سرّ العزّة والنّصر لأيّ دولة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)

تحذير تاريخي مفصليّ لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة حول المجتمع الذي ينسى مسؤولياته:

«إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وُلِّيَ عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يُستجاب لكم».

أفادت وكالة أنباء «الحوزة» أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرّد توصية أخلاقية فردية، بل هو نظام مناعة جماعي؛ إذا كان فاعلًا حمى المجتمع من الأمراض الأخلاقية والاجتماعية، وإذا عُطِّل، اجتاحت عواصف الفساد المجتمع فأحرقت الصالح والطالح معًا.
وفي هذا السياق، يبرز دور الولاية والقيادة الدينية بوصفها الجهة المنظِّمة والموجِّهة لهذا النظام المناعي، وهو دور لا بديل عنه. غير أنّ السؤال الجوهري المطروح هنا هو: ما هي تبعات الغفلة عن هذه الفريضة، وعدم الاكتراث بالقيادة الإلهية؟

وللوقوف على أبعاد هذه المسألة الخطيرة، أجرينا حوارًا مع حجّة الإسلام الشيخ علي أكبر يزديان، الخبير في نهج البلاغة، نضعه بين أيديكم نصًّا كاملًا:


بعد شكرنا لإتاحة هذه الفرصة لوكالة الحوزة الرسمية، نودّ أن نسأل: استنادًا إلى نهج البلاغة، ما هو ثمن الإعراض عن نداء وليّ المسلمين؟

جواب حجّة الإسلام يزديان:

في الجواب عن هذا السؤال، لا بدّ من الرجوع إلى موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ورد في نهج البلاغة والروايات. وما يُستفاد من مجموع هذه النصوص أنّ لهذه الفريضة مكانة رفيعة جدًّا، إلى حدّ أنّ الإمام (عليه السلام) يقول: «بِها تُقامُ الفرائضُ»

أي إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الضامن لإقامة سائر الفرائض الدينية. وهذا التعبير العميق يدلّ على أنّ هذه الفريضة هي بمثابة ربيع الواجبات كلّها، إذ بها تبقى الفرائض حيّة ومفعّلة في الواقع الاجتماعي.

ومن النقاط المهمّة هنا سعة دائرة هذه الفريضة؛ فهي لا تختصّ بمجال معيّن (كالتنبيه على الحجاب مثلًا)، بل تجري في جميع شؤون الحياة الفردية والاجتماعية. فإذا فُعِّلت هذه الفريضة في مختلف المجالات، بقيت سائر الواجبات الإلهية قائمة ومستقرة.

على سبيل المثال، في الحكمة الحادية والثلاثين من نهج البلاغة، حين يذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أركان الإيمان، يقول إنّ المؤمن الحقّ هو من يعيش بالصبر، واليقين، والعدل، والجهاد، وهذه هي الأركان الأربعة الأساسية للإيمان.

ثم يبيّن (عليه السلام) أنّ الجهاد نفسه يقوم على أربعة أسس، ويسأل: من هو المجاهد؟
المجاهد هو الذي:

  1. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
  2. يعادي الفاسقين.
  3. يكون صادقًا في جميع أحواله.

ومن هنا يتّضح أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن من أركان الإيمان نفسه، وهذا هو المستوى الأول من بيان الإمام.


ثم ينتقل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى تحليل واقع المجتمع، وذلك في الحكمة 374 من نهج البلاغة.

في هذه الحكمة، يقسّم الإمام (عليه السلام) الناس في موقفهم من المعروف والمنكر إلى أربعة أصناف:

الصنف الأول (وهو الأفضل): من يعرف المعروف والمنكر بقلبه، وينكر المنكر بلسانه، ويقاومه بعمله. هؤلاء يجمعون بين المعرفة والقول والفعل.

الصنف الثاني: من يعرف المعروف والمنكر، وينكره بلسانه، لكنّه لا يتصدّى له عمليًّا.

الصنف الثالث: من يعرف المنكر في قلبه فقط، دون إنكار باللسان أو الفعل. ويقول الإمام (عليه السلام) إنّ هؤلاء تركوا خصلتين فاضلتين واكتفوا بواحدة.

الصنف الرابع: من لا يعرف بقلبه، ولا ينكر بلسانه، ولا يقاوم بعمله. ويصفهم الإمام بقوله: «أولئك أحياءٌ في الأموات، وأمواتٌ في الأحياء». أي إنّهم بلا قيمة اجتماعية، لا يحملون همّ المجتمع ولا يشعرون بمسؤوليته.

ويؤكّد الإمام في ختام هذه الحكمة أنّ المؤمن الحقّ لا يسكت عن قول الحقّ حتى في مواجهة الحاكم الجائر والطاغوت. فإذا كان هذا هو التكليف تجاه الحاكم الظالم، فمن باب أولى أن يكون الإنكار والنصيحة أشدّ وجوبًا تجاه الحاكم الإسلامي أو المسؤول الذي يخطئ.


أمّا النقطة التالية فهي: إذا لم تتجلَّ هذه الروح الجهادية، وروح تحمّل المسؤولية، في تديننا العملي؛ وإذا لم يتحقّق نمطُ عيشٍ إيمانيٌّ مقترنٌ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مستوياته الثلاثة: مستوى الإدراك والمعرفة، ومستوى البيان باللسان، ومستوى الإنكار العملي؛ فما هي العاقبة؟ وما المآل الذي ستنتهي إليه مثل هذه الجماعة؟

إنّ الجواب عن هذا السؤال التحذيري قد بيّنه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب 47 من نهج البلاغة، وهو وصيّة ذات طابع إلهي–سياسي. ففي ختام الفقرة الأولى من هذا الكتاب، ينبّه الإمام إلى بلاءٍ خطير إذا تفشّى في المجتمع وابتُلي به الناس، فإنّ شقاءً ونكبةً ستحلّ بهم، لن يكون تداركها أو جبرها أمرًا يسيرًا.

وهذا البلاء، وهذه العاقبة الوخيمة، ليستا سوى الأثر التدميري لترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الطاعة للإمام ووليّ أمر المسلمين في المجتمع. وهو تحذيرٌ سبق أن أكّد عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) مرارًا في مواضع متعدّدة من نهج البلاغة.

وفي الخطبة 136، يصف الإمام عليّ (عليه السلام) حال الناس بلهجةٍ شديدة فيقول: «ولَيْسَ أَمْرِي وأَمْرُكُمْ وَاحِداً، إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ، وأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لأَنْفُسِكُمْ».

وهذا الكلام يكشف عن انحرافٍ عميق؛ إذ إنّ الناس بايعوا الإمام بنظرةٍ دنيويّة، ومع ذلك قصّروا في نصرته، حتى في حدود مصالحهم الدنيويّة نفسها.

أمّا النتيجة العمليّة لذلك، فإذا اتّسعت رقعة هذا التخاذل والتمرّد؛ وإذا لم تُراعَ طاعةُ وليّ أمر المسلمين؛ وإذا عُطِّلت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وإذا ضعفت حالة الالتزام بالشريعة؛ فإنّ المآل لن يكون إلا الفساد والانهيار.

ولهذا يعبّر أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكتاب 47 من نهج البلاغة، في ختام الفقرة الأولى منه، عن هذه العاقبة المشؤومة بأشدّ العبارات تحذيرًا (التي تقدمت أعلاه)، إذ يقول: «لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ…».

*ترجمة مركز الإسلام الأصيل

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل