كانت له الكلمة النافذة في قبيلته، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته وأخبرهم بإسلامه وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد، أسلموا على يديه جميعاً ولم يتخلف منهم رجل واحد، ذلك هو الشهيد المفترى عليه مالك بن نويرة.
اسمه ونسبه :
اسمه مالك بن نويرة بن جَمرة بن شدّاد بن عبيد بن ثَعلبة بن يربوع التميمي اليربوعي، المكنى بأبي حنظلة.
مالك من أعلام القرن الأوّل الهجري، صحابي جليل، أدرك رضوان الله تعالى عليه الصدر الأول من الإسلام على عهد النبي الأكرم محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وآله) الإسلام وأسلم عنده، ثم ولاه النبي (ص) على صدقات قومه بني يربوع، وهي منزلة رفيعة انزله فيها النبي الأكرم (ص)، بل وانه جعله وكيلا عنه في تقسيم أموال هذه الصدقات على الفقراء، لما يمتاز به من حيطة وورع عاليين.
كان مالك (رض) من كبار بني تميم وبالتحديد كبير بني يربوع منهم، لما يمتلكه من شرف رفيع وسمعة طيبة بين العرب، فضلا عن كرمه وروح المبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بالملهوف التي عرف بها (رض). وبلغ من شدة وجاهة مالك (رض) عند قومه، وكلمته النافذة فيهم، أن اسلامه فتح أفق عقول بني قومه وحيدهم للدخول في الإسلام بعد أن رأوا فيه نفاذ البصيرة وحنكة الاختيار، حتى قيل بأن قومه قد أسلموا جميعا ولم يتخلف منهم أحد.
امتاز أبن نويرة (رض) بالشجاعة والثبات في الموقف، خصوصا في ولائه لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وهو ما دفعه للامتناع عن بيعة الخليفة الأول، بل وانكر عليه تسنمه الخلافة حيدا عن صاحبها الشرعي، حتى عرف عنه قوله لأبو بكر: “أربِع على ضلعك والزم قعر بيتك واستغفر لذنبك وردّ الحق إلى أهله، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك، وما تزال يوم الغدير حجة، ولا معذرة”.
ترجم مالك موقفه الرافض لانتزاع الخلافة عن اهلها بشكل عملي صلب، حين أمتنع عن بيعة أبي بكر، بل وامتنع كذلك عن دفع الزكاة إليه باعتبار خلافته غير شرعية، مما دفعه الى اعادة أموال الزكوات والصدقات الى أصحابها، منشدا بذلك:
فقلت خذوا أموالك غير خائف *** ولا ناظر ماذا يجئ مع الغد
فإن قام بالدين المحوق قائـــــم *** أطعنا وقلنا الدين دين محمد
شهادة مالك (رض)
استشهد مالك بن نويرة (رض) في العام ۱۱ من الهجرة النوبية الشريفة، بمعية مجموعة من أفراد قبيلته بأمر خالد بن الوليد، بعد أن أرسله أبو بكر بجيش كبير بحجة ارتداده عن الإسلام بعد أن أمتنع عن تسليم الصدقات للخليفة أبو بكر، ولكن مالكا (رض) كان قد علم بنية هؤلاء ففرق عشيرته ونهاهم عن الاجتماع، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحدا، فبث سراياه وأمرهم بقتل مالك (رض) وعشيرته، فدخلت سرايا خالد زقاق قوم مالك (رض) في ظلام الليل، وروع ساكنيه، فأخذ قوم مالك (رض) بالدفاع عن انفسهم، فقال الغزاة: “إنا لمسلمون”، فأجاباهم قوم مالك: “ونحن لمسلمون أيضا”، فقال الغزاة: فما بال السلاح معكم؟ فقال قوم مالك: “فما بال السلاح معكم أنتم؟!”، فقال الغزاة: “فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح”، فوضع قوم مالك السلاح، ثم صلى الطرفان، فلما انتهت الصلاة قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك، وكتفوهم بما فيهم مالك بن نويرة، وأخذوهم إلى خالد بدعوى الارتداد عن الإسلام، وهو ما أنكره مالك (رض) بقوله: أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت”، وقال مالك: يا خالد أبعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا، وتدخّل عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري، وألحّا على خالد أن يبعثهم إلى أبي بكر، فرفض خالد وقال: لا أقالني الله إن لم أقتله، فالتفت مالك إلى زوجته ” ليلى ” وقال لخالد : هذه التي قتلتني، فأمر خالد بضرب عنقه وقبض على ليلى زوجته المكناة بـ”أم تميم” رضوان الله تعالى عليهما، ودخل فيها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك.
موقف ابو بكر من مقتل مالك
بلغ خبر مقتل الصحابي الجليل مالك بن نويرة للخليفة أبو بكر من خلال أبو قتادة، فتنكر أبو بكر لذلك وأرسل بطلب خالد بن الوليد ملتمسا له عذر الخطأ بعد اجتهاد!، ثم ردّه، ودفع عن مالك بن نويرة (رض) دية، وردّ سبي قومه ومالهم، حتى أن عمر بن الخطاب كان قد استهجن هذه الفعلة على خالد وقال لابي بكر: ” إنّ خالداً قد زنى فارجمه”، فقال أبو بكر: “ما كنت لأرجمه فإنّه تأوّل فأخطأ”، فرد عمر: “فإنّه قتل مسلماً فاقتله به”، فقال أبو بكر: “ما كنت لأقتله به إنّه تأول فأخطأ”، فطلب عمر من أبي بكر بعزل خالد فمتنع ابو بكر.
كان موقف مالك بن نويرة من عدم تسليم الزكاة إلا الى الخليفة الشرعي موقفاً صحيحاً لا غبار عليه، فهو لم يمتنع عن تسليم الزكاة عن عدم اعتقاد بفريضة الزكاة بل لم يشأ تسليمها إلا لمن يستحقها وهو الخليفة الشرعي المنصوص عليه من قبل الله ورسوله.. وتبعا لذلك فإن الامام علي (ع) لم يرتض ما فعله خالد من قتل مالك، وتبرأ إلى الله تعالى من فعله، ولولا الوضع الذي وضع فيه من قبل مؤتمر السقيفة لأقام عليه الحد.