التشريع المنهجي: الانتقال من «محورية الفتوى» إلى «الاختيارية»

التشريع المنهجي: الانتقال من «محورية الفتوى» إلى «الاختيارية»

التشريع المنهجي: الانتقال من «محورية الفتوى» إلى «الاختيارية»

ترجع العديد من التناقضات القانونية إلى اعتماد نهج «محورية الفتوى» بدلاً من «الرؤية المنظومية». ومن أجل الوصول إلى نظام قانوني فعال، يجب تجاوز القوالب الصلبة للأحكام التوقيفية، والاستفادة من «المنهج الانتقائي» و«التدابير الحكومية» في صياغة قوانين تتمتع، إلى جانب الحجية الشرعية، بالقدرة على الإقناع الضميري والانسجام المنهجي.

ووفقًا لتقرير مراسل شبكة الاجتهاد، استضافت المدرسة البرلمانية الثامنة التابعة لمركز البحوث الإسلامية لمجلس الشورى الإسلامي، بالتعاون مع جامعة العلوم الإسلامية الرضوية، ندوة تخصصية بعنوان «منهجية التشريع المنهجي على أساس الفقه». وقد تناول في هذه الندوة حجت الإسلام والمسلمين فرج الله هداية نيا، عضو الهيئة العلمية في مركز البحوث الفكرية والثقافية الإسلامي وعضو اللجنة الوطنية للمرأة والأسرة، التحديات المترتبة على انعدام الانسجام في النظام القانوني، وقدم مقترحات لتحقيق تشريع متناسق.

نظامية القانون: ضرورة لتجنب التناقض الذاتي
في مستهل كلمته، عرف هداية نيا مفهوم «النظامية» أو «الرؤية المنظومية» باعتباره معادلاً لـ «النظرية المنهجية» (Systems Theory). وبناءً عليه، يجب اعتبار مجموعة قوانين الدولة ككل نظامي متكامل، حيث يشكل كل حكم جزئي جزءًا من منظومة أكبر. ويتطلب هذا المنظور مبدأين أساسيين: أولًا، توافق كل قانون مع الأهداف الكبرى والرؤى العامة للنظام القانوني، وثانيًا، تحقيق التنسيق والانسجام الداخلي بين القوانين.

وأكد هداية نيا أن أهمية هذا الموضوع كبيرة إلى درجة أن أي إهمال له يؤدي إلى «تناقض القانون الذاتي»، بمعنى أن المشرع يعلن هدفًا، لكنه من خلال سن قوانين غير متناسقة يضعف هذا الهدف عمليًا. وقد أكد هذا المبدأ في كل من المادة الرابعة من الدستور والسياسات العامة للنظام، خاصة في مجال الأسرة.

وأشار هذا الأستاذ في الحوزة والجامعة: «المشرع يعلن هدفًا، لكنه يصدر قوانين تناقض هذا الهدف. فقد قيل لنا إن الزواج من أجل العفة، ومنطقياً، كلما انقلبت وظيفة الزواج بحيث تهدد بقاء الزوجية وتؤدي إلى الفساد، يجب تسهيل انقسام عقد النكاح».

نماذج من الانتهاك المنهجي في قوانين الأسرة
لتوضيح هذا التحدي بشكل ملموس، ذكر عضو اللجنة الوطنية للمرأة والأسرة أمثلة على التناقض و«الانتهاك المنهجي» في التشريعات الحالية:

1. الطلاق بسبب النفور الزوجي: في النظام القانوني الإيراني، إذا شعرت الزوجة بنفور نفسي من زوجها، مع التزام الزوج بواجباته، لا يوجد مسار قانوني واضح للانفصال السريع. وهذه الحالة تتعارض مع الهدف الأساسي للزواج وهو «العفة» و«السكينة»، وقد تمتد إجراءات الطلاق إلى اثني عشر عامًا.

2. فسخ النكاح لأسباب قابلة للعلاج: مثال آخر هو بعض العيوب التي تمنح الحق في فسخ النكاح وفق القانون المدني، والتي كانت سابقًا صعبة العلاج، لكنها أصبحت اليوم قابلة للعلاج بسهولة. ومع ذلك، ما يزال القانون يحافظ على حق الفسخ وفق النصوص القديمة، وهذا يتعارض مع مبدأ «استقرار الأسرة».

