خطاب القائد
بسم الله الرحمن الرحيم
الأربعون؛ صمود في مواجهة الاستكبار
ما جرى أيضاً في أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) هو مواجهة ومقاومة لنظام مستكبر؛ بمعنى أنّ تحرّك عائلة الامام (عليه السلام) -من أيّة جهة جاؤوا وكانوا، من الشام أو من المدينة إلى كربلاء- لإحياء واقعة عاشوراء؛ كانت حادثة مقاومة وواقعة شهادة. وهذه الحوادث قد التحمت وامتزج بعضها ببعض.
يمكننا نحن أن نستفيد من معاني هذه الحوادث، التي لا تُحصى، من أجل تقدُّم ثورتنا؛ وهنا توجد نقطة، وهي: إنّ المقاومة في وجه القوى الشيطانيّة لا تعرف زماناً معيّناً ومكاناً محدّداً وشريحة محدّدة من المجتمع، ولا ظروفاً اجتماعيّة وعالميّة مختلفة.
هذا هو السرّ، الذي بسبب عدم الالتفات إليه، ابتُلي كثيرون في الماضي وفي عصرنا أيضاً بالتحفّظ والمهادنة والتراجع في قبال القوى المتسلّطة، لأنّهم لم يعرفوا هذا السرّ؛ أي أنّه لم يكن لديهم إحساس وشعور بأنّ المقاومة والإصرار على القيم المقبولة لا تعرف ظروفاً مساعدة أو غير مؤاتية؛ هي أبديّة؛ في كلّ مكان وبالنسبة إلى كلّ شخص.
تثبيت سنّة الزيارة وإحياء ذكرى كربلاء في الأربعين
من أين تأتي أهمّيّة الأربعين؟ ما هي خصوصيّة مرور أربعين يوماً؟ إنّ خصوصيّة الأربعين هي حياة ذكرى شهادة الحسين (عليه السلام). افرضوا أنّه حصلت هذه الشهادة العظيمة في التاريخ؛ أي استشهاد الحسين بن عليّ عليهما السلام وبقيّة شهداء كربلاء، واستطاع بنو أميّة -مثلما أنّهم في ذلك اليوم قتلوا الحسين بن عليّ (عليهما السلام، وأصحابه، وأزالوهم وأخفوا أجسادهم المطهّرة تحت التراب- محو ذكراهم من أذهان جيل النّاس في ذلك اليوم وفي الأيّام اللاحقة، فما هي فائدة هذه الشهادة بالنسبة إلى العالم الإسلاميّ؟! أو إذا ما تركت أثراً في ذلك اليوم، فهل سيكون لهذه الذكرى بالنسبة إلى الأجيال الآتية أثر مبين وفاضح للظلمات والظلم والآلام والمرارات وفاضح لليزيديّين في حقب التاريخ التي ستلي؟ إذا ما استُشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، ولم يفهم أهل ذلك اليوم والنّاس والأجيال الآتية أنّه قد استُشهد، فما هو الأثر والدور الذي يمكن أن تتركه هذه الخاطرة في رشد وبناء وتوجيه وحثّ الشعوب وتحريك المجتمعات والتاريخ؟ تعرفون أنّه لن يكون له أثر.
نعم، يصل الإمام الحسين (عليه السلام) بشهادته إلى أعلى عليّين؛ هناك شهداء لا يعرفهم أحد وقد مضوا في الغربة وطواهم الصمت والسكوت، هم سيصلون إلى أجرهم في الآخرة، وستنال أرواحهم الفتح والرحمة في المحضر الإلهيّ، لكن كم ستكون درساً وأسوة؟
فـإلى أيّ حدٍّ يصبح الشهداء أسوة؟ تصبح سيرة ذلك الشهيد درساً عندما تعرف وتسمع الأجيال المعاصرة والآتية بمظلوميّته وشهادته. يصبح ذلك الشهيد أسوة ودرساً عندما يفور دمه ويصبح سيّالاً في التاريخ. يمكن لمظلوميّة أمّة أن تبلسم جرح جسد مظلوم وترفع السياط عن أمّة وتداوي جراحها، وعندما يتسنّى لهذه المظلوميّة أن تنادي وتصدح، وأن تصل إلى مسامع النّاس الآخرين؛ ولهذا السبب فإنّ المستكبرين في عصرنا الحاضر يصدحون ويرفعون أصواتهم تترى حتّى لا يرتفع صوتنا؛ ومن أجل ذلك هم حاضرون لصرف الأموال الطائلة حتّى لا تفهم شعوب العالم لماذا كانت الحرب المفروضة على الجمهوريّة الإسلاميّة، وما هي الدوافع والأسباب والأيدي المحرّكة لها.
في ذلك اليوم، كانت الأجهزة الاستكباريّة على استعداد لبذل كلّ ما لديها حتّى لا يبقى ولا يعرف اسم الحسين ودم الحسين وشهادة عاشوراء كدرس لناس ذلك الزمان وللشعوب التي ستأتي فيما بعد. بالتأكيد هم في بداية الأمر ما فهموا قيمة هذه المسألة وكم هي عظيمة، لكن مع مرور الوقت عرفوا ذلك، حتّى إنّهم في أواسط العهد العبّاسيّ دمّروا قبر الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وأجروا الماء عليه وأرادوا أن لا يبقى له أثر.
وهذا هو دور ذكرى الشهداء والشهادة. فـالشهادة من دون خاطرة وذكرى ومن دون غليان دماء الشهيد لا تؤثّر أثرها، والأربعون هو ذلك اليوم الذي بدأ فيه رفع علم رسالة شهادة كربلاء عالياً ويوم تخليد ذكرى ورثة الشهداء. وهنا، سواء قدِمت عائلة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء في الأربعين الأوّل أم لم تأتِ.
أمّا الأربعون الأوّل فهو اليوم الذي جاء فيه الزوّار العارفون بالإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء للمرّة الأولى. فقد جاء إلى هناك جابر بن عبدالله الأنصاريّ، وعطيّة، وهما من صحابة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وحواريّي أمير المؤمنين (عليه السلام) . وكما جاء في الأخبار والروايات أنّ جابراً كان كفيفاً وأخذ عطيّة بيده ووضعها على قبر الحسين. لمس القبر وبكى وتكلّم مع الحسين (عليه السلام). فبمجيئه وكلامه قد أحيا ذكرى الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، وثبّت سنة زيارة قبر الشهداء. إنّ يوم الأربعين هي على هذا القدر من الأهمّيّة.
إنّ توجّه عائلة الإمام الحسين (عليه السلام) في أي مكان كانوا- من المدينة أم من الشام- إلى كربلاء لأجل إحياء واقعة عاشوراء، كانت حادثة مقاومة وحادثة شهادة.
الأربعون؛ حركة امتداد عاشوراء
في الحقيقة، كانت مسألة القدوم إلى مزار سيّد الشهداء امتداداً لحركة عاشوراء. فقد أراد من خلال هذا العمل أن يفهموا أتباع الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وأصحاب عائلة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين الذين وقعوا تحت تأثير هذه الحادثة أنّها لم تنته، وأنّ المسألة لا تنتهي بالقتل والدفن والأسر، ومن ثمّ تحرير الأسرى؛ بل هي مستمرّة. تُذكّر الشيعة أنّ هنا محلّ اجتماعكم؛ وهنا الميعاد الكبير الذي سيعيد التذكير بهدف المجتمع الشيعيّ والهدف الإسلاميّ الكبير لمجتمع المسلمين. وإنّ تشكيل النظام الإسلاميّ والسعي في سبيله ولو اقتضى الشهادة هو بذلك الوضع! وهو الشيء الذي لا ينبغي أن يذهب من ذاكرة المسلمين وأن تبقى ذكراه حيّة دائماً. لقد كان مجيء آل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والإمام السجّاد وزينب الكبرى (عليهما السلام) إلى كربلاء لهذا الغرض.
لقد تفتّح أوّل البراعم العاشورائيّة في الأربعين. وظهر أوّل الينابيع الفوّارة للمحبّة الحسينيّة التي أجرت على الدوام شاطئ الزيارة خلال كلّ تلك القرون. ولقد جذب المغناطيس ذو الجاذبيّة العالية القلوب الأوائل نحوه في الأربعين. وكان ذهاب جابر ابن عبد الله وعطيّة لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين بداية حركة تفيض بالبركة حيث أصبحت خلال القرون وإلى يومنا هذا متّصلة وغدت شيئاً فشيئاً أكثر عظمة وغاية في الجذب وأكثر هيجاناً وحياة وأصبح اسم الحسين وذكره يوماً بعد يوم أكثر حياة في العالم.
نعم، كانت بداية جاذبيّة المغناطيس الحسينيّ في يوم الأربعين، فقد أيقظت جابر بن عبدالله من المدينة وسحبته إلى كربلاء. وهذه الجاذبة المغناطيسيّة هي نفسها اليوم التي تجذبنا أنا وأنتم بعد مضي قرون متمادية. فـالذين استقرّت في قلوبهم معرفة أهل البيت (عليهم السلام) يحيا عشق كربلاء وشغفهم بها دائماً في قلوبهم. وهذا قد بدأ منذ ذلك اليوم؛ عشق التربة الحسينيّة ومرقد سيّد الشهداء (عليه السلام).
كان جابر من مجاهدي صدر الإسلام الأوّل؛ من أصحاب بدر؛ أي أنّه كان في خدمة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله قبل ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وجاهد إلى جانبه؛ وكان قد شهد بعينه طفولة الحسين، ولادته، نموّه، نشوءه. ومن المتيقّن به أنّ جابراً كان قد رأى مرّات عديدة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يحضن
الحسين (عليه السلام) ويقبّل عينيه ووجهه ويطعمه بيده ويسقيه؛ من المحتمل بقوّة أنّ جابر بن عبد الله قد رأى بعينَيه هذا كلّه؛ ومن المحتوم أنّ جابراً قد سمع من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّ الحسن والحسين هما سيّدا شباب أهل الجنّة؛ ثمّ فيما بعد؛ أي بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كانت أمام ناظريه: شخصيّة الإمام
الحسين (عليه السلام) ومكانته وموقعيّته.
لمّا سمع جابر أنّ الحسين (عليه السلام) قد استشهد، أنّ فلذة كبد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد قتل عطشانَ، خرج من المدينة، ورافقه عطيّة من الكوفة. يروي عطيّة أنّ جابراً اقترب من شطّ الفرات، اغتسل ووضع عمامة بيضاء نظيفة على رأسه، ثمّ تقدّم بخطوات متثاقلة وبكامل الاحترام نحو قبر الإمام الحسين (عليه السلام).
وفي الرواية: عندما وصل إلى القبر قال ثلاث مرّات بأعلى صوته: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؛ أي أنّه عندما رأى كيف قُتل فلذة كبد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على أيدي مهاجمين أعمتهم الشهوات بتلك المظلوميّة، كبّر. ثمّ أُغشي على جابر -من كثرة البكاء والنحيب على قبر الإمام الحسين (عليه السلام)- ووقع على الأرض. لا نعرف ماذا جرى حينها، لكن يقول في هذه الرواية إنّه عندما أفاق بدأ بالحديث مع أبي عبدالله (عليه السلام): «السلام عليكم يا آل الله، السلام عليكم يا صفوة الله…».
من توجيهات الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)
المشكلات الاقتصاديّة لا ينفعها الحلول المؤقّتة
أعزّائي، في حلّ المشكلات الاقتصاديّة لا ينبغي البحث عن حلول مؤقّتة ومسكّنات وما شابه؛ لأنها في بعض الأحيان تزيد المشكلة. ولحلّ هذه التحدّيات لا بدّ من حلول أساسية والبدء بالأمل بالله وبالتوكّل عليه، وبالعمل الصحيح والخطوات المحكمة.
من وصايا القائد (دام ظله) للمسؤولين
لا تجعلوا الناس يشعرون باليأس
أيّها المسؤولون، حاولوا ألّا يتسبب كلامكم في إحباط الناس. فكلّ مشكلة ولها حلّ. ضعوا الناس في الصورة، وتحدّثوا إليهم، واطلبوا منهم المساعدة في مختلف الحالات، سواء المساعدة الفكرية أو العملية. قد يحدث خطأ في مكان ما – حسناً كلّنا نرتكب الأخطاء، والخطأ في عملنا ليس قليلاً- فلنعتذر إلى الناس. قولوا للناس صراحةً: حدث هذا الخطأ، والتمسوا العذر.
الأنشطة
رسالته (دام ظله) إثر عودة السّرب 75 في القوات البحريّة لجيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة من الإبحار في المحيط الأطلسيّ (2021/09/11).
أصدر الإمام الخامنئيّ (دام ظله) رسالة هنّأ فيها بالعودة المقتدرة والمشرّفة للسّرب البحري 75 في القوات البحريّة للجيش من مهمّته التاريخيّة، التي تمثّلت في الإبحار ضمن نطاق المحيط الأطلسيّ، مثنياً على قائد السّرب وكلّ واحد من عناصره.
وهذا نصّ الرسالة:
أهنّئ العودة المقتدرة والمشرّفة للسّرب البحريّ 75 في القوّات البحريّة لجيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة من المهمّة الخطيرة للإبحار ضمن نطاق المحيط الأطلسي، التي أُنجزت للمرّة الأولى في تاريخ البلاد.
اليوم، بحمد الله، جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة حاضرٌ بعناصره البصيرين والغيارى الذين لا يعرفون الكلل والملل في الميدان، ومستعدٌّ للجهاد من أجل تحقيق الأهداف السامية للثورة الإسلاميّة العظيمة. صونوا هذه القدرات وطوّروها. بلّغوا عنّي أسمى آيات الشّكر والتقدير لقائد السّرب وكلّ واحد من عناصره الأعزّاء وجميع القائمين على هذه المهمّة.
الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة الثّالثة عشرة: ينبغي مضاعفة التحرك في الساحة الدبلوماسيّة والجانب الاقتصادي لها/ التجارة الخارجية مع الجيران مهمّة (2021/08/28).
قال الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في اللقاء الأول مع الحكومة الثالثة عشرة: «ركّزوا جهودكم على التجديد الثوري، وبالطبع العقلاني والمدروس، في مجالات الإدارة جميعاً، بإذن الله؛ وذلك في جميع القطاعات: الاقتصاد، والبناء، والسياسة الخارجية والدبلوماسية، وقطاعات الخدمة للناس، والقطاعات العلمية والثقافية وغيرها…
عموماً السياسة الخارجيّة ذات أهميّة كبيرة، وهي مؤثّرة جدّاً في شؤون البلاد. لا بدّ من مضاعفة حركتنا وزيادتها في الساحة الدبلوماسيّة. يجب أن يُقوّى الجانب الاقتصاديّ للدبلوماسيّة؛ الدبلوماسيّة الاقتصاديّة أمرٌ بالغ الأهميّة. اليوم في عدد من البلدان التي تملك وزير خارجيّة أيضاً، يرى المرء رئيس الجمهوريّة يخوض على نحو خاصّ وبشخصه في الشؤون الاقتصاديّة مع مختلف البلدان أو مع البلد الفلانيّ المعيّن، ويتابع القضيّة.
وكذلك، التجارة الخارجيّة مهمّة جدّاً خاصّة مع الجيران. لدينا بين أربع عشرة دولة جارة أو خمس عشرة تُشكّل جموعاً هائلة وتُطلق سوقاً واسعاً، لكن لا ينبغي الاكتفاء بهؤلاء، فالتواصل مع سائر الدّول له الأهميّة نفسها أيضاً. هناك أكثر من مئتي دولة في العالم ونحن قرّرنا ألا نقيم العلاقات مع عدد محدود جدّاً منها، مع دولة أو اثنتين، وقد لا تتوفّر إمكانيّة لإقامة العلاقات مع بعض الدّول لكن هناك إمكانات لإقامة العلاقات الجيّدة والسّلسة مع غالبية هذه الدّول؛ الأمر يحتاج إلى بذل الجهود.