ما هو الموقف الاسلامی من قضیة العالم الموازی الذی یدّعی الغربیون التوصل الیه؟

قبل الاجابة عن التساؤل المطروح لابد من تحدید المراد من العالم الموازی، و ما هی حقیقته؟

الف: ماهیة العالم الموازی

ذکر الفیزیاویون للعالم الموازی ثلاثة أنواع.[1]

1. عالم الابعاد العلیا (Hyperspace)

2. العوالم متعددة الاطراف (Multiverse)

3. العوالم الموازیة کوانتومی.

یحکم العقل السلیم بان عالمنا المادی یتألف من ثلاثة ابعاد (الطول و العرض و الارتفاع). و یمکن تعریف کل شیء – بأی وضع کان – من خلال هذه الابعاد الثلاثة. و یعد الفضاء ثلاثی الابعاد، الاساس الذی شیدت علیه الهندسة الیونانیة.[2] و لکن هناک من الباحثین و المفکرین من أثبت وجود أبعاد أخرى فی العالم، و بهذا حطم جدار نظریة الابعاد الثلاثة التی کانت مهیمنة على الفکر البشری، و أشار الى ابعاد اخرى خفیة و غیر مرئیة الى جانب البعد المرئی. و قد بنى کارل کارس الریاضی المعروف فی القرن التاسع عشر معادلاته على وجود البعد الرابع (الفضاء- الزمان).[3] و من ثم جاء انیشتاین لیشید نظریته النسبیة على تلک المعادلات. و فی سنة 1919م أثار الفیزیاوی المعروف تؤدور کالوزا قضیة وجود البعد الخامس (الزمان).[4] بل اوصلتها نظریة استرینک الى عشرة ابعاد.[5] و فی العام 1994م اضاف کل من ادوارد فیتن و بال تواسند بعدا جدیدا لیصل العدد الى أحد عشر بعداً.[6] أضف الى ذلک أنه لیس من الضروری صغر تلک الابعاد و العوالم، بل قد یکون بعضها غیر متناه فی الکبر؛ بمعنى امکانیة کون عالمنا جزءاً من عالم متعدد الابعاد. بل یصل عدد تلک العوالم الى المیلیارات تخمینا.[7] یقول العلماء: یحتمل احتمالا یقرب من الیقین بان اکثر العوالم الموازیة عوالم میته، تتألف من الاجزاء و الذرات تحت الذریة کالالکترون و النیوترون. فقد یکون النیوترون فی تلک العوالم بحالة متزلزلة یندثر تدریجیا و بالنتیجة لم تحصل الاجسام المرکبة.[8]

و الجدیر بالذکر ان الباحثین مختلفون فی قضیة العوالم الموازیة. حیث یرى البعض انها و لیدة خاصیة الهولوجرافیک (التوهیمیة) للذهن البشری و انها عوالم مجازیة.[9] و هناک من یذهب الى کونها عوالم واقعیة محسوسة.

ب) الاسلام و العوالم الموازیة

یوجد فی بعض المتون و المعارف الاسلامیة بعض الشواهد على وجود العوالم الموازیة، بل هناک بعض المعارف و المفاهیم الاسلامیة لا یمکن تفسیرها علمیاً الا من خلال هذه النظریة؛ کقضیة المیثاق الالهی المأخوذ من ذریة آدم و الذی تعرضت له الآیة 172 من سورة الاعراف[10]، و وجود الافلاک و السماوات المتعددة إذ هناک الکثیر من الآیات التی عبرت عن السموات بصورة الجمع[11]، و وجود عالم الجن، و معراج النبی الاکرم (ص) کما فی احادیث المعراج.

علما ان بعض نظریات الفلاسفة و العرفان الاسلامی تؤید هی الاخرى وجود العالم الموازی. فقد عبر الفلاسفة المسلمون عن الکون بالعالم. و قد ورد فی دائرة المعارف عدة تعاریف للعالم، منها:

انه یعنی جمیع الموجودات ما سوى الله تعالى هذا بالنسبة للمؤمنین، و أما غیر المؤمنین فیطلقونه و یریدون به مجموع الموجودات، و قال بعض القدماء بان المراد منه جمیع الموجودات الجسمانیة، و یستعمل حسب النظریة البطلیموسیة فی الافلاک التسعة. و اما المؤمنون بوجود عالم آخر غیر العالم الجسمانی، فهولاء یؤمنون بعالمین، العالم الروحانی و العالم الجسمانی. ثم ان علماء الاسلام و المفسرین و المتکلمین اطلقوا على هذین العالمین عدة اسماء کلها مقتبسة من القرآن الکریم من قبیل: عالم الخلق (العالم الجسمانی) و عالم الأمر ( یعنی غیر الجسمانی)؛ او عالم الشهادة (عالم المحسوسات) و عالم الغیب (غیر المحسوسات و غیر الجسمانی). و من تلک الاسماء عالم الملک و عالم الملکوت و عالم التکوین و الأزل و عالم الطبع و عالم العقل، و العالم الکلی و الجزئی.

ثم ان شیخ الاشراق أوصل عدد العوالم الى اربعة:

1. عالم العقول و الملائکة المقربین و بحسب اصطلاحه عالم الانوار القاهرة؛

2. عالم النفوس، أی عالم الانوار المدبرة؛

3. عالم البرزخیین، و یراد به عالم الحس و عالم الافلاک و النجوم عالم العناصر؛

4. عالم المثال و الخیال، و حسب اصطلاحه عالم الصور المعلقة الظلمانیة و المستنیرة؛ و یندرج تحته ارواح الاشقیاء و السعداء.

و ذکروا لعالم الغیب – و تحت تأثیر الحکمة الافلاطونیة و مذهب المتصوفة- عدة تقسیمات، من قبیل: عالم الملکوت و عالم الجبروت، و یراد من عالم الملکوت عالم الحقائق و العقول و الارواح، و اما عالم الجبروت فهو عالم البرزخ حسب رأی البعض، یعنی العالم الاوسط بین الجسمانیات و الروحانیات، و یطلق علیه ایضا عالم المثال. و بعضهم من قال: بان عالم الجبروت هو عالم الاسماء و الصفات. و ذهب الغزالی الى اعتبار اللوح المحفظ ضمن عالم الملکوت، و ادرجه عبد الرزاق الکاشانی ضمن عالم الجبروت. و اما الملا صدرا فذهب الى کون العوالم ثلاثة: عالم العقل، و عالم الخیال، و عالم الحس. و أوصلها القیصری فی مقدمة شرح فصوص الحکم الى خمسة عوالم: عالم الاعیان الثابتة، عالم الملک، عالم العقول و النفوس المجردة، عالم المثال، و العالم الانسانی الجامع لجمیع العوالم. اما المتصوفة فقالوا: ان جمیع موجودات العالم تمثل العالم الکبیر، و لما کان الانسان مظهرا و جامعا لکافة العوالم من هنا اطلق علیه العالم الصغیر. و اما عالم اللاهوت ( یعنی العالم الالهی) فقد کثر استعماله عند الحلاج و هو یعادل الى حد ما عالم الغیب، و یقع فی مقابله عالم الناسوت ( المشتق من الناس و یعنی العالم الانسانی) و الذی یعادل عالم الشهادة.[12]



[1] میجیو کاکو (1389). فیزیک غیر ممکن­ها= فیزیاء اللاممکن، مترجم، جنابزاده، حمید، ص 204، روشنگران و مطالعات زنان، طهران.

[2]نفس المصدر، ص 204- 205.

[3]نفس المصدر 205.

[4] نفس المصدر، ص206.

[5]نفس المصدر، ص210.

[6]نفس المصدر، ص211.

[7]نفس المصدر، ص212.

[8]نفس المصدر، ص213.

[9] مایکل تالبوت (1385). جهان هولوگرافیک، مترجم، مهرجویی، داریوش، ص 87، طهران، هرمس.

[10] «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی‏ شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ».

[11] من قبیل الآیات 33، 107، 116، 117، 164، 255 و 284من سورة البقرة.

[12] غلامحسین مصاحب (1380). دائرة المعارف الفارسیة، ج 2. طهران: علمی و فرهنگی، ص1653.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

السٶال: دار نقاش بين بعض المؤمنين مفاده ان احد المؤمنين ذهب للعمره واستظل في النهار ويمتنع عن دفع الكفارة لقوله ان بعض الاحكام لا توافق العقل وكذلك في الامتناع عن شم العطور في الحج وفي نفس الوقت اذا صادف ان هناك روائح كريهة فلابد من عدم تغطية الانف..الخ وحسب قوله كل ما خالف عقلي لن أمتثل إليه كون الدين دين العقل، نحن بدورنا حاولنا اقناعه حسب علمنا فحبذا لو أعطيتمونا جوابا يرفع هذه الشبهات ويزيل هذا التعارض ان دين الله لا يصاب بالعقول وفي نفس الوقت نقول ان الدين دين العقل ؟
السؤال: لماذا يُعَدّ دينُ الإسلام الدّينَ الأكمل؟ وهل كانت الأديان السّابقة ناقصة؟
السؤال: ورد في الحديث عن الأئمّة عليهم السلام: نحن حجة الله على خلقه وأمّنا فاطمة حجة الله علينا. ما معنى "وأمّنا فاطمة حجة الله علينا"؟
السؤال: كيف نجمع بين هاتين الروايتين: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم، وأزوجكم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء. والرواية الثانية: عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : وإن الله عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة من علي (عليهما السلام) ؟
السؤال: كيف كان أهلُ البيت عليهم السلام -وهم قمّة الطهارة ومعادن العصمة- يخرّون خشوعاً ويغشى عليهم من خشية اللّٰه، بينما نقف نحن الملوّثون بالذنوب أمام ربّ العالمين بهذا القدر من الجرأة والغفلة؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل