الإطلاق؛ إذ إنّ حقيقة الخير والشر لا تُقاس دائماً بظواهر الأمور، بل بما تؤول إليه من آثارٍ تربوية ووجودية في مسار الإنسان.

إنّ الخير الحقيقي والنّهائي للإنسان، والشّرّ النّهائي للشّرّ ذاته، يعتمدان على الطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع تلك الأمور أو على كيفية استفادته منها. فقد يكون الشيء خيراً ونِعمةً في ذاته، لكن إذا وُجِّه للابتلاء والاختبار، فقد يصبح هذا الخير سبباً في فساد الإنسان. وكذلك الشر يحمل بعداً امتحانياً، وقد يكون هو نفسه سبب صلاح الإنسان وتقويمه.

وقد ورد ذلك بوضوح في القرآن الكريم:﴿عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾.

المصدر: الأستاذ الشهيد مرتضى مطهّري، كتاب التوحيد، ص299.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل