مقتطفات من کلمات سماحة آية الله العظمى جوادي آملي بشأن عظمة ومقام الصديقة الكبرى (عليها السلام).

قال آية الله العظمى جوادي آملي -في بيانه حول العظمة العلمية للسيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)-: ​ينقل المرحوم الكليني (رضوان الله تعالى عليه) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما رجع ثانيةً لتجهيز الجيوش نحو صفّين، ألقى خطبة. وهذه الخطبة مذكورة في نهج البلاغة. يقول المرحوم الكليني: لو اجتمع الإنس والجن، ولم يكن فيهم نبيّ، لما استطاعوا الإتيان بمثل هذه الخطبة! ومن المعروف أنّ الكليني ليس ممّن يبالغ في القول.

ثمّ يقول بعد ذلك: «بأبي وأمي» أي فداه أبي وأمي، في وصفه للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ثم يذكر دليل ذلك. ​يقول الكليني: إن هذه الشبهة المادية التي بقيت قروناً طويلة، وهي دعوى القائلين بعدم وجود الله وعدم وجود المعاد، من يستطيع الإجابة عنها؟

فهم يقولون: إذا كان هناك خالق، فالله خلق العالم إمّا من شيء، أو من لا شيء؛ فإما من شيء بمعنى أنّ أجزاء المادة كانت موجودة من قبل ولم يكن لها خالق، ثمّ ركّبها وصنع منها العالم، وهذا يستلزم وجود شيء بلا خالق! وأما إذا كان خلقه من لا شيء، فالعدم لا ينتج شيئاً؛ فارتفاع النقيضين محال كما أنّ اجتماع النقيضين محال. فمن أيّ شيء خلق الله العالم؟

هذه الشبهة المتعلّقة بأزلية المادة بقيت قروناً طويلة وفي جميع الأكاديميات! ​

والجواب عن هذه الشبهة هو ما ذكره علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد نقل الكليني نصّ تلك العبارة من الخطبة.

ثم يؤكد الشيخ جوادي آملي: إنّ ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الخطبة قد قالته السيدة فاطمة عليها السلام في خطبتها الفدكية قبل ذلك بخمس وعشرين سنة. فانظروا من هي الزهراء! فالمدة بين خطبة فاطمة وخطبة أمير المؤمنين حوالي خمسٍ وعشرين سنة.

ثم بيّن سماحته: في مطلع خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام جاء: «الحمد لله الذي خلق الأشياء لا من شيء». ومعنى ذلك أنّ نقيض «من شيء» ليس «من لا شيء»، لأن كلتيهما إثبات وجود. إنّ النقيض الحقيقي لـ«من شيء» هو «لا من شيء». وهذه دقيقة لا يفهمها إلا من بلغ مقام الزهراء عليها السلام.

ولو طرحت هذه الشبهة على كثير من العلماء لظلوا محتارين. فالسيدة قالت: «خلق الأشياء لا من شيء» وليس «من لا شيء». فلو كان الخلق «من شيء» لكان الأمر كما يقول الماديون، وإن كان «من لا شيء» فالعدم لا ينتج وجوداً، ولكن «لا من شيء» هو نقيض «من شيء». وهذه العبارة موجودة في خطبة الزهراء النورانية قبل خمس وعشرين سنة من خطبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

وقال آية الله العظمى الشيخ جوادي الآملي في موضع آخر من كلامه حول عظمة تلك السيدة الطاهرة: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام وصف حال الأمة التي أجمعَت على هضم الحقّ المسلم للصدّيقة الكبرى عليها السلام(1). فأيّ عظمة هذه، حتى تحتاج الأمة كلها للاجتماع على إقصاء امرأة واحدة سياسياً!

ثم أردف قائلاً: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال هذه الكلمات عند دفن الصدّيقة الكبرى، هذا يعني أنّ أخذ حقّ فاطمة سلام الله عليها لم يكن ممكناً من شخص أو شخصين، بل كان أمراً قامت به الأمة جمعاء وتكاتفت عليه. وهذا يدل على عظمتها السياسية والمعنوية في ذلك العصر.

ثم أشار سماحته إلى رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام عند إجباره على البيعة قال لسلمان: يا سلمان! اذهب وائتِ بابنة رسول الله كي لا تدعو عليهم، فإني أرى جانبي المدينة يهتزّان. ولم يكن الأمر اهتزاز أعمدة المسجد، بل كما لو أن إناءً انقلب وسكب ما فيه. قال: «فَإِنِّي أَرَی جَنْبَتَي الْمَدِینَةِ تُكْفَئَان».


(1) يشير إلى كلام له عليه السلام في “نهج البلاغة” عند دفن سيّدة النّساء فاطمة عليها السّلام: السّلام عليك يا رسول اللّٰه عنّي وعن ابنتك النّازلة في جوارك، والسّريعة اللّحاق بك. قلَّ يا رسول اللّٰه عن صفيّتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي. إلا أنّ لي في التّأسّي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزّ. فلقد وسّدتُك في ملحودة قبرك، وفاضتْ بين نحري وصدري نفسك. إنّا للّٰه وإنّا إليه راجعون. فلقد استُرجعت الوديعة، وأُخذَت الرّهينة. أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسّهد، إلى أن يختار اللّٰه لي دارك التي أنتَ بها مقيم. وستُنبئك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها، فأحْفها السّؤال واستخبرها الحال. هذا ولم يطل العهد، ولم يخْلُ منّك الذّكر. والسلام عليكما سلام مودّع لا قالٍ ولا سئم. فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصّابرين.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل