رؤية أخلاقية في ترتيب الأولويات العبادية
أكّد حجّة الإسلام والمسلمين السيد أحمد فقيهي، أستاذ الأخلاق في الحوزة العلمية بقم، أنّ المنهج الصحيح في الحياة العبادية لا يقوم على منطق الإقصاء والمفاضلة الحادّة بين الطاعات، بل على السعي لطلب التوفيق الإلهي للجمع بينها ما أمكن، مشيرًا إلى توجيهاتٍ أخلاقية عميقة منسوبة إلى آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت (قدس سره).
جاء ذلك في إجابته عن سؤال طُرح ضمن برنامج «البرسمان الأخلاقي» التابع لمكتب سماحة قائد الثورة الإسلامية في قم، حول أولوية الاستيقاظ: هل هي في وقت السحر لأداء صلاة الليل، أم في فترة ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس (بين الطلوعين)؟
نصّ السؤال
إذا كان الإنسان ـ بسبب ضعفٍ جسدي أو ظروف خاصّة ـ غير قادر على الجمع بين الاستيقاظ في وقت السحر وبين البقاء يقظًا في فترة بين الطلوعين، واضطرّ إلى اختيار أحد الوقتين، فأيّهما أولى بالتقديم؟
الجواب
أوضح الشيخ فقيهي أنّ بعض المؤمنين كانوا يسألون المرحوم آية الله بهجت:
إذا استيقظ الإنسان في السحر، فهل يقدّم صلاة الليل أم قضاء الصلوات الفائتة؟
فكان جوابه (رضوان الله عليه):
> «ليُصلِّ صلاة الليل، فإنّ الله سيوفّقه لقضاء ما عليه».
وبيّن أنّ هذه الإجابة تكشف عن منهجٍ أخلاقي عميق، وهو أنّ الإنسان لا ينبغي له أن يتعامل مع الطاعات بمنطق «إمّا هذا أو ذاك»، بل عليه ـ ما أمكن ـ أن يسعى للجمع بينهما، وألّا يضع نفسه منذ البداية أمام خيارٍ إقصائي يحرمه من فيوضاتٍ إلهية محتملة.
وأضاف: نعم، قد تطرأ ظروف استثنائية تجعل الجمع بين الأمرين متعذّرًا في بعض الأحيان، لكن هذا بحثٌ آخر. أمّا الأصل، فهو ألّا يحدّ الإنسان أفقه الروحي باختيارٍ واحد مسبق، وكأنّ أبواب الخير الأخرى مغلقة في وجهه.
طلب التوفيق مفتاح الجمع بين الطاعات
وشدّد أستاذ الأخلاق على أهمية التوجّه إلى الله بالدعاء، قائلًا:
ينبغي للمؤمن أن يكثر من الدعاء بهذه المضامين:
> «رَبَّنَا وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى».
وبيّن أنّ الإنسان يمكنه أن يستيقظ في السحر، ويؤدّي صلاة الليل، ثم يسأل الله ـ في أثناء تلك الصلاة نفسها ـ أن يمنحه التوفيق للاستيقاظ أيضًا في فترة بين الطلوعين. فحرمان النفس من أحد الفيضين منذ البداية لا ينسجم مع روح التوكّل ولا مع سعة الرحمة الإلهية.
خاتمة أخلاقية
وختم الشيخ فقيهي حديثه بالتأكيد على أنّ المنهج الأخلاقي الصحيح يقوم على فتح أبواب الرجاء لا إغلاقها، وعلى طلب المزيد من التوفيق لا الاكتفاء بالحدّ الأدنى، وأنّ العبد كلّما أحسن الظنّ بربّه وسأله المزيد من الخير، وسّع الله له آفاق القرب والعبودية.