أكّد حجة الإسلام والمسلمين باقريكيا، أستاذ الحوزة العلمية في خراسان، في حديثه لمراسل وكالة أنباء الحوزة من مشهد المقدسة، وبمناسبة حلول أيام العبودية والمناجاة المباركة (شهر رجب)، على تبيين حقيقة نزوع الإنسان الفطري نحو الكمال.
وأوضح قائلًا: إن الميل إلى الكمال مغروس في ذات كل إنسان، فجميع البشر خُلقوا مفطورين على طلب الكمال، وهذه السمة جزء من فطرة الإنسان، وإن اختلفت مظاهرها وسبل توجيهها من شخص إلى آخر.
وأضاف أستاذ الحوزة العلمية في خراسان أن الإنسان يمتلك أبعادًا وجودية متعددة، فهو يجمع بين الطبيعة، والغريزة، والعقل، والفطرة، غير أن ما يميّزه عن سائر الموجودات هو فطرته الإلهية. فجميع الناس يولدون وهم يحملون هذه الفطرة، غير أن هدايتها أو انحرافها يرتبط بخيارات الإنسان ومسار حياته.
وفي معرض طرحه لسؤال: «أين يتحقق كمال الإنسان؟» شدّد على أن الجواب، من منظور مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، واضح كل الوضوح؛ فكمال الإنسان يتحقق في عبودية الله تعالى. والتمام الذي ينشده الإنسان لا معنى له إلا في إطار العبودية لله، وهذه العبودية لا تُسلك وفق الأهواء الشخصية، بل عبر الطريق الإلهي المرسوم.
وتابع قائلاً: إن الدين هو بمعنى الطريق والمنهج في العبودية، أي إن الإنسان ينبغي أن يسلك درب العبودية من خلال دين الله. والدين مجموعة من العقائد والأخلاق والأحكام، غير أن أهم أبعاده هو توجيه الإنسان عمليًا نحو القرب الإلهي.
الصلاة؛ أقوى سبيل عملي لعبودية الله
وأكد حجة الإسلام والمسلمين باقريكيا على المكانة المحورية للصلاة في السلوك الروحي، قائلاً: إن أقوى وأكثر السبل العملية تأثيرًا في التوجّه إلى الله تعالى، وتحقيق التوكّل الحقيقي، وسير الإنسان نحو الكمال، هو الصلاة. فليس في مقام العمل طريق أبلغ ولا أنفذ من الصلاة.
وأضاف: إلى جانب الصلاة، توجد وسائل متعددة للالتفات إلى الله تعالى، من قبيل الاستغفار، وتلاوة القرآن، والذكر، والصلاة على النبي الأكرم وأهل بيته (عليهم السلام)، والدعاء؛ غير أن الصلاة تتصدر جميع هذه الأعمال. وبعد الصلاة، يأتي الدعاء بوصفه أحد أهم مظاهر الارتباط بين العبد وربه.
وبيّن أن الروايات تؤكد أن من يوفَّق للدعاء لا يُحرَم من الإجابة، ومن يُوفَّق للاستغفار لا يُحرَم من المغفرة، ومن يُوفَّق للتوبة ينال قبول التوبة، ومن يُوفَّق للشكر لا يُحرَم من زيادة النعم.
وأشار إلى الفرق بين الدعاء والمناجاة، موضحًا أن الدعاء هو طلب وسؤال من الله، أما المناجاة فهي حديث العاشق مع ربه، وإظهار الفقر والمحبة في حضرة الله. فالله تعالى يحب أن يطلب عبده منه، وأن يمدّ يده بالحاجة إلى خالقه.
من الاستغفار من الذنب إلى الاستغفار العرفاني
وفي سياق حديثه عن الاستغفار، قال: إن للاستغفار مراتب متعددة؛ فأدناها الاستغفار من الذنوب، غير أن هناك مراتب أرقى ذات أهمية خاصة في مسار السلوك الروحي.
وأضاف: بعض الناس يستغفرون من الذنوب، وآخرون من ترك الواجبات أو تضييع الأولويات، وآخرون من الحرمان من المستحبات، بل إن بعضهم يستغفر حتى من الغفلات القلبية. وقد كان الأنبياء والأولياء الإلهيون يستغفرون أيضًا، لا لاقترافهم الذنب، بل لإدراكهم عظمة الله، ووعيهم بحدود الإنسان الذاتية.
وأكد أن للاستغفار ثقافة عرفانية عميقة، فهو تعبير عن فقر الإنسان الذاتي في مقابل غنى الله المطلق، وكلما ازدادت معرفة الإنسان بالله، ازداد استغفاره عمقًا.
وأشار إلى أن سؤال الناس يورث الذل، بينما سؤال الله عز وجل يورث العزّة، مستشهدًا بالروايات التي تؤكد أن من يرفع يديه إلى الله بالدعاء يزداد كرامة ورفعة.
وفي ختام حديثه، شدّد حجة الإسلام والمسلمين باقريكيا على ضرورة اغتنام الفرص الروحية في مواسم العبادة، مؤكّدًا أن الدعاء، والصلاة، والصوم، والاستغفار، والذكر، والشكر، هي الأدوات الأساسية للسلوك الروحي، وكلما داوم الإنسان عليها، ازداد نصيبه من رحمة الله وعناياته الإلهية.
*ترجمة مركز الإسلام الأصيل
