لقد ذكر العلماء جملة من الادلة التي تشير الى استحباب زيارة الاربعين، وبحسب التتبع وجدت ان من أبرز الأدلة التي ذكروها هو التالي:
رواية الإمام العسكري عليه السلام
روي عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام انه قال: “علامات المؤمن خمس: صلاة احدى وخمسين وزيارة الاربعين والتختم في اليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم[1]”[2].
وقد استدل على استحباب زيارة الحسين عليه السلام في يوم الاربعين من خلال كلمة الامام “زيارة الاربعين”.
وقد ذكر العلماء في هذا الاستدلال وجوها، أهمها:
ما فهمه العلماء في زمن الصدور وما بعده والى يومك هذا ان المراد من الاربعين خصوصا زيارة الحسين عليه السلام في يوم اربعينه[3]، بل وما سار على هذا الفهم عموم شيعة اهل البيت عليهم السلام كما سيأتي ويمكن تقريب هذا الوجه الذي فهمه العلماء بل وعموم الشيعة من خلال مجموعة من النقاط:
النقطة الاولى
ورود كلمة “أربعين” محلاة بالالف واللام، ولا شك ان المراد من هذه الالف واللام خصوص العهد لا غيرها، ومن المعلوم ان الالف واللام العهدية اذا دخلت على نكرة حولتها الى معرفة مشخّصة معروفة عند المخاطب فلا يصح مثلا ان تطلب من شخص ان يكرم الرجل ويتعاهد زيارته في الليل والنهار وهو لا يعرفه ولا يشخصه من الخارج، بل لا بد من افتراضه شخصا معهودا عند الآمر والمخاطب معا، وقد ورد نظير هذا الامر في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلً﴾[[4] فان ال في (الرسول) للعهد، لأنه معهود لدى المخاطب حيث سبق ذكره في الاية التي قبلها.
النقطة الثانية
ان كلمة المؤمن في ضمن الثقافة الشيعية والفقهية تنصرف الى خصوص الشيعي الموالي لاهل البيت عليهم السلام، يقول رسول جعفريان في مجال تراثنا: “وفي الوقت نفسه يجب ملاحظة نوع اخر من التمييز بين المسلم والمؤمن في كلام اهل البيت عليهم السلام حيث اطلق لفظ المؤمن على خصوص الشيعة واطلق لفظ المسلم على الشيعة وعلى غيرهم، مثل هذه التقسيمات تراها واضحة في كلام الشيخ المفيد في ما يتعلق بتعريف دار الايمان ودار الاسلام حيث كتب في دار الايمان ودار الاسلام قائلا: كل موضع غلب فيه الايمان فهو دار ايمان وكل موضع غلب فيه الاسلام دون الايمان فهو دار اسلام… صقع من بلاد الاسلام ظهرت فيه شرائع الاسلام دون القول بامامة آل محمد أنه دار اسلام لا دار ايمان”[5].
وعلى اساس ما تقدم يمكن ان نحمل كلمة “المؤمن” التي وردت في حديث الامام العسكري عليه السلام على وفق هذه النظرية المعمول بها فتكون زيارة الحسين عليه السلام من علامات المؤمنين الموالين لاهل البيت عليهم السلام كما هو واقع الحال.
النقطة الثالثة
الفترة التي عاشها الامام الحسن العسكري عليه السلام كانت فترة خاصة جدا، حيث جاءت ولادته في زمن اعتى واقسى ملك من ملوك بني العباس ألا وهو المتوكل الذي شهدت كتب التاريخ بأجمعها على مآثره الظالمة اتجاه ائمة اهل البيت عليهم السلام وشيعتهم حيث ملئت السجون في وقته بالسادة والفضلاء والعلماء من ابناء علي وفاطمة عليهما السلام ناهيك عن الشيعة الموالين، وكانت من جملة مظالمه الشديدة امره بحفر قبر الحسين عليه السلام بشكل ملفت للنظر، حيث أمر بحفره وبذر البذور عليه وتحويله الى ارض زراعية عادية من اجل قطع الطريق لمعرفة مكان هذا القبر الشريف على الزائرين له في الليل والنهار كما اصدر الاوامر في قتل وجلد وحبس ومصادرة اموال كل من يخالف مثل هذه التعاليم الجديدة من قبله.