3. انعدام الانسجام الداخلي في حق الفسخ: مثال ثالث يتعلق بأمراض مثل البرص والجذام، فإذا أصابت الزوجة، يحق للزوج الفسخ، بينما إذا أصابت الزوج، لا يحق للزوجة الفسخ، رغم أن بعض الفقهاء يرون أن الضرر الواقع على المرأة في هذه الحالة أشد.

جذر المشكلة: من التوقيفية إلى محورية الفتوى
حدّد هداية نيا سببين رئيسيين لهذه الوضعية:

1. الاعتقاد بتوقيفية الأحكام: هذا الرأي يعتبر أن الأحكام الشرعية، خصوصًا في الزواج والطلاق، ثابتة ومعتمدة على نصوص الشارع، ولا يجوز التدخل فيها، مما أدى إلى نقل هذه الأحكام إلى القانون دون مراعاة فلسفة القانون أو الانسجام المنهجي.

2. محورية الفتوى في التشريع: ويعني تحويل الفتوى مباشرة إلى مادة قانونية. فمثلًا، تنص المادة 1085 من القانون المدني بشأن «حق الحبس» للزوجة على اعتراف مطلق بالحق، حتى إذا كان الزوج معسرًا عند العقد، وهذا يتعارض عمليًا مع هدف الزواج في إحداث السكينة.

منهجية الانتقال: حلول للتشريع الفعال
اقترح هداية نيا نهجين رئيسيين للإصلاح والتحول نحو التشريع المنهجي:

1. المنهج الانتقائي: يستخدم هذا في المسائل الفقهية المختلف فيها. وبما أنه لا يوجد فتوى معيارية ملزمة للتشريع في إيران، يمكن للمشرع اختيار الفتوى التي تحقق أهداف النظام القانوني الكبرى. وذكر أمثلة ناجحة مثل تعديل قانون الميراث للزوجة وفق فتوى المرجع الأعلى، تعديل المهور بحسب مؤشر التضخم، وقانون الحجاب الجديد الذي انتقل من أساس العصيان إلى أساس المفسدة.

2. تغيير الحكم الأساسي: في المسائل الإجماعية، لا يكفي المنهج الانتقائي، ويجب الاستفادة من إمكانيات أخرى:

العناوين الفرعية: كالحاجة والحرج والمصلحة لتجاوز الحكم الأصلي، مثل السماح بالإجهاض في حالات خاصة.

الأحكام الحكومية (التدابير الولائية): واستخدم هداية نيا مصطلح «التدابير الحكومية» للحفاظ على اختصاص التشريع الإلهي لله. ومن أمثلة ذلك مساواة الدية بين الرجل والمرأة، إلزام بالاستشارة في دعاوى الطلاق، وتقييد سلطة الأب في تزويج القاصرات.

ضرورة الإقناع العام ووضع ضوابط المصلحة
وحذر هداية نيا من أن استخدام المصلحة في الأحكام الحكومية دون ضوابط واضحة قد يؤدي إلى إفراط أو تفريط. وأوضح أن «ضمان تنفيذ فتوى الفقيه هو الاعتقاد المقلد، أما ضمان تنفيذ القانون فهو القدرة على الإقناع الضميري». ويجب على المشرع تقديم مبرر عقلاني لكل تشريع، وإلا ستضطر القوانين للاعتماد على الوسائل القسرية. وأكد على ضرورة أن يتم وضع ضوابط المصلحة وتفريق «التشريعات الإلهية» عن «التدابير الحكومية» بواسطة المؤسسات العلمية والحوزوية، وليس من قبل الأجهزة السياسية.

أسئلة وأجوبة: من التعميمات القضائية إلى خطر اختيار الفتوى
وفي ختام الندوة، أكد هداية نيا أن أي تعميم قضائي يجب أن يتوافق مع القانون، لكن هذا المبدأ يُهمل عمليًا أحيانًا. وأشار أيضًا إلى ضرورة وضع «مؤشرات معيارية» مثل المصلحة العامة والصحة العامة، لتجنب «اختيار الفتوى التعسفي». وأوضح أن الحل يكمن في إنشاء آليات علمية مستقلة لتحديد الضوابط، بحيث تكون الدولة «منفذة» للشريعة لا «مفسرة» لها.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل