كان أول من وعد بصرح للامام الحسين عليه السلام، اخته زينب عليها السلام وهي تواسي ولده الإمام زين العابدين عليه السلام، وتقول: “… ينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّد الشُّهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رَسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّام..”.
أن تناول تاريخ تشييد مرقد الإمام الحسين، عليه السلام، يعني أن تدخل في حقب زمنية تعود إلى أربعة عشر قرناً مضت. يقول المؤرخون “إن بناءه بدأ منذ دفن الأجساد الطاهرة بعد واقعة الطف”.
وكان أول من وعد بصرح للحسين، عليه السلام، اخته زينب، التي رافقته رحلته الأخيرة إلى كربلاء. تقول عليها السلام وهي تواسي ولد الحسين وبقيته، زين العابدين، رابع الأئمة المعصومين، عليهم السلام، بعد أن ابيد جميع أهله، “أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتَفَرّقَةَ فيُوارونَها وهذه الجُسومَ المُضَرَّجة، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّد الشُّهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رَسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلالة في مَحْوِه وتطمِيسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره الاّ عُلوّاً”.
وبحسب موقع العتبة الحسينية، إلى جانب هذا النبوءة، تأتي أيضاً شرعية بناء المساجد والقباب على الضريح المقدس للإمام الحسين عليه السلام، من قوله تعالى: { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَ عَلَيْهِم مَّسْجِداً} – (الكهف:21).
وسبق بناء القبر، كان من نصيب قبيلة “بنو أسد”، من أقدم القبائل العربية، إذ شاركوا الإمام زين العابدين عليه السلام، مواراة الأجساد الطاهرة، وفقاً لمؤرخين.
يأتي هذا بناءً على وجود القبر “ظاهراً” في قصة ثورة التوابين سنة (63 أو 64)، الذين دفعتهم مرارة الألم إلى الانتقام من قتلة الامام الحسين (ع). تشير القصة إلى زيارتهم للقبر الشريف وهو ما يؤكد وجود بناء على القبر.
أما تعمير القبة عليه فقد تكرر مراراً.
العمارة الأولى للقبة:
الحديث عن العمارة الأولى يقودنا إلى فترة حكم المختار بن أبي عبيدة الثقفي للكوفة، عام 65 للهجرة، التي طالب عبرها بالثأر من قتلة الإمام الحسين، عليه السلام، وإجراء محاكمة لهم، ومن ثم بنى مرقد الإمام الحسين، عليه السلام، في كربلاء، وكان أول من شيد له قبة من الآجر والجص.
وبحسب المؤرخين، فإنه كانت على القبر سقيفة وبنى حوله مسجداً، وكان له بابان أحدهما نحو الجنوب والأخر باتجاه الشرق.
وروى ابن قولويه (رض) في كامل الزيارة عن أبي حمزة الثمالي (رض) عن الامام الصادق عليه السلام في كيفية زيارة الحسين عليه السلام فقد قال : ( إذا أتيت الباب الذي يلي الشرق ، فقف على الباب ، وقل : … ) ، وقال كذلك : ( ثمَّ تخرج من السقيفة وتقف بإزاء قبور الشهداء ) . وما زال هذا المسير قائماً حتى الآن ، فالجهة المحاذية لقبور الشهداء حتى الشرق ، ومرقد الشهداء يقع في شرقي مرقد الإمام وابنه علي الأكبر (عليهما السلام) “.
وقال الشيخ المفيد (رض) في مزاره عند ذكره لرواية صفوان بن مهران: فإذا أتيت باب الحائر فقف ثم تأتي باب القبة فقف من حيث يلي الرأس ثم أمش حتى تأتي مشهد العباس بن علي فقف على باب السقيفة وقل وروى ابن قولويه بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن الامام الصادق عليه السلام: فإذا أردت زيارة العباس فقف على باب السقيفة وقل ثم أدخل.
وطيلة فترة الدولة الأموية حتى سقوطها بقيت تلك السقيفة والمسجد، لكنها تعرضت للهدم في زمن الدولة العباسية، وتحديداً في حكم هارون السفيه، أحد أشد حكام بني العباس عداءً لأهل البيت، عليهم السلام، فقد أرسل مجموعة من جلاوزته لهدم المسجد وطمسوا معالم القبر وكانت عنده سدرة فقطعها وأمر مسلحيه بمنع الناس من زيارته.
العمارة الثانية:
في زمن المأمون. قال محمد بن أبي طالب بعدما ذكر تخريب هارون له، ثم أعيد على زمن المأمون وغيره.
هدم المتوكل قبر الحسين (ع):
قال الطبري في تاريخه: في سنة 236 أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه. فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى السجن فهرب الناس وامتنعوا من المسير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه.
وروى الشيخ الطوسي (رض) في “الأمالي”، بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير فأنفذ قائداً من قواده وضم إليه عدداً كثيفاً من الجند ليشعث قبر الحسين ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر وذلك في سنة 237 فثار أهل السواد واجتمعوا عليه وقالوا لو قتلنا عن آخرنا لما امسك من بقي منا عن زيارته ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا فكتب بالأمر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهراً أن مسيره إليها في مصالح أهلها والانكفاء إلى المصر فمضى على ذلك الزمن حتى كانت سنة 247 فبلغ المتوكل أيضاً مسير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام وأنه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زاره ثم نبش القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة وعمد على تتبع آل أبي طالب والشيعة إلى أن قتل ولم يتم له ما قدره (أقول) فيكون ابتداء أمر المتوكل بذلك سنة 236 ثم أعاد الكرة سنة 237 ثم فعل مثل ذلك سنة 247 وفيها قتل المتوكل فكان يمنع من زيارته فيمتنع الناس مدة أو تقل زيارتهم ويزورون خفية ثم تكثر زيارتهم فيجدد المنع إلى أن قتله الله.
العمارة الثالثة:
عمارة المنتصر، بعد مقتل المتوكل قام بالأمر بعده ابنه المنتصر، فعطف على آل أبي طالب وأحسن إليهم وفرق فيهم الأموال وأعاد القبور في أيامه أمر الناس بزيارة قبر الحسين عليه السلام.
وقال المجلسي في البحار أن المنتصر لما قتل أباه وتخلف بعده أمر ببناء الحائر وبنى ميلاً على المرقد الشريف وأحسن إلى العلويين وآمنهم بعد خوفهم.
العمارة الرابعة:
عمارة “محمد بن زيد” من نسل الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) الملقب بالداعي الصغيرة، ملك طبرستان بعد أخيه الحسن الملقب بالداعي الكبير عشرين سنة، وبنى المشهدين الغروي والحائر أيام المعتضد. قال محمد بن أبي طالب في تتمة كلامه السابق بعدما ذكر إعادة القبور في أيام المنتصر قال: إلى أن خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد (من نسل الامام الحسن عليه السلام) فأمر محمد بعمارة المشهدين.
العمارة الخامسة:
عمارة “عضد الدولة” فناخسرو بن بويه الديلمي: بلغ عضد الدولة بن بويه الغاية في تعظيم وعمارة مرقدي أمير المؤمنين والامام الحسين، والأوقاف عليهما، وكان يزورهما كل سنة. وفي كتاب لبعض المعاصرين، أنه لما زار المشهد الحسيني سنة 371 بالغ في تشييد الأبنية حوله وأجزل العطاء لمن جاوزه وتوفي سنة 372 بعدما ولي العراق خمس سنوات وفي زمانه بنى “عمران بن شاهين” الرواق المعروف برواق عمران في مشهد الإمام الحسين (ع).
العمارة السادسة:
عمارة “الحسن بن مفضل بن سهلان أبو محمد الرامهرمزي” وزير سلطان الدولة بن بويه الديلمي.
قال ابن الأثير في حوادث سنة 407 فيها، في 14 ربيع الأول احترقت قبة الحسين والأروقة وكان سببه أنهم أشعلوا شمعتين كبيرتين فسقطتا في الليل على التأزير فاحترق وتعدت النار، فجددها الوزير المذكور.
وفي مجالس المؤمنين عن “تاريخ ابن كثير الشامي” أنه بنى سور الحائر الحسيني وقتل سنة 460 قيل هو الذي ذكره ابن إدريس في سنة 588 في كتاب المواريث من السرائر وهذه العمارة هي التي رآها ابن بطوبة وذكرها في رحلته التي كانت سنة 727.
العمارة السابعة:
الموجودة الآن، أمر بها السلطان “أويس الايلخاني” سنة 767 وتأريخها هذا موجود فوق المحراب القبلي مما يلي الرأس، وأكملها ولده “أحمد أويس” سنة 786 وقد زيد فيها وأصلحت من ملوك الشيعة وغيرهم، وفي عام 930 أهدى “الشاه إسماعيل الصفوي” صندوقاً بديع الصنع إلى القبر الشريف وفي عام 1048 شيد السلطان “مراد العثماني الرابع” القبة وجصصها. وفي سنة 1135 أنفقت “زوجة نادر شاه” مبالغ طائلة لتعمير الروضة الحسينية وفي سنة 1232 أمر “فتحعلي شاه” بتهذيب القبة الشريفة.
هدم الوهابية قبر الحسين (ع):
في سنة 1216 جهز “سعود بن عبد العزيز بن سعود الوهابي النجدي” جيشاً من أعراب نجد وغزى به العراق وحاصر مدينة كربلاء مغتنماً فرصة غياب جل الأهلين في النجف لزيارة الغدير ثم دخلها يوم 18 ذي الحجة عنوة وأعمل في أهلها السيف فقتل منهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف وقتل الشيوخ والأطفال والنساء ولم ينج منهم إلا من تمكن من الهرب أو اختبأ في مخبأ ونهب البلد ونهب الحضرة الشريفة وأخذ جميع ما فيها من فرش وقناديل وغيرها وهدم القبر الشريف واقتلع الشباك الذي عليه وربط خيله في الصحن المطهر ودق القهوة وعملها في الحضرة الشريفة ونهب من ذخائر المشهد الحسيني الشيء الكثير ثم كر راجعا إلى بلاده.
الجدول الزمني لحرم الإمام الحسين (ع)
61 هـ دفن جثمان الإمام الحسين(ع) من قبل بني أسد (12 المحرم)
65 هـ بناء قبّة لقبر الإمام الحسين(ع) بالطابوق والجص (المختار الثقفي)
132 هـ تشييد بيت مسقف بجانب مرقد الحسين (ابوالعباس السفاح)
146 هـ هدم البناء المسقف على قبر الحسين (ع) (المنصور الدوانيقي)
158 هـ إعادة البناء (المهدي العباسي)
171 هـ هدم قبّة الحسين(ع) والبناء المجاور له (هارون الرشيد)
193 هـ إعادة بناء المرقد (الأمين العباسي)
236 هـ هدم المرقد وحرث الأرض (المتوكل العباسي)
247 هـ إعادة بناء المرقد (المنتصر العباسي)
273 هـ تجديد بناء المرقد (محمد بن محمد بن زيد)
280 هـ بناء قبة على المرقد (الداعي العلوي)
367 هـ بناء قبة وأربعة أروقة وصناعة ضريح للمضجع (عضد الدوله الديلمي)
397 هـ بناء مسجد متصل برواق الحرم (عمران بن شاهين)
407 هـ احتراق مبنى الحرم إثر سقوط شمعتين، وإعادة بناء الحرم (الحسن بن سهل الوزير العباسي)
479 هـ تجديد الجدران المحيطة بالحرم (ملكشاه السلجوقي)
620 هـ بناء ضريح لمضجع الحسين(ع) (الناصر لدين الله العباسي)
767 هـ بناء القبة من الداخل وصحن للحرم (السلطان أويس الجلايري)
786 هـ توسعة صحن الحرم وبناء منارتين (السلطان أحمد بن أويس)
920 هـ بناء ضريح من ساج (أسماعيل الصفوي)
932 هـ بناء ضريح مشبّك من فضّة (الشاه اسماعيل الثاني)
983 هـ إعادة بناء القبة (علي باشا)
1032 هـ بناء ضريح من نحاس وتزيين القبة بالقاشاني (شاه عباس الصفوي)
1048 هـ إكساء الوجه الخارجي من القبة بالجص (السلطان مراد الرابع العثماني)
1155هـ. تزيين أبنية الحرم (نادر شاه الأفشار)
1211 هـ تذهيب القبة (آقا محمد خان القاجار)
1216 هـ هجوم الوهابيين على كربلاء وهدم الضريح والرواق
1227 هـ تجديد بناء الحرم وتذهيب القبة (فتح علي شاه القاجار)
1232 هـ صناعة ضريح من فضة وتذهيب إيوان الحرم (فتح علي شاه القاجار)
1250 هـ تجديد بناء القبة والأبنية (فتح علي شاه القاجار)
1273 هـ إعادة بناء القبة وتجديد قسم من الكساء الذهبية (ناصر الدين شاه القاجار)
1418هـ. رمي القبة الذهبية بأمر الطاغية صدام وبالتالي تخريبها
1428هـ. تسقيف صحن الحرم
في سنة (279 هـ) عندما تولى المعتضد بالله العباسي أمر بعمارة المشهدين الحيدري والحسيني وتفقد الخزائن بدار الخلافة فأخرج منها ما نهبه الواثق من مال مشهد الحسين عليه السلام وأعاده إليه.
في سنة(980 هـ) كُلِّف حسن الخطاط من قبل السلطان طهماسب القيام ببعض الإصلاحات في المرقد الحسيني وكان منها تذهيب المرقد والقبة الشريفة.
في سنة (984 هـ) أمر السلطان إسماعيل الثاني الصفوي والي بغداد ألوند باشا القيام بعدد من الإصلاحات منها تعمير قباب الشهداء.
في سنة (1195 هـ) تم تعمير باب القبلة الحسيني، وزُيّنت جدران الصحن بالقاشاني، وزينت جدران وأسقف الحرم الحسيني وأروقته بالمرايا، واتخد الذهب والفضة لتزيين الضريح.
في سنة (1208 هـ) موّل السلطان آصف الدولة الهندي جماعة من المجاورين للمرقد وزوّدهم بالسلاح والعتاد للمحافظة عليه بعدما وقع الهجوم عليه من قبل الأعداء واللصوص وشيّد مبنى لراحة زائري قبره الشريف.
في سنة (1220 هـ) نُصّب البابان القبليان للروضة حيث ذكرت بعض المصادر أنّهما كانا مكسيين بالفضة الخالصة ومُطعّمان بالزخارف والنقوش الفنية البديعة وقد كتب على الإسطوانة التي تتوسطهما أسماء الأئمة الاثني عشر بالتسلسل وبعض الأشعار المناسبة.
في سنة (1273 هـ) قام الرحالة السيد عبد العلي خان أديب الملك، بزيارة المرقد وذكر في رحلته بأنّ للصحن ستة أبواب: باب القبلة وباب قاضي الحاجات، وباب الصحن الصغير وباب الصدر وباب السلطان والباب الزينبي، وأنّ طول الصحن تسعون ذراعاً وعرضه سبعون ذراعاً. وفي الجهة القبلية توجد أربع عشرة غرفة الطابقين، وفي ممرات باب القبلة سقاية أسسها السيد إبراهيم القزويني من تبرعات الهنود، يدخل الزائر إلى الرواق القبلي من إيوان الذهب فالإيوان والقبة والمئذنتين مكسوة بالذهب الذي هو من إنشاء السلطان محمد خان، وقد تواصل بناء هذا المرقد من قبل آل بويه ثم الصفويين.