يقول الطبري في تاريخه: “ذكر خبر هدم قبر الحسين بن علي – عليهما السلام- : وفيها (سنة 236) امر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي – عليهما السلام – وهدم ما حوله من المنازل والدور، وان يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وان يمنع الناس من اتيانه، فذكر ان عامل صاحب الشرطة نادي في الناحيه: من وجدناه عند قبر الحسين عليه السلام بعد ثلاثة بعثا به الى المطبق[6] فهرب الناس وامتنعوا من المصير اليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه”[7].
ويقول المسعودي: “وكان آل ابي طالب قبل خلافته (اي المنتصر) في محنة عظيمة وخوف على دمائهم، قد منعوا زيارة قبر الحسين عليه السلام والغري من ارض الكوفة، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد وكان الامر بذلك من المتوكل سنة ست وثلاثين ومائتين، وفيها امر المعروف بالذيريج بالسير الى قبر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وهدمه، ومحو ارضه، وازالة اثره وان يعاقب من وجد به، فبذل الرغائب لمن تقدم على هذا القبر، فكل قد خشي العقوبة واحجم…”[8].
وعلى اساس ذلك فقد كان ظرف الموالين ظرفا خاصا يحتاج الى عمل خاص من قبل الائمة في ابقاء هذه الشعلة وهاجة في قلوب المؤمنين وعدم اخمادها من قبل الظالمين، وكان للامام العسكري عليه السلام حث على زيارة الحسين عليه السلام من خلال طريقين، الاول من خلال الاحاديث التي صدرت عنه وحثت على زيارته وتحدى الارهاب العباسي المتوكلي تجاه زائري قبر الحسين عليه السلام، والثاني باشره بنفسه الشريفة حيث امره ان يستأجر له رجل من الثقات ليدعوا له عند الحسين عليه السلام دون غيره من قبور آبائه وأجداده الطاهرين.
فقد نقل السيد تحسين شبيب في كتابه مرقد الامام الحسين عليه السلام: “وفي رواية اخرى عن ابي هاشم الجعفري[9] قال: دخلت انا ومحمد بن حمزة عليه (أي الامام الحسن العسكري عليه السلام) نعوده وهو عليل فقال لنا: وجهوا قوما الى الحائر من مالي فلما خرجنا من عنده قال لي محمد بن حمزه: انسير بوجهنا الى الحائر وهو بمنزلة من في الحائر قال: فعدت إليه فأخبرته فقال لي: ليس هو هكذا ان لله مواضع يحب ان يعبد فيها وحائر الحسين عليه السلام من تلك المواضع”[10].
وعلى اساس ما تقدم يمكن حمل رواية زيارة الاربعين للامام الحسن العسكري عليه السلام المتقدمة على خصوص زيارة الحسين عليه السلام لا سيما في هذا الظرف الخاص الذي عاشه الامام عليه السلام كما عرفنا بيانه فيما تقدم.
المصدر: الأربعين وفلسفة المشي إلى الحسين (عليه السلام) – بتصرف
[1] – مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: 788، تهذيب الأحكام: 6/52.
[2] – وقد عقد اتلحر العاملي في مسائله باباً تحت عنوان باب استحباب زيارة الحسين عليه السلام يوم الأربعين فراجع.
[3] – وسيأتي بعد ذلك رأي شاذ سنناقشه أن المراد من الأربعين خصوص زيارة أربعين مؤمناً.
[4] – المزمل: 15-16.
[5] – منهاج الصالحين للسيد السيستاني: 1/مسألة 1259.
[6] – المطبق: سجن مظلم تحت الأرض.
[7] – تاريخ الطبري: 9/185.
[8] – مروج الذهب للمسعودي:4/52.
[9] رويت مثل هذه الرواية عن أبي هاشم الجعفري عن الإمام علي بن محمد الهادي عليهما السلام في بعض المصادر، ولا إشكال في ذلك حيث إنّ عصر الإمامين متداخل وقد عاصر كل من الإمامين المتوكل وآثاره السيئة عليهما وعلى شيعتهما، وبالتالي تكون هذه الرواية أيضاً شاهداً على حث كل من الإمامين على زيارة الحسين عليه السلام لما تقدم من الأسباب.
[10] -مرقد الإمام الحسين عليه السلام للسيد تحسين آل شبيب: 82.