نشأ الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) في رحاب جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فتولى تربيته بنفسه، وصقل مواهبه، وتوسم به رسول الله (صلى الله عليه وآله) علامات الفتوة وسيماء الصديقين. فمنحه من عطفه ولطفه وحته ورضاه ما سارت بأحاديثه الركبان، وكان تقييمه لسبطه الحسن نابعاً من أصالة منبت هذا الوليد، وطيب معدنه وأرومته، وصدق عزيمته ونيته، وتتابع فضله ونبله، حتى إذا التحق رسول الله (صلى الله صلى عليه وآله) بالرفيق الأعلى تسلمه أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأعده إعداداً مثالياً، فكان ابن أبيه – بكل ما لهذه الكلمة من دلالات سامية – في العلم والتقوى والرجولة والسياسة والاجتماع، وكان ابن أبيه أيضاً في المنح الإلهية الخاصة بالعصمة والإمامة والولاية الكبرى في قيادة الأمة.
وكانت مؤشرات هذه القيادة الحكيمة لدى الإمام الحسن (عليه السلام) ذات إرهاصات أولية توسمها فيه أهل الحل والعقد، سبقت بأحاديث نبوية متواترة، توجت بآثار من السنة النبوية، ولذلك روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»[1].
وسيادة الإمام الحسن (عليه السلام) لا تصاحبه في حياته فحسب، بل تمتد معه حتى يوم القيامة، وهو يتبوء مقعد صدق عند مليك مقتدر، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن»[2]. وهو حديث مستفيض، وقد يجمع به معه الإمام الحسين (عليه السلام) في عدة روايات صحيحة السند، منها قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما»[3].
وبإزاء هذه السيادة المطلقة وإلى جانبها يبرز دور الإمامة العامة في أحاديث صحيحة متواترة، أشهرها قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا»[4].
وكان هذا الاحتفاء بالإمام الحسن (عليه السلام) من قبل جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستدعي تعظيم الصحابة له، ويستدعي إجلالهم لقدره وسمو منزلته، فقد كان عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن الكريم، كان إذا ركب الحسن والحسين (عليه السلام) بادر فأمسك لهما الركاب، وسوى عليهما أطراف الثياب، فاستغرب لهذا الاعتداد أحد من كان معه، ولامه عليه، فانتهره ابن عباس بقوله: يا لكع أو تدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أوليس مما أنعم الله به علي أن أمسك لهما الركاب، وأسوي عليهما الثياب[5].
وكان الاتجاه العام لدى المسلمين الإفادة من المأثور التكريمي للإمام الحسن (عليه السلام) فهم يستثمرونه بأروع صورة وهم يتمسكون به بأبهى حلله، وما ذاك إلا لتكامل شخصيته المهابة، وتطاول سؤدده الشريف، ففي حديث ما ورثه رسول الله (صلى الله عليه وآله) له ولأخيه الحسين قال (صلى الله عليه وآله): «أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فإن له جرأتي وجودي»[6].
وكانت هذه الهيبة تفرض وجودها في منطلق ذاتي لا عنت فيه ولا تكلف، ومع ذلك فقد يحسب لها الحساب الدقيق حتى في مراكز القوى الحاكمة، فلا تطاول ولا تنازع ولا تصدّ، لأنها تحتل مكانتها بموضوعية صرفة في أعماق الناس وضمير الأمة.
* المصدر: الإمام الحسن (عليه السلام) رائد التخطيط الرسالي – بتصرف
[1] ظ: أحمد بن حنبل / المسند / ٤٤ – ابن حجر / الإصابة ١/ ٣٣ – ابن عبد ربه / العقد الفريد ١/ ١٦٤.
[2] ابن كثير / البداية والنهاية ٨/ ٣٥.
[3] الترمذي / الصحيح ٢/ ٣٠٦ – أحمد بن حنبل / المسند ٣/ ٣ – الحاكم / المستدرك ٣/ ١٦٧.
[4] المجلسي / بحار الأنوار ١٠/ ٨٧ – الخطيب البغدادي / التاريخ ١/ ١٤٠.
[5] ابن عساكر / تاريخ دمشق ٤/ ٢١٢.
[6] المتقي الهندي / كنز العمال ٧/ ١١٠.