يصادف اليوم السبت الثامن والعشرون من شهر ربيع الثاني سنة 1390ه –1970م الذكرى السنوية لرحيل العالم الإيراني الكبير “الشيخ عبدالحسين الأميني التبريزي”، الذي من آثاره الخالدة، تأليف “موسوعة الغدير”، فبهذه المناسبة نقدّم لكم نبذة عن حياته ومؤلفاته وخصائصه.
ولد الشيخ الاميني في مدينة تبريز عام 1320هـ – 1902 للميلاد، وكان ابوه الشيخ أحمد بن الشيخ نجف علي الملقب بأمين الشرع – ومنه لقب الاميني – بن الشيخ عبد الله صاحب علم وتقى، فورث الاميني (قده) عن أهله المجد كابراً عن كابر.
دراسته:
درس عبد الحسين الأميني أوليات العلوم عند والده ، ثم تتلمذ على آخرين بتردده إلى مدرسة الطالبية ، وهي من أهم مراكز الثقافة ومعاهد العلم المعروفة بتبريز يوم ذاك ، وما زالت قائمة حتى الآن . فقرأ مقدمات العلوم ، وأنهى سطوح الفقه والاصول على عدد من أجلة علماء تبريز ، أمثال :
1- آية الله السيد محمد بن عبد الكريم الموسوي الشهير بمولانا .
2- آية الله السيد مرتضى بن أحمد بن محمد الحسيني الخسروشاهي .
3- آية الله الشيخ حسين بن عبد علي التوتني .
4- العلامة الحجة الشيخ ميرزا علي أصغر ملكي .
سفره إلى النجف:
وبعد أن بلغ الشيخ الأميني عند هؤلاء الفطاحل مرتبة سامية ، وأنهى دراسة الدور الذي يدعى بالسطوح ، وتأهل للحضور في مرحلة درس الخارج ، غادر مسقط رأسه ، قاصداً الجامعة الإسلامية الكبرى (النجف الأشرف) فحلها ، واستوطن بلدة باب مدينة علم الرسول (ص) معتكفا على طلب العلم ، ساهرا على تحصيل المعارف من فيض تلك البقعة المقدسة، جادا في بلوغ مراتب الكمال والفضيلة ، فحضر على جمع من مهرة الفن، وجهابذة العصر ، وتلقى الينبوع الصافي من لدن عمالقة الفقه والأصول والكلام أمثال:
1- آية الله السيد محمد باقر الحسيني الفيروزآبادي
2- آية الله السيد أبو تراب بن أبي القاسم الخوانساري .
3- آية الله الميرزا علي بن عبد الحسين الايرواني .
4- آية الله الميرزا أبو الحسن بن عبد الحسين المشكيني .
عودته إلى تبريز:
قضّى الأميني (رحمه الله) عند هؤلاء الأعلام أعواما ، انتهل من فيض علومهم ، وتزود من معارفهم ، وتلقى منهم الفضائل والكمال ، ونال درجة رفيعة من العلم ، ورتبة سامية من المعرفة ، وحظا وافرا من الأدب ، ثم عاد إلى مسقط رأسه ، وحط بها رحل المقام فترة غير قصيرة .
كان له بها مجالس وعظ وارشاد في تهذيب النفوس وتوجيهها توجيها إسلامياً، وتغذية أبناء مدينته ببنات أفكاره وآرائه من المعارف الدينية، على ضوء الكتاب السماوي القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، وأحاديث أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا .
وقد تركت تلك المدارس الإصلاحية ، وتوجيهاته الدينية، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أطيب الأثر في نفوس هواة محافله ومجالسه، وأبقت له ذكراً خالداً إلى الأبد
وفي أثناء تلك الخطوات الاصلاحية ، وأداء الواجب الديني ، عكف على المطالعة والتحقيق والتأليف ، وخصص لها شطرا من وقته كل يوم ، وكانت ثمراتها اليانعة تأليفه النفيس (تفسير فاتحة الكتاب)، وهو أول خطوة خطاها في هذا الميدان المقدس ، وقد قام بتدريس بحوث كتابه هذا في المجالس التي كان يحاضر بها .
توطنه النجف الأشرف:
وبعد برهة رأى أن روحه التواقة للعلم ، وشغفه النفسي يهفوان به إلى المزيد من الفضل والكمال ، ويدفعانه إلى مركز القداسة والعظمة (النجف الأشرف)، حيث التزود من قدسية تلك المدينة الطيبة ، والبقعة المشرفة التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه ، والاستفاضة من حلقات دروسها، والانتهال من ندواتها الزاخرة التي تتجلى فيها أنواع العلوم بأسمى حقائقها وأعمق مراحلها ، لذلك عاد إليها ، قاصدا توطنها ، تاركا خلفه جل ما هيئ له في وطنه من رغد العيش ، والمقام الرفيع والجاه والمنزلة ، غير مكترث بالرئاسة الروحية التي كانت لوالده (رحمه الله) ، والمنزلة التي كانت تتحلى بها اسرته .
أساتذته واجتهاده:
وبعد أن حل تلك التربة الزكية ، واستوطن تلك المدينة الطيبة وفيها حضر على جمع من فطاحل العلم ، وجهابذة الفكر وأروى ظمأ قلبه من بنات أفكارهم فبلغ بدراسته المرتبة التي كان يطلبها ، وأحرز درجة عالية في الفلسفة والكلام ، واجتهاداً في الفقه ، وتبحراً في الأصول ، وألّف بهما ، وجمع محاضرات أساتذته في الفقه والأصول ، وعلق عليهما ، شأن غيره من تلامذة تلك العاصمة الدينية ، والمركز العالمي للثقافة الإسلامية ، وبلغ رتبة الاجتهاد في المعقول والمنقول ، وحاز على شهاداتهما ممن كانت الزعامة الشيعية منوطة بهم .
وقد عرف أساطين العصر ، وقادة العلم في ذلك اليوم ما بلغه الأميني من مراتب العلم ، وما حازه من مدارج الفضيلة والكمال ، ووقفوا على طول باعه ، وغزير علمه ، وفضله الكثير في الصنوف التي خاض غمارها ، فقلد وسام الاجتهاد ، ومنح استقلال الرأي والإفتاء من لدن كل من :
1- آية الله المرحوم السيد ميرزا علي ابن المجدد الشيرازي .
2- آية الله المرحوم الشيخ الميرزا حسين النائيني النجفي .
3- آية الله المرحوم الشيخ عبد الكريم بن المولى محمد جعفر اليزدي الحائري.
4- آية الله المرحوم السيد أبو الحسن بن السيد محمد الموسوي الاصفهاني .
5- آية الله المرحوم الشيخ محمد حسين بن محمد حسن الاصفهاني النجفي الشهير بالكمباني .
6- آية الله المرحوم الشيخ محمد الحسين بن الشيخ علي آل كاشف الغطاء .
مشايخه في الرواية:
تيمنا بالدخول في سلك حملة أحاديث آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم ، وتبركاً بالانخراط في سلك العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ، ولاتصال مروياته من الأخبار بالنبي الطاهر وأهل بيته الأطياب صلوات الله عليهم أجمعين ، وصيانتها عن القطع والارسال ، منح من المشايخ الأجلة وأئمة الحديث الاذن في رواية ما اثر عن المعصومين صلوات الله عليهم ، ولكل من هؤلاء المشايخ والمحدثين طرقه المتعددة في رواية الحديث من فطاحل المحدثين وجهابذة الراوين إلى النبي الأعظم (ص) وأهل بيته (ع) .
وقد حررت هذه الوثائق التأريخية منمقة بخطوط مصدريها وموشحة بتواقيعهم ، وهم
1- آية الله المرحوم السيد أبو الحسن الموسوي الاصفهاني .
2- آية الله المرحوم السيد الميزا علي الحسيني الشيرازي .
3- آية الله المرحوم الشيخ علي أصغر ملكي التبريزي .
4- آية الله المرحوم السيد آغا حسين القمي .
5- الحجة المرحوم الشيخ علي بن إبراهيم القمي .
6- الشيخ محمد علي الغروي الأوردوبادي .
7- الحجة المرحوم الشيخ محمد محسن (آغابزرك) الطهراني .
8- الحجة المرحوم الشيخ الميرزا يحيى بن أسد الله الخوئي .
وترك العلّامة الأميني مؤلفات كثيرة، ومنها، إضافة إلى السفر الجليل “كتاب الغدير”:
* كتاب شهداء الفضيلة .
* كتاب السجود على التربة الحسينية عند الشيعة.
* كتاب إيمان أبي طالب وسيرته .
* كتاب ثمرات الأسفار .
* تفسير فاتحة الكتاب .
* كتاب كامل الزيارة .
* كتاب أدب الزائر لمن يمم الحائر .
* كتاب سيرتنا وسنتنا .
* تعاليق في أصول الفقه على كتاب “الرسائل” للشيخ الأنصاري .
* تعاليق في الفقه على كتاب “المكاسب” للشيخ الأنصاري .
* كتاب المقاصد العلية في المطالب السنية .
* كتاب رياض الأنس .
* كتاب رجال آذربيجان .
* كتاب ثمرات الأسفار.
* كتاب العترة الطاهرة في الكتاب العزيز .
وقد امتازت مؤلَّفاته بالدقة العلمية وجودة البحث والتحقيق والعرض والاستنتاج.
توفي العلامة الأميني ظهر يوم الجمعة 28 ربيع الأول سنة 1390 هـ في طهران، وقد نقل جثمانه إلى النجف ودفن في غرفة بالقرب من مكتبة أمير المؤمنين التي أسَّسها.