قراءة في هندسة الحرب الجديدة في الاستراتيجية الأميركية ..

دعاة الحرب منهمكون في العمل!

🔹 يقف العالم مرة أخرى أمام سؤال قديم بوجه جديد:
هل دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة من إشعال الحروب واستعراض القوة بصورة مباشرة؟
إن استعراض تطورات الأشهر الأخيرة — من غزّة إلى المواجهة ذات الـ۱۲ يوماً مع إيران، وصولاً إلى التعرض للسفن الفنزويلية — يُظهر أن واشنطن لم تعد مجرد لاعب يعمل من وراء الستار، بل دخلت الساحة بوجه مكشوف وتسعى إلى ترسيخ هندسة جديدة للحرب في النظام الدولي.

🔹 هذه التحولات، خلافاً لبعض التحليلات السطحية، ليست مجرد انحراف عابر أو نتيجة شخصية رئيس معيّن. ما نشهده اليوم امتداد لاستراتيجية عميقة الجذور في السياسة الخارجية الأميركية؛ استراتيجية يتفق عليها الجمهوريون والديمقراطيون، مع اختلاف الأدوات: الحفاظ على الهيمنة العالمية بأي ثمن.

🔹 تُظهر التجربة التاريخية أن أميركا تتأرجح دائماً بين القوة الناعمة والصلبة؛ تارةً على طاولة التفاوض بابتسامة دبلوماسية، وتارةً بالقنابل والبوارج والصواريخ. أما الاختلاف اليوم، وخاصة في عهد ترامب، فهو أن واشنطن لم تعد تبذل جهداً لإخفاء هذا المنطق. فقد تحوّلت الوعود الانتخابية حول «السلام العالمي» سريعاً إلى سياسة «القوة العارية» التي ترى في الحرب جزءًا من عملية تثبيت الهيمنة.

🔹 يمكن تتبّع جذور هذا النهج في الأسس الفكرية والنظرية التي تحكم النخبة الأميركية. فمنذ عهد ريغان مروراً ببوش الأب والابن، بات هذا المنطق أوضح وأكثر عملية. وبعد أحداث 11 سبتمبر، تحولت الحرب في الخطاب الأميركي الرسمي إلى «ضرورة تاريخية». وقد صاغ منظّرون مثل فوكوياما وهنتنغتون فكرة أن النظام العالمي الذي تريده أميركا لا يمكن أن يتشكل من دون صراع وحرب.

🔹 في هذا التصور، تصبح «القوة» هي الأصل، بينما تُهمَّش «الأخلاق». الغزو، والاحتلال، والتعذيب، والعقوبات، لم تعد انحرافاً، بل أدوات مشروعة للسياسة. إن فكرة «حكومة النخب غير الأخلاقية» في أدبيات المحافظين الجدد تعبّر بدقة عن هذا المعنى: من أجل الحفاظ على القوة يجب التحرر من القيود الأخلاقية والإنسانية. ونتيجة هذا المنطق هي عالم أكثر اضطراباً وخطورة، يكون ضحاياه الأساسيون الشعوب المستقلة والدول الرافضة للخضوع.

🔹 وإلى جانب الأسس النظرية، لا يمكن تجاهل الروابط الأيديولوجية والدينية. فبعض النخب السياسية الأميركية، وخصوصاً في اليمين المسيحي، يربطون السياسة الخارجية بتفسيرات آخر زمانية تتقاطع مباشرةً مع مصالح الكيان الصهيوني. في هذا الإطار، لا تكون الحرب في غرب آسيا مأساة إنسانية، بل خطوة في مسار تحقيق رواية أيديولوجية تجعل من القدس وفلسطين وشعوب المنطقة قرابين لها.

🔹 لكن النزعة الحربية الأميركية ليست فكرية وأيديولوجية فقط؛ فاقتصاد الحرب يلعب دوراً حاسماً. فالصناعات العسكرية أحد أعمدة الاقتصاد السياسي الأميركي. كل أزمة، كل تهديد، وكل حرب تعني عقود تسليح بمئات المليارات. من السعودية والإمارات إلى أوروبا، هناك زبائن دائمون لهذا السوق المغموس بالدم. تفعيل القواعد العسكرية، تأجيج التوترات، وحتى إطالة أمد حروب مثل أوكرانيا، كلها تصب في هذا الاتجاه.

🔹 ويلعب الكيان الصهيوني دور الذراع التنفيذية والدافعة. فحرب غزّة وحتى المواجهة ذات الـ۱۲ يوماً مع إيران ليست مجرد نزاعات محلية؛ بل أجزاء من رقعة الهيمنة الأميركية. وعندما يواجه الكيان الصهيوني مأزقاً أو هزيمة، تتدخل أميركا مباشرة، في رسالة واضحة للعالم بأن «القوة النهائية» ما زالت في واشنطن.

🔹 ويظهر المنطق نفسه في التعامل مع دول مثل فنزويلا. فالولايات المتحدة لا تتحمل استقلالاً حقيقياً لأي دولة. فكل بلد يحاول رسم مساره دون إذن واشنطن سيواجه عاجلاً أم آجلاً الضغط أو العقوبات أو العمليات العسكرية، تحت ذرائع مثل مكافحة المخدرات أو الدفاع عن الديمقراطية. وكما أكد قائد الثورة، فإن الخلاف بين الجمهورية الإسلامية وأميركا هو خلاف «جوهري»: بين مَن يسعى للهيمنة ومَن يرفض الخضوع لها.

🔹 لكن السؤال الحاسم هنا:
هل ستؤدي هذه الاستراتيجية إلى تعزيز موقع الولايات المتحدة؟
المؤشرات تدل على العكس. فتصاعد الأحادية واللجوء إلى القوة يدفع الدول نحو تحالفات جديدة. البريكس، التعاونات الإقليمية، والسعي نحو نظام متعدد الأقطاب، كلها ردود فعل مباشرة على هذا السلوك العدواني.

🔹 قد تسعى واشنطن لإرهاب العالم عبر استعراض القوة؛ لكنها عملياً تسرّع من وتيرة أفول هيمنتها.

#روزنامه_صداى_إيران @sedaye_iran_newspaper

ترجمة مركز الإسلام الأصيل

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل