بيان آية الله ميرصانعي الخوانساري بشأن تنامي التيارات الصوفية في قم

أصدر المفسّر الكبير سماحة آية الله الحاج السيد رضا ميرصانعي الخوانساري، صاحب التفسير الجامع «نسيم الوحي»، بيانًا تناول فيه بيان انحرافات التيارات المتزيّنة بلبوس القداسة في مدينة قم المقدسة، وضرورة صيانة حريم الشريعة ومعارف أهل البيت (عليهم السلام).

وبحسب ما أفادت وكالة «إيكنا»، فقد جاء في البيان ما نصّه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمَعْصُومِينَ، وَاللَّعْنُ الدَّائِمُ عَلَىٰ أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ.

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ۝ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾. (الكهف: 103–104).

إن نشر وترويج بعض الآراء والعقائد الباطلة ـ ومن جملتها التصوف ـ التي ورد في لسان روايات المعصومين (عليهم السلام) لعنها وذمّها الصريح، حيث عُدّ المتصوفة تيارًا مطرودًا ومردودًا وملعونًا، يُعدّ من أخطر الانحرافات في ساحة الدين ومعارف أهل البيت (عليهم السلام).

ولا يقتصر هذا الانحراف على الصوفية الفرقيّة المعروفة، بل يظهر اليوم بلباس جديد، وبخطاب مزخرف، وعناوين من قبيل: «أخلاق أهل البيت»، و«السلوك الشرعي»، و«المعنوية والعرفان الأصيل»، ومع الأسف الشديد فقد تبعهم أكثر من ألف شخص، بل شُكّلت في مدينة قم المقدسة محافل تضم مئات الأشخاص وهي في توسّع مستمر، في وقتٍ يبدو فيه أن القائمين على صيانة العقيدة إما غافلون، أو متساهلون، مما أتاح المجال لاختراق هذه الانحرافات تدريجيًا.

ومن المؤسف حقًا أن يقوم بعض المغرضين أو الجاهلين بخلط مباني ومواقف المتصوفة ـ التي هي في جوهرها غريبة عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ـ بالدين والشريعة الحقّة، ويقوموا بتلقينها، لا سيما للفئات قليلة الاطلاع، من الشباب والمبتدئين في طريق السلوك، وهو أمر بالغ الخطورة ويُعدّ مصداقًا واضحًا للهجوم العقدي.

ومن الآفات الخطيرة كذلك دخول أشخاص فاقدين للأهلية العلمية في مباحث دقيقة وحساسة، كالكشف والشهود والمكاشفات والمصطلحات السلوكية، وهي أمور لا تنسجم مع العقل القطعي ولا مع الشريعة المقدسة، بل تخالف الشريعة السهلة السمحة المحمدية (صلى الله عليه وآله).

ومن المسلّم أن كل ما اتّخذ طابع التصوف فإنه ينتهي حتمًا إلى انحرافات تخالف السلوك القائم على الشريعة.

ومن أبرز مصاديق هذه الانحرافات:

1. التوصية باستحضار صورة الأستاذ في العبادات، ولا سيما في الصلاة والأذكار المسماة قلبية.

2. البيعة السلوكية للتلميذ مع الأستاذ، بما ينتهي إلى التسليم المطلق له، واستعمال تعبيرات من قبيل «كالميت بين يدي الغسّال»، وطرح فكرة الفناء في الأستاذ مقدمة للفناء في الله.

3. الترويج لمفهوم «الوصاية» لشخص غير معصوم بوصفه ناقلًا للطريقة والأسرار، وهو تقليد صريح للبنى الصوفية الدخيلة على التشيّع.

4. تقسيم الأتباع إلى محبين ومريدين وطبقات معنوية مصطنعة.

5. الاعتقاد بثلاثية: الشريعة والطريقة والحقيقة، وتفضيل الطريقة والحقيقة على الشريعة.

6. إطلاق الشطحات التي تقترب أحيانًا من الكفر، وتبريرها بأسرار الطريقة.

7. الأمر بما يسمى «الصلاة القلبية» بدل الصلاة الشرعية بأركانها وشروطها.

8. عقد جلسات جماعية للصمت تحت مسمى «جلسات التّفكّر»، وهي في حقيقتها طقس صوفي مغيّر العنوان.

9. اتهام كل ناقد لهذه المسالك بأنه من «شياطين الإنس» لإسكات النقد وتعطيل العقل.

10. تحريف الواقع ونشر الأكاذيب عبر نسبة المدح والتزكية كذبًا إلى العلماء الكبار طلبًا للشرعية الزائفة.

11. الادعاء بأن آراءهم الشخصية هي «رأي إلهي»، وإنكار إمكانية خطأ الأستاذ السلوكي مطلقًا.

12. الادعاء بأن الأستاذ مظهر لذكر «يا حاضري يا ناظري» وتلقين هذا الذكر باعتبار حضوره الدائم في قلب المريد.

13. الإيحاء بجواز صدور أوامر تخالف الشريعة بدعوى المصلحة، ووجوب طاعة التلميذ لها.

14. نفي صلاحية المراجع والفقهاء في شؤون السلوك والعرفان.

15. الترويج لفكرة «الفناء الذاتي الحقيقي» بما يستلزم اندكاك المخلوق في الخالق والخروج عن التوحيد القرآني الخالص.

إن هذه الأساليب والمفاهيم لا تمتّ بصلة إلى القرآن الكريم، ولا إلى الروايات القطعية، ولا إلى سيرة الأئمة والفقهاء الربانيين، بل هي مستمدة من التصوف والعرفان الدخيل، وتفضي إلى أوهام نفسية وتلقينات شيطانية واضطراب عقدي وهيمنة الأستاذ على ساحة الإيمان والعمل، وقد تنتهي إلى إفساد الفرد والمجتمع الديني.

وبما أن بعض الأفعال عُرفت تاريخيًا كشعائر للفرق الصوفية الضالة، فإن التشبه بها يعد ترويجًا لها، وإذا أُتي بها بقصد الدخول في مسلكهم فهي محرمة شرعًا.

إن السلوك الصحيح في مدرسة التشيّع لا يكون إلا بالالتزام التام بالشريعة، وتهذيب النفس على أساس فقه آل محمد (عليهم السلام)، والسير في ضوء العقل القطعي والنقل المعتبر. وكل مسلك يُخرج السالك عن هذا الطريق فهو مسلك مردود وخطير ومضل.

لقد أثبتت التجربة أن عدم مواجهة هذه التيارات يؤدي تدريجيًا إلى التفكك العقائدي، والانفلات، وتضخّم الأنا، والاضطراب، والانحدار العلمي والعملي والعقدي.

وفي الختام، أتقدّم بالشكر الجزيل إلى المحقق الفاضل حجة الإسلام الشيخ محمدرضا بيگي الخميني (دام توفيقه) لما بذله من جهد علمي رصين في تفنيد شبهات هذه الفئة المنحرفة.

كما أهيب بالمسؤولين الحوزويين وعلماء مدينة قم المقدسة أن يتعاملوا مع هذه الظواهر بيقظة وحزم، صونًا لحرمة هذه المدينة التي تمثل مركز الثقل للتشيع، ومنبع الفقه الجعفري، وخزان معارف أهل البيت (عليهم السلام).

اللهم اشهد أني قد بلّغت.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

22 جمادى الآخرة 1447 هـ

قم المقدسة – عش آل محمد (عليهم السلام)

سيد رضا ميرصانعي الخوانساري

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل