تحليل لادعاء الولايات المتحدة بشأن نهب ثروات فنزويلا …

تحليل لادعاء الولايات المتحدة بشأن نهب ثروات فنزويلا ...

قراصنة القرن الحادي والعشرين

🔹 «طبيعة أمريكا هي فرض الهيمنة، ونهب ثروات الدول الأخرى، وخيانة الحلفاء». يمكن اعتبار هذه العبارة إحدى أهم ركائز النظام السائد في العلاقات الدولية، إذ إنّ الولايات المتحدة تقدّم نفسها بوصفها صانعة للنظام العالمي، وقد رسّخت قواعد هذا النظام منذ اليوم التالي لنهاية الحرب العالمية الثانية.

🔹 إنّ النظرة إلى التاريخ المليء بالحروب والتدخلات الأمريكية تثبت تماماً هذه الحقيقة. وفي الوقت الحالي، هناك جملة قالها دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة بشأن فنزويلا يمكن اعتبارها اختصاراً لقرن كامل من التاريخ في بضع كلمات. فعندما يقول ترامب صراحة: «فنزويلا أخذت حقوقنا النفطية، كان لدينا الكثير من النفط هناك ونريد استعادته كله»، فإنّ الأمر يتجاوز مجرد تصريح سياسي عادي؛ إنه لحظة يكشف فيها منطق القوة الخفي عن نفسه بشكل عارٍ ومباشر.

🔹 هذه التصريحات ليست زلة لسان أو تهوّراً سياسياً، بل اعتراف رسمي بعقلية شكّلت عقوداً من السياسة الخارجية الأمريكية، وظهرت الآن بلا قناع وبأوضح صورة.

🔹 في هذا السياق، ليست المشكلة الأساسية هي فنزويلا نفسها، بل مفهوم الولايات المتحدة للعالم ولموقعها فيه. فعندما يدّعي رئيس بلدٍ ما أن الموارد الطبيعية لدولة أخرى «ملكٌ لنا» ويجب «استعادتها»، فإنه عملياً ينفي حق الشعوب في ملكية أرضها وثرواتها، ويحوّل العالم إلى ساحة لتقسيم الغنائم.

🔹 وهذا تماماً هو المنطق الذي كان يبرّر الاستعمار الكلاسيكي في القرن التاسع عشر، والذي دفع القوى الإمبريالية إلى نهب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. والفرق اليوم ليس في الجوهر، بل فقط في الأدوات وطريقة التعبير.

🔹 ما يقوله ترامب اليوم هو النسخة الصريحة والمباشرة لتلك السياسة التي كانت تُخفى لسنوات خلف عبارات مثل «عقوبات ذكية»، «ضغط أقصى»، و «حماية النظام العالمي». فعندما تجمّد الولايات المتحدة أصول الدول، وتستولي على شحنات النفط، وتفرض سيطرة عسكرية على طرق الطاقة، فإنها تمارس شكلاً حديثاً من «القرصنة» التي كانت تتم قديماً في أعالي البحار.

🔹 في هذا الإطار، لم يعد مفهوم القرصنة مجرد تشبيه إعلامي أو شعار سياسي، بل وصف دقيق لسلوك هيكلي أمريكي. إذ كانت القرصنة التقليدية قائمة على منطق أن الأقوى يحق له الاستيلاء على السفينة وحمولتها، وهذا المنطق نفسه يُطبّق اليوم لكن بلباس رسمي!. فاحتجاز ناقلات النفط بذريعة العقوبات، ومصادرة أموال الدول في البنوك الغربية، وحرمان الشعوب من الوصول إلى ثرواتها، كلها أشكال حديثة لذلك السلوك، تغيّرت فيها الوسائل فقط.

🔹 كما تحمل تصريحات ترامب رسالة خطيرة وواضحة للعالم: إذا كان نفط فنزويلا اليوم «حقاً للولايات المتحدة»، فما الضامن ألا تطالب غداً بثروات دول أخرى بالمنطق نفسه؟

🔹 والأهم هو ألا نختزل هذا المنطق في شخصية ترامب وحده. فالتاريخ المعاصر يُظهر أن هذا النهج ليس محصوراً برئيس معيّن أو حزب واحد. فقد تابع رؤساء وإدارات أمريكية مختلفة الطريق نفسه، وإن اختلفت اللغة المستخدمة.

🔹 فمن احتلال العراق والسيطرة على موارده النفطية، إلى التدخل في ليبيا وسوريا، إلى الضغط المستمر على إيران وفنزويلا، كل ذلك يأتي ضمن إطار تحليلي واحد. وميزة ترامب الوحيدة للمحللين هي أنه يعبّر بصراحة عمّا كان الآخرون يخفونه.

🔹 لذلك فإن محاولة الفصل بين ترامب وبنية السلطة في الولايات المتحدة ليست سوى تقليل لحقيقة الواقع. فترامب ليس استثناءً، بل هو التعبير الصريح عن القاعدة الحاكمة في واشنطن: قاعدة ترى الولايات المتحدة بموجبها نفسها مالكة محتملة لثروات العالم، وتعتبر أي مقاومة لهذا الادعاء «اغتصاباً» أو «تهديداً» أو «زعزعة للاستقرار». وهذا المنظور يضع ادعاءات واشنطن حول القانون الدولي واحترام السيادة الوطنية محلّ تساؤل، ويبيّن أن هذه المفاهيم تبقى صالحة فقط ما دامت لا تتعارض مع مصالح القوة المهيمنة.

#روزنامه_صداى_إيران
@sedaye_iran_newspaper

ترجمة مركز الإسلام الأصيل

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل