دراسة أخلاقية في مفهوم أداء الواجب وتكامل الدين والحياة

دراسة أخلاقية في مفهوم أداء الواجب وتكامل الدين والحياة

الخطاب الأصيل | الإمام الباقر (ع) يضفي معنى العبادة على العمل اليومي

دراسة أخلاقية في مفهوم أداء الواجب وتكامل الدين والحياة

بمناسبة ذكرى مولد الإمام محمد الباقر عليه السلام، نُقل عن المرحوم العلامة آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (رضوان الله عليه) في إحدى محاضراته حديثٌ أخلاقي عميق حول مفهوم «العمل بالوظيفة الشرعية»، يسلّط الضوء على الرؤية المتكاملة للدين في مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

العبادة في ميزان الفهم الصحيح

يروي العلامة مصباح أن أحد المتصوفة رأى الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في يومٍ شديد الحر من أيام الحجاز، وهو يعمل في مزرعته، يحرث الأرض ويسقي الزرع. فظنّ هذا الرجل، بدافع فهمٍ قاصر، أن الإمام قد ابتُلي بحب الدنيا، فقال في نفسه: أنصحه وأذكّره.

تقدّم إلى الإمام مخاطبًا إياه بنبرة إنكار:
«يا ابن رسول الله، ألهذا الحد تتعب نفسك لأجل الدنيا؟ لو أدركك الموت وأنت على هذه الحال، فبأي حال تلقى الله؟»

فأجابه الإمام الباقر (عليه السلام) بكلمة تُعدّ من القواعد الأخلاقية الكبرى في الفكر الإسلامي:

> «ألقاه في أفضل حال؛ لأنني أعمل طاعةً لأمر الله، وخدمةً لعباد الله. أحمد الله الذي وفّقني لذلك».

فكانت هذه الكلمة كاشفة عن سوء فهم الصوفي، حتى اعترف في نفسه قائلًا: ذهبت لأنصحه، فإذا به هو الذي يهديني.

تصحيح المفهوم الزهدي

يوضّح العلامة مصباح أن هذا الرجل ظنّ أن الزهد يعني ترك الدنيا وترك السعي والعمل، بينما الزهد الحقيقي لا يعني تعطيل الحياة، بل تحرير القلب من التعلّق غير المشروع بها. ألم يكن رسول الله ﷺ قبل البعثة وبعدها يزاول التجارة؟ وهل كان ذلك مناقضًا للزهد أو للعبودية؟

إنّ الدين، وفق منهج أهل البيت (عليهم السلام)، لا يُجزّأ، ولا يُفهم فهمًا انتقائيًا. بل يجب إدراكه في شموليته وتكامله.

العمل بالوظيفة في كل ظرف

ويؤكد العلامة مصباح أن الواجب الديني يختلف باختلاف الظروف:

فحينًا يكون الواجب الجهاد،

وحينًا يكون طلب العلم،

وأحيانًا يكون العمل والكسب،

بل قد يكون القيام بأبسط الأعمال الخدمية.

فالسعي لتحصيل المال قد يكون ضرورة شرعية، إذ لا جهاد بلا نفقة، ولا دعوة بلا إمكانات. المعيار الحقيقي ليس صورة العمل، بل موقعه من طاعة الله وخدمة الدين.

خلاصة أخلاقية

إنّ مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) تعلّمنا أن العبادة ليست محصورة في الشعائر المجردة، بل تمتد إلى كل عمل يُؤدَّى بنيّة صادقة وفي إطار الواجب الشرعي. وبهذا المعنى، تتحوّل الحياة اليومية بأسرها إلى ساحة عبودية لله تعالى.

المصدر:
محاضرات المرحوم آية الله محمد تقي مصباح اليزدي
تاريخ: 1 / 2 / 2016

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل