الشجاعة من أهمّ الصفات التي تميَّز شخصية المقاتل في سبيل الله، والتي بها يقتحم الموت بجسده ولا يستشعر الضعف أمام مقدّرات الأعداء، ويكون ببركة الشجاعة والإقدام جديراً بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
والشجاعة في اللغة “هي شدَّةُ القلب عند البأس والحرب، والشّجاع هو من قويَ قلبه، واستهان بالحروب، وكان جريئاً ومقداماً”[1].
فالشجاعة صفة في النفس تدفع بالمجاهد إلى الثبات في ميادين الحرب والجهاد في مواجهة أعداء الله تعالى وأعداء الإنسانية، وتؤهّله لتحمُّل الشدائد والصعاب وأعباء القتال ولوازمه.
قال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾[2].
وفي الحديث: قيل للحسن بن عليّ عليه السلام: ما الشجاعة؟ قال: “موافقة الأقران والصبر عند الطِعان”[3].
كيف يتحلّى المجاهد بصفة الشجاعة؟
إنّ تكوين صفة الشجاعة هو أمر ميسور وسهل، لأنّها من الصفات والسجايا المرتكزة في جبلّة الإنسان وفطرته وغرائزه، وهي تعود إلى ضبط الغريزة الغضبيّة وجعلها معتدلة بين الإفراط والتهوّر والزيادة، وبين التفريط والنقص والشلل.
قال الإمام عليّ عليه السلام “الفضائل أربعة أجناس: أحدها الحكمة وقوامها في الفكرة، والثاني العفّة وقوامها الشهوة، والثالث القوّة وقوامها الغضب، والرابع العدل وقوامها في اعتدال قوى النفس”[4].
إن قوّة الاعتدال مخلوقةٌ فينا، وهي تتحكّم بقوّة الشهوة والغضب والوهم، وتجعل هذه القوى في حدِّها الأوسط من دون إفراطٍ أو تفريط، وتعتمد هذه الصفة (العدل) على ميزان العقل والشرع اللذين تلطّف الله بهما على الإنسان بمنِّه وكرمه ورحمته.
وعليه فغريزة الاعتدال تضبط القوّة الغضبيّة وتربِّي الإنسان على الشجاعة التي هي الحدّ الوسط الممدوح، فلا يكون خمولاً يعيش الخوف والضعف والكسل وقلَّة الصبر والاستسلام للمصائب وعدم الغيرة والخمود وعمل الظلم وقبول الرذائل وعدم الثبات في المواقف الحسّاسة وميادين الحروب، وكذلك لا يكون متهوّراً ومفرطاً في قوّته الغضبيّة بحيث يتوتّر لأَتفه الأسباب وينفعل لأيِّ استفزاز، فقد يقتل النفس المحترمة بغير الحقّ وقد يتسرّع بأخذ قرار مخالفة القيادة الحكيمة، فلا يُقوّم في الوقت المناسب، ولا يتراجع في الوقت المناسب، فهو انفعاليّ من دون تثبُّت، ويدور في دائرة وحاله أشبه بالجنون.
إنّ تربية النفس على الاعتدال والشجاعة أمر ميسور ومقدور، فمتى رأى المجاهد في نفسه الشجاعة فليحمد الله على هذه النعمة. وإن رأى في نفسه خلاف ذلك من إفراط أو تفريط فليعمل على ترويض نفسه وتهذيبها ضمن نقطتين:
العلاج العلميّ:
وهو عملية إقناع النفس بآثار الشجاعة العظيمة وبركاتها الكبيرة، ويعلم أنّ هذه الخصلة نعمة من الله ليدافع بها عن كرامته وكرامة المسلمين، وليدافع بها عن دينه وشرفه ووطنه، وأنّ الشجاع هو على خطى الأئمة الأطهار عليهم السلام، وعلى رأسهم الإمام عليّ عليه السلام الكرّار في الحروب ذو البأس والثبات كثبات الجبال أمام الرياح العاتية، ويكفي في ذلك أنّ الشجاعة تفتح أعظم باب لرحمة الله تعالى وهو باب لقاء الله جلَّ شأنه.
ومن الأمور المفيدة والمهمة التي ينبغي أن يعلمها المجاهد الشّجاع أنّ الجهاد ليس سبباً في تقصير العمر أو الحدّ منه، كما وأن اعتزال الجهاد وتركه ليس هو الآخر سبباً لطول العمر ومدّته، لأنّ ساعة الإنسان إذا ما حان وقتها فلا مبدّل لها كما قال عزّ وجلّ: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾[5]. ونفهم أيضاً، من كلام أمير المؤمنين عليه السلام مع ولده محمد ابن الحنفية في معركة الجمل عندما أمره بالتقدّم فقال له: “احمل على القوم”، فقال: لا أجد متقدّماً إلّا على سهمٍ أو سنان، فقال عليّ عليه السلام: “يا بنيّ احمل بين الأسنّة فإنّ للموت عليك جُنّة”[6].
والظاهر أنّ ضربات الأسنّة ورشقات السّهام، منعته من التقدّم فوقف قليلاً، فسرعان ما وصل إليه الأمير عليه السلام قائلاً: “احمل بين الأسنّة” بإشارة واضحةٍ إلى أنّ خوضَ غمار الحرب في أوجها ليس سبباً مباشراً للخوف أو الموت.
التربية الجهادية، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الشيخ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، نشر مرتضوي، إيران، 1362 ش، ط2، مادة شجع، ج 4، ص 351.
[2] سورة الفتح، الآية 29.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 75، ص 104.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 75، ص 81.
[5] سورة النساء، الآية 78.
[6] الشيخ المحمودي، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان – بيروت، لا.ت، لا.ط، ج 1، ص 317